عنصرية اكاديمية

أما حكاية

عنصرية اكاديمية

إيهاب مادبو

تتربع العنصرية على رأس الأسباب التي تشعل الصراعات بين الشعوب، فهي تدفع الجماعات الدينية أو العرقية لتعتدي على حقوق غيرها لاعتقادها بأفضليتها وتميزها عن الآخرين.

والتمييز العنصري بطبيعة الحال، تلازمه استحقاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية؛ وتحت وهم النقاء العرقي أو الاصطفاء الديني تبيح الجماعات أو الكيانات العنصرية جرائم ضد الإنسانبة وتحط من قدر الآخرين لكونهم فقط آخرين خارج سياقاتهم الثقافية والاجتماعية.

والدول المستقرة والتي تشهد نمواً ونهضة في المجالات كلها اتخذت قرارها أولاً بمواجهة ثقافة العنصرية بحزم عبر سن القوانين التي تجرم التمييز العنصري بكافة أشكاله وأنواعه ومستوياته ومعاقبة من يمارسه؛ لإدراكها أن التعايش المجتمعي القائم على مبدأ المساواة هو ركيزة الاستقرار ومنطلق النهضة والتوجه نحو البناء بالقدرات والكفاءات لا بالأوهام وادعاء الحق الإلهي أو النقاء العرقي.

ونظراً لمخاطر العنصرية، أولى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهمية لمجابهتها، إذ تنص المادة الأولى من الإعلان على ولادة “جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.

وتنص المادة الثانية من الإعلان ذاته على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر”

أمس رن هاتفي وكان المتصل يافعاً وقد بدأ حديثه بنبرات حزينة وبصوت تخنقه العبرة حيث ذكر لي في حديثه بأنه من جبال النوبة وتحديداً مدينة الدلنح وإنه يدرس المختبرات الطبية بإحدى جامعات الخرطوم المرموقة

وقد استدعاه عميد الكلية وسأله عن تأخير سداد الرسوم الدراسية ولأن الطلاب تعيش أسرته التى هاجرت بسبب الحرب من الهامش إلى هامش أطراف الخرطوم فإنها فشلت نتجة تلك الظروف بالغة التعقيد والمأساة في توفير المبلغ

عميد الكلية وهو هنا شخصية اعتبارية بحكم موقعه تجرد عن إنسانيته تماماً والجم الطالب بسؤال يحمل بداخل حمولة ذات إيحاءات عنصرية “الزيكم ديل دخلوا الكلية دي كيف”

أسقطت هذه العبارة على الطالب الذي حزنا عميقا وحفرت بدواخله جروحاً عميقة لا تندمل بعبارات تطيب الخواطر وتزييف المشاعر التي أحسبها كانت حقيقة وعبرت عما تحمله دواخل هذا الأستاذ تجاه هذا الطالب .

ونتيجة لهذا السلوك دخل الطالب في حالة حزن عميق يستدعي ذلك علاجاً نفسياً حتى لا نفقد عالماً بالكيمياء أو الأحياء الدقيقة وقد علمت من شقيقة والدته التي كانت معه بالهاتف أنه من الطلاب المميزين والنابغين وأن طموحاته كانت دراسة الطب، ولكنه اختار المختبرات الطبية رغم أن نسبته تمكنه من دخول كلية الطب.

مؤسف جداً أن تصدر مثل هذه العبارات العنصرية من مؤسسة أكاديمبة يفترض فيها أن تكون إشعاعاً للمعرفة والتنوير لهزيمة خطاب الكراهية والتمييز العنصري الذي ظلت تعاني منه الدولة وهزم كل المحاولات الجادة في بناؤها على أسس العدالة والمساواة والكرامة.

أخيراً فإن دموع هذا الطالب لا تمسحها كل عبارات الشجب والإدانة لهذا السلوك بقدر ما تجففها التزامنا الأخلاقي أولاً بأهمية الاعتراف بالآخر ليس لأنه آخر، وإنما لكونه إنساناً فقط بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه.

ملحوظة:

معلومات الطالب بطرفي لمن يريد مساعدته لمواصلة مشواره الأكاديمي.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب