حسن فضل المولى يكتب: جمال الوالي … النُّضَار … 

 

إنَّ من أشق و أرهق الأفعال إلى النفس

أن تتوخى ( الاعتدال ) و أنت تتحدث

عن إنسان تُحِبه أو آخر تبغضه ، فإنك

في الحالتين ترجو ( الله ) أن يعصمك

من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تُقبل على

من تُحِب ، و يعصِمُك من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تَنْأى عمَّن تبغض ..

و أنت تُقْبِلُ على من تُحب ، فإن ( الاعتدال ) لا يعني غمط الحق ،

لكنه إظهار الحق بحق و حقيقة

و استحقاق ..

و هذا ما أجدني أكثر حرصاً عليه و أنا أكتب هذا المقال بعنوان ..

( جمال الوالي … النُّضَار … ) ..

و النُّضَار هو الخالص من كل شائبةٍ

و زِيف ..

ذَهَبٌ نُضَارٌ ، و وجه نُضار ، و نفسٌ نُضار ، و ( جَمالٌ ) نُضار ..

و ( جمالٌ ) نُضارٌ يعني ( الحُسنَ )

الخالص ..

لكني أعني به هنا ، ( جمال بن محمد بن عبدالله الوالي ) الخالص ..

الخالص من كل شَيْنٍ و دَرَنٍ و وهَن ،

إلا ما يعتري ابن آدم من نقائصَ فُطِرَ عليها ، ذلك أن الكمال لله وحده ،

و المعصوم رسولنا الكريم وحده ..

و هكذا هوَ عندي ..

و هكذا هو عند من عرفه و خالطه ..

و عندما غُيِّب يوماً قَسْراً ، قلت إن

( جمال )حين توارى في تلك الغَيَابَة ، تبين للقاصي و الداني ، كم أن الرجل محبوبٌ و مُقِيمٌ في القلوب ..

إنني منذ أن عرفته فهو ( جمال ) النبيل ..

رفيق ، و رقيق ، و شفيق ، و أنيق ،

و ذو وجهٍ طليق ..

يجتهد في إنفاق ما يأتيه من مال ٍ،

حتى تكاد تشفق عليه و تقول لسائله :

إتق الله فيه ..

و تجده يسبقك إلى المسرات ،

و هو في الصدارة عند كل نازلة ..

حتى وهو بعيد ، يسبقك بالسؤال ،

و الإتصال ، و تفقُّد الأحوال ، و بذل

النوال ..

يعني في كل شأن هو ..

أمام ٌ، و إمامٌ ، و مِقدام ، و قِدااام ..

 

نعم ..

إني لأشهد أنه كان دائم الإنفاق ، سِراً

و علانية ..

إذا أقبل ، و طبعُه الإقبال ، فإنه

كالسحابة الوطفاء المِدرارة ، يُعطي

عطاء من تظن أنه قد آثرك بما لم

يؤثرك به أحدٌ من قبل ..

و كان لا يأتي هذا الصنيع عن حال

من يجلس على خزائن من ( ذهبٍ )

و ( دولار ) ، كما يظن الكثيرون ..

و لكنه ..

و كما أعلم عنه ، فقد كان كثيراً ما يُمسي وهو خالي الوفاض ، إلا من

يقينٍ راسخٍ بأن المال غادٍ و رائح ٌ،

و يبقى من المال الأجرُ و الأحاديثُ

و الذكر ..

كان دائماً يقول لي : ( أنا ما بقدر

أقول لي زول ما عندي و أنا عندي ) ..

و أذكر أنه في لقاءٍ ( ببيت الضيافة ) ،

ضم الرئيس الأسبق ( عمر البشير ) ،

و جَمعٌ من المغتربين ، قال لهم

( البشير ) عندما أشار أحدهم ( لجمال ) :

( يا جماعه جمال ده ماغَنِي ، لكنه

سخي ) ..

وفعلاً ..

تجده ( مَعْبَراً ) للمال و ليس (خازِناً ) ..

فمايأخذه من هناك ينفقه هنا ..

و ما يأخذه من ذاك يمنحه هذا ..

و إن لم يكن يملك ، فإنه يستدين

من أولئك لينفق على هؤلاء ..

و تجده في ذلك وَرِعاً عفيفاً ، لايأخذ

إلا بحق لينفق في حق ..

و لعله طيلة الفترة التي قضاها رئيساً لمجلس إدارة ( بنك الثروة الحيوانية ) ، فقد دخله نظيفاً و خرج منه أنظف ، لم يتقاضى أتعاباً عن ذلك التكليف ، و لم يقترض من البنك مليماً و احداً ، و من حقه ذلك ، كما يفعل معظم رؤساء مجالس إدارات البنوك ، و من ساوره شكٌ في قولي فليذهب إلى البنك

و ليسأل كما فعل البعض من قبل ، وهم يسارعون سؤالاً و نبشاً علَّهم يجدون مَذَمَةً يطيرون بها في الآفاق ..

و على هذا فقِس ، إذ أنه في كل

تعاملاته المالية يَتَحَرَّى الحلال ،

و يَتَقي الشُّبُهات ..

 

كان يحرص في كل موسم حج على

استئجار طائرة يحمل على متنها

فوجاً من الحجيج ، تجد بينهم ،

القريب إليه و البعيد منه ، الميسور

و الفقير ، ومن لم يكن يتوقع أن

يناديه المُنادي بهذه السرعه و هذا

اليسر ..

و تجده يسهر على راحتهم و ينشط

في خدمتهم و يحمل هم كل واحدٍ

منهم ..

و كنت مرة واحداً من هؤلاء ..

وترافقنا ونحن نؤدي مناسك هذه

الشعيرة ، وفي طريق عودتنا من

( عرفات ) راجِلين إلى ( مُزدلِفة ) ،

ثمَّ إلى ( مِنى ) ، و عند رمي ( الجمرات ) ، و ( الطواف ) ، كنت

أجده دائماً أمامي مُنطَلِقاً لا يلوى

على شيء ، و لم تفلح معه كل

محاولاتي في مُحاذاته ، مما جعلني

أُحَدِّث نفسي بأن ( جمالاً ) يشُق

عليك أن تسبقه في كل حالٍ و مآل

و مجال ، إذ أنه سابق في الخيرات ،

و بالخيرات نحو الخيرات ..

و كنت أُغْبِطُه ..

و الغِبطَة نقيض الحسد ..

الحسد أن تتمنى زوال النعمة من غيرك ..

و الغبطة أن تتمنى أن يكون لك مثل

ما لأخيك ، ولا يزول عنه خيره بل يزيد ..

 

ما أصاب الداء حبيباً لديه ، أو وقف

ببابه ذو عِلَةٍ ، أو تناهى إليه خبرُ مريضٍ

إلا و أسرع إليه ، و كان الطبيب المؤازرا ، قبل الطبيب المُدَاويَّا ..

و إبان فترة عملي ( في مصر ) ، و لفترة

تقارب الأربعة أعوام ، كان لا يمر بي وقت إلا و يزفُّ لي مريضاً أو أكثر ،

و كان يتابع مسيرة علاجهم صباحاً

و عَشِية ، فأتعب أنا و لا يتعب هو ،

و يناقشني بدرايةٍ في طبيعة العِلة

و ما يُناسبها من علاج و دواء ، و لعل

ذلك يعود إلى كثرة متابعته لمثل هذه

الحالات ، أو مما يتعلمه من حرمه

الطبيب الإختصاصي دكتوره ( نعمه

إبراهيم حسن النعيم ) ، و هي شقيقة

الدكتوره ( كوثر إبراهيم ) حرم الأرباب

( صلاح أحمد إدريس ) ..

و لقد شهدته عياناً ، و نحن في ( دبي ) عندما باغت الداء صديقنا ( عبدالعزيز برجاس ) ، فأسرع بنقله إلى مستشفى (سليمان الحبيب ) ، و رابعنا الوجيه ( أحمد القاسم ) ، سادِن ( الذهب )

و ( النفائس ) ، و رأيت ( جمال ) يلاحق الأطباء بالسؤال إشفاقاً ، حتى أنني كنت أشفق عليهما ، و عندما قرر الطبيب تنويمه ، و لأن في ذلك مخاطرة ، فقد كان يرجو الطبيب أن يتريث ريثما يفعل و يفعل ، إلا أن الطبيب لجأ إليَّ فأذنت له ، و بعدها غاب ( برجاس ) عن الدنيا ( ثلاثين يوماً ) حُسوما ، حتى ظننا أنه لن يعود إلى الحياة الدنيا بعد هذا الغياب الطويل ، و ظل ( جمال ) مُلازماً له ، ملازمة الود و العُشرة و المحبة التي انعقدت بينهما ..

و في يومٍ زارنا أحد شباب ( المريخ ) وهو يعمل و يسكن في ( الشارقه ) ،

و في المساء بلغ ( جمال ) أنه قد

أُدخل ( مستشفى الشارقه ) ، لإجراء

جراحه عاجله في القلب ، وهو مستشفى فخيم لا ينقصه شيئاً ، فما كان منه إلا أن وجه بنقله في تلك الليله ، إلى ( مستشفى سليمان الحبيب

الخاص ) في ( دبي ) ، حيث يرقد

( برجاس ) ، و أرسل إسعافاً ، رافقه أخي ( صديق كوباني ) ، و جاء به ،

على مقرُبةٍ من الفجر ، و أجريت له العمليه على أعجل ما يكون ..

و هو دائماً في مثل هذه الحالات

يجتهد و يتفانى في فعل و تقديم

الأفضل و الأجدى و الأنفع ، مهما

كلفه ذلك ..

و ليس ذلك و قفاً على العلاج ، فقد

شهدته و خبرته ..

فهو يجود عليك بالأحب إلى نفسه ،

و يمنحك مما يحب أن يقتني لنفسه ،

و يُحب لك ما يحبه لنفسه و أكثر ..

لا يَسْتَكثِرُ مالاً

و لا يدَخِر وسعاً

و لا وقتاً

و لا يحجِب وُداً و مَعَزَةً ..

و أنا واحدٌ من أولئك الذين غمرتهم

هذه النفحات ، و هذه اللطائف ..

 

ورد عن الشيخ ( محي الدين بن عربي )

أنه قال : ( لن تبلغ من الدين شيئاً حتى

توَقِّرَ جميع الخلائق ) ..

و لقد رأيت من ( جمال ) توقيراً للناس

لا يقدر عليه إلا أولو العزم ، ممن فاضت قلوبهم بالمحبة و الرضى

و اليقين ..

و هي محبة ، و رضى ، يتدفقان من

قلبه فيغمران مَنْ حوله ..

و لقد رأيت ذلك رأي العين ..

إذ أنه لم يكن يضيق بأحدٍ

و لم يكن يرُدُّ أحداً ..

على كثرة من يُلاقي

و على كثرة ما يطلُبُهُ مَنْ يُلاقي

و على كثرة ما يُلاقي مِمَّن يُلاقي ..

كنت أنا أجد في كل وقت أمام داره جمعاًمن أصحاب المآرب و الحاجات

يتزاحمون بالمناكب ، حتى أن أحدهم كان يظُن أو يُرَوِّج لأن هذا ( مستشفى )

و ليس مسكناً ، فقلت له : ( لماذا تدعهم يتجمهرون أمام المنزل

و فيهم و فيهم ، و قد ينالك منهم ما لايسر ) ، فقال لي : ( خليهم ، مافي حاجه بتحصل ) ، و هو يعرف جيداً

أن بينهم و بينهم وبينهم ..

و ذات مرة طلب منه أحدُهم أن

يَكُف عطاءه عن ( فلان ) ، فهو علاوةً

على أنه ميسور الحال ، فهو أيضاً ممن

يسيئون التصرف ، فكان رده أنه يعلم

ذلك ، و تمادى في وصله له و جزيل صِلاته ..

و مرة حكى لي ضاحكاً أن أحد أقربائه قال له : ( إنت كده بتْكَمِل قروشك ، طيب مادام مُصِر ماتدي طوااالي ، مَطْوِح الواحد شويه ، تعالي بكره ، أنا مسافر ، أو أي عذر ، عشان الواحد ما ياخد بالساااهل كده ) ..

و ضحِكنا ..

و بالطبع لم يفعل ذلك

لأنه لم يكن بطبعه كذلك ..

و أنا أعلم جيداً أنه يُعطي أناساً هم

أفضل حالاً منه و أغنى ..

و يعطي كثيراً و غزيراً و بلا انقطاع ،

حتى أنني مرة قلت له ، بدلاً من أن

تهَب و احداً كل هذا فاجعله لإثنين

أو ثلاثة ، فما استجاب و أعارني أُذُناً صماء ..

لم يكن يطيع أحداً أبداً ..

في منْ يُعطي

و كم يُعطي

و كيف يُعطي

و أين يُعطي ..

 

و ما رأيت أحداً مُبَرَءاً من شُحِ النفسِ مثل ( جمال ) ..

و هوَ عندما يُسأل لا يقول ( لا )

و في الدنيِّةِ لا تسمع منه غير ( لا ) ..

ذلك أنه قد جُبِل على أن يرى القبيح

قبيحاً و الجميل جميلاً ..

و أنا أخالط الناس كثيراً ، فما أن تأتي

سيرة ( جمال ) ، حتى تجد من يقول ..

عالجني أو عالج ( فُلان ) ..

أقال عثرتي أو عثرة ( فُلان )

برَني أو برَ ( فُلان ) ..

شاركنا في كذا ..

و جاءنا في كذا ..

و اتصل بنا في كذا ..

نعم ..

و أذكر هنا ، و أنا بمعيته بفندق ( قراند

حياة دبي ) ، حيث إنضم إلينا الطبيب


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب