التربية قبل التعليم

أما حكاية

 

التربية قبل التعليم

 

إيهاب مادبو

 

 

” التربية حينما تخطئ مسارها فإنها تصنع إنساناً منطوياً وفاقداً للثقة وغير قادر على تحمل المسؤولية ”

 

وحينما كنا بالمدارس الابتدائية أذكر جبداً ذلك الهتاف المحبب لنا فى تلكم الفترة ” التربية قبل التعليم ” وكنا وقت ذاك بمدرسة كادقلى الشرقية الابتدائية، كان مديرها هو مربي الأجيال الأستاذ محمد عثمان السنجك.

 

كان الأستاذ سنجك قد ذاع صيته فى كل المدينة والأرياف البعيدة، وحينما ينتهى العام الدارسي يقف فى الطابور وهو ممسك بالسوط والطباشيرة، ثم يضع الطباشيرة على الأرض ويقول ” انتهت الطبشيرة وبقيت البسطونة ” محذراً التلاميذ من الفوضى وأي سلوك مناف لقيم التعليم، ولم يكتفِ بذلك؛ بل كان يستغل دراجته الهوائية فى المتابعة والمراقبة طول فترة الإجازة.

 

إن التعليم مهنة إنسانية ذات أهمية تفوق كل المهن، لأنها أساس في تعليم المهن، وهي ذات علاقة مباشرة بتنشئة الأطفال وإعدادهم ليكونوا لبنات صالحة متينة لهذا الوطن، فمهنة التعليم ركيزة لا يُستغنى عنها في كل العلوم، هدفها ترسيخ المعرفة في نفوس الناشئة لإعداد جيل قوي متكامل، بناء على خطة معلومة ومرسومة، وهي واجب جامع لأسس نهضة الأمم

 

وتعد أخلاقيات مهنة التعليم إحدى أهم مدخلات النظام التعليمي التي توجه سلوك العاملين التربويين وتضبطه، لأنها تشكل لديهم رقيباً داخلياً، وتزودهم بأطر مرجعية ذاتية ترشدهم في عملهم، فهي تشكل البعد الوجداني لشخصية المعلم؛

 

لذا فإن معاهد التربية فى السابق كانت تقوم على إعداد المعلم تربوياً وتثقله مهارياً حتى يتمكن من أداء رسالته الإنسانية التى ارتبطت فى المخيلة الشعبية بالعديد من الصفات الحميدة التى عبرت عنها مثاقفات شعبنا .

 

فى إحدى المدارس الطرفية بمحلية ام بدة الحارة 33 قامت مديرة المدرسة بطرد تلميذة تدعى إسلام؛ تدرس بمدرسة ذات النطاقين بالصف الخامس بحجة تسجيلها لمقطع فيديو بالبيت يجسد واقعاً ملموساً بالمدارس عن التحصيل، على الرغم من قرار وزارة التربية والتوجيه بمجانية التعليم بالمدارس الحكومية.

 

والفيديو مشهد درامي قامت فيه التلميذة بتمثيل دور المعلمة وهى وسط أخواتها بالمنزل، وتطلب منهن تسديد الرسوم فى فترة زمنية، وإلا فإن العقاب بانتظارهن، وببراءة الأطفال تقمصت دور الأستاذة من غير أن تشير لمعلمة بعينها وإنما جسدت واقعاً بالعديد من المدارس التى صارت عبارة عن جبايات للتحصيل المادي.

 

ماقامت به هذه اليافعة كان بإمكان إدارة المدرسة توظيفه صحيحاً باكتشاف موهبة هذه الطفلة فى التمثيل، وتشجيعها على ذلك حتى تنمي فيها موهبتها الإبداعية وهى حينما تقمصت دور المعلمة فإنها أجادت الدور بإتقان تام وبشكل صارم وجاد، مما يؤكد ذلك بأن لها ميولاً إبداعية تحتاج للرعاية والتشجيع، وليس للقهر والعقاب

 

واليافعة ابنة العشر سنوات كما تحدث إليّ والدها، لها موهبة فى التمثيل وكثير من الأحيان تقوم بالتمثيل داخل المنزل، وإنها اشتهرت من بين أخواتها بحبها للفنون من مسرح وغناء وإلقاء شعري، وإنه تفاجأ بطردها من المدرسة من غير ذنب اقترفته سوى أنها مارست هوايتها فى التمثيل.

 

إن التربية الحديثة توجب على المعلم أن يذكر دائماً أننا لسنا في حاجة إلى العلم فحسب، ولكننا في حاجة إلى الكثير من الأخلاق الفاضلة، وعلى هذا فإن دور المعلم لا يقف عند حشو أذهان الطلاب بالمعلومات الغزيرة لأنها وحدها لا يمكن أن تبني وطناً؛ ولكن لابد أن تعزز هذه المعرفة والمعلومات بالقيم الإنسانية، فإعداد الجيل يكون بالعلم والعمل والأخلاق والسلوك.

 

مستقبل هذه اليافعة بات مهدداً بالضياع حتى وإن عادت الى المدرسة فإن الإحساس بالذنب يقتل بداخلها موهبة الإنسان المبدع، والفنان الذى تخلق بداخلها وتحيلها الى كتلة من الحزن والشعور بالذنب وهى ماتحتاجه المدارس وبشدة إلى إحياء النشاط الطلابي والليالي الثقافية لاكتشاف المواهب ورعايته؛ لأن التربية هى السلوك الإنسانى الذي يسبق التعليم.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب