(الجودية) في المنظور السوداني

(الجودية) في المنظور السوداني

نهى محمد الأمين أحمد

nuha25@yahoo.com

(الجودية) بتعريف بسيط هي تدخل أطراف لحل خلاف بين شخصين، أو مجموعتين، قبيلتين على سبيل المثال،

والجودية وردت في القرآن الكريم، وتحديداً في الخلافات الزوجية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بأن يأتي حكم من أهله وحكم من أهلها،

وهذان الحكمان بمواصفات معينة وعالية، فليس كل شخص يصلح لأن يكون حكماً، لا بد أن يكون الحكمان من المشهود لهم برجاحة العقل، الفطنة والنزاهة،

ويستمع هذان الحكمان لكل من الزوجين، وبعد ذلك يتداولان الأمر ويدرسانه حتى يقررا مصير هذا الزواج، وهل الأصلح أن يستمر هذا الزواج، أم أن الطلاق هو الخيار الأفضل،

ما وددت إيضاحه أن الحكمين يقرران الأفضل للزوجين، والأفضل هذا ليس بالضرورة أن يكون استمرار هذا الزواج، وقد يكون الطلاق هو الأفضل،

عندنا في السودان الجودية تعني إعادة المياه لمجاريها، والنجاح في دفع طرفي الخلاف أو حتى إرغامهما على مواصلة العلاقة، وفي كثير من الأحيان قد يتسبب هذا الإرغام في نتائج كارثية، فيرغمان على سبيل

المثال زوجة في الاستمرار مع زوج يسيء معاملتها ويعتدي عليها بالضرب، وتتم إعادتها قسراً بواسطة الأجاويد، فيتمادى الزوج ويلحق بها الأذى الجسيم

وربما سبب لها عاهة مستديمة، وكل ذلك بسبب الجودية، على الرغم من توفر حسن النية لدى هؤلاء الأجاويد.

وفي جانب آخر مغاير تماماً، نجد أن ثقافة الجودية هذه منتشرة حتى على الصعيد الرسمي، روت صديقتي قائلة: (تقدمت بشكوى ضد مدير المؤسسة التي أعمل بها عبر النظام الإداري المعروف، إلى رئيسه، وتم تحويل شكواي إلى إدارة الشكاوى؛ حسب ترتيب العمل، وأنا على قناعة كاملة بأن شكواي موضوعية للغاية وأنني تعرضت لظلم كبير من رئيسي، وأنه استغل المنصب والنفوذ الوظيفي لتصفية حسابات شخصية لا علاقة لها بالعمل لا من قريب ولا من بعيد، ومصرة على أخذ حقي بالقانون في محاسبته ومعاقبته على سلوكه الظالم تجاهي، فوجئت بأن الإدارة المعنية بالشكاوى عملت محاولات للجودية وحلحلة الإشكالية (وديا)

وعلى حسب ما روته صديقتي، هذا الأمر غير مقبول وغير منصف في حقها.

فعلاقة العمل علاقة مهنية، ويجب أن يسري فيها القانون على الجميع، وألا يكون هناك من هو فوق القانون،

ولا مجال للجودية في هكذا مشكلات،

وأنا أوجه رسالتي في مقالي هذا للمجتمع السوداني أن الجودية أحياناً قد لا تصلح، بل على العكس قد تزيد الأمر سوءاً وتزيد (الطين بلة).


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب