عبد الحفيظ مريود: سودان واحد لا يكفي

بدون زعل

 

سودان واحد لا يكفي

 

ريتشارد ترايفور ولسون؛ ذكر أن الاكتشافات الأثرية فى دارفور، تعود إلى ١١ ألف وخمسمائة عام..تثبت الرسومات ذلك، والكتابات فى وادي هور، وجبل “تقابو”، شمال جبل مرة..وريتشارد عالم بريطاني دقيق، مهتم بالبيئة، والإنتاج الزراعى والحيوانى.. يستند إلى بروفسور آركل، جزئياً..يمكن وضع مقالة شارلس بونيه، عالم الآثار السويسري المشهور، والمعروف بأنه “اختصاصي حضارة كرمة”، وقراءتها على ضوء ريتشارد ولسون، فقد ذهب بونيه إلى أن بعض الأدوات التى وجدها فى كرمة – الفخارية – لم يعد لها أي استخدامات فى سودان اليوم، إلا فى دارفور.

شايف كيف؟

ثمة مشكلة دقيقة وحساسة، أعقبت سقوط مملكتي (نوباتيا والمقرة)، بعاصمتيهما (فرس ودنقلا). ذلك أن التأريخ الوطنى يغفل الأحداث تلك…يتوسع بروفيسور بركات موسى الحواتى، فى الأدوار الرئيسة التى لعبها “الكنوز” فى سقوط المملكتين. بعضهم يذهب إلى أنهما اندمجتا فى “فيدرالية”، قبل أن يقوض الكنوز ذلك، أيضاً. فقد سقطت نوباتيا، وصمدت المقرة ردحاً من الزمان، فى وجه الهجمات المتلاحقة التى كان يشنها أبو عبد الله العمري، حفيد عمر بن الخطاب، مدعوماً بالشاميين..وقد أسهم الكنوز، بالسهم الأكبر فى الإجهاز على المقرة، وعاصمتها دنقلا…

لكن التواريخ تتضارب تضارباً مربكاً..إذ حين تضع بعض المراجع عام ٣٥٠ م نهاية لسقوط المقرة، وهو التأريخ الذى يؤكد فيه الملك عيزانا، ملك أكسوم الحبشية، اجتياحه للنوبا (السود والحمر)، وتدميره لممالكهم تدميراً كاملاً، وإقامة عاصمته للحكم، (عند ملتقى النهرين، قبالة الخليج)..وقد استمر حكم الأحباش لشمال السودان أربعمائة عام..فى الوقت ذاته تذهب تواريخ إلى أن المقرة سقطت بعد ذلك، وساد حكم “العنج”، الذين هم مجهولون تماماً ، بالنسبة للجميع.. يجتهد د. أحمد المعتصم الشيخ فى إثبات أنهم “الحلنقة” الحاليين…لكن لا شيء يقيني بشأن ذلك؛ حتى قيام سلطنة سنار، التى لعب فيها العبدلاب دور المشرف على حكم شمال السودان، نيابة عن سلطان الفونج..فيما تتعملق حكايات لسيادة الميرافاب، و” مملكة الدفار” عند البديرية، فيما يظل تأريخ المنطقة بين البديرية ووادى حلفا مجهولاً منذ سقوط المقرة، حتى دخول إسماعيل باشا..هوة سحيقة لا يعرف عنها أحد…

شايف كيف؟

لم يجتمع “شمل” السودانيين بصورة واضحة إلا على يد محمد أحمد المهدي..وقد بقيت أجزاء من البلاد خارج سلطان المهدية، حتى سقوطها. على الرغم من توسعها الجغرافي متوغلة فى إثيوبيا واريتريا (الحاليتين)، وأجزاء من ليبيا..لكن بقيت سواكن وجزء من الشرق خارج سلطانها، بسبب (تحريض وتخذيل المراغنة)، كما توضح مذكرات عثمان دقنة..

لم يفكر أحد بردم الهوة فى التأريخ الوسيط للسودان…كما لم تقم المؤسسات الأكاديمية بإعادة ربط التأريخ القديم…تكتفي البحوث والبعثات الآثارية بالرجوع إلى ٧ آلاف سنة، انطلاقاً من حضارة كرمة، مثلاً..وتتجاهل آثار وادي هور، جبل تقابو، جبل ميدوب، وجبال الشرق، نواحي خور أربعات، والآثار المطمورة تحت الرمال بين وادي حلفا والبحر الأحمر..

ما نحن فيه – على كافة الأصعدة – هو قصور قاتل بمعرفة أنفسنا..بعدم قدرة المؤسسات وجهاز الدولة، على إيجاد روابط متينة، قادرة على توحيدنا..على عجزنا عن وضع مناهج دراسية يمكنها أن تبذر بذور تربية وطنية تربط السودانيين بماضيهم وبعضهم البعض..

نخبط عشواء دفاعاً عن مشاريع وقضايا وهمية، لا تخص أحداً…نعجز عن استلهام تجارب الأسلاف، لأننا لا نعرفهم..نتشدق – فخراً – بتاريخ نقف مثل حمار الشيخ، عقب أول سؤال منهجي حوله..

يا للهول !!

لا مناص من جمع (السودانات) هذه فى سودان واحد..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب