الاعتراف بالخطأ والندم .. هل تترتب عليه مساءلة قانونية؟

الاعتراف بالخطأ والندم .. هل تترتب عليه مساءلة قانونية؟

معز حضرة : الاعتراف بالخطأ يعتبر جزءاً من العدالة الانتقالية

عمار السجاد: اعتراف حميدتي جريمة يحاسب عليها القانون

محلل سياسي: ننتظر الممارسة العملية لهذا الندم

الخرطوم: فاطمة مبارك

ابتدر قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو خطابه الأخير بمقدمة غير معتادة في خطاباته، لفتت انتباه الحاضرين على المستويين المحلي والدولي، وخطف الأضواء وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي.

الخطاب المثير للجدل اعترف فيه حميدتي بأن من أخطائه دعم انقلاب 25اكتوبر، حينما قال: (لقد تعلمت في مدرسة الحياة الكثير من الدروس، أهمها أن المسار القديم للسودان غير عادل وغير منصف، لذا فحينما رأيت شباب وشابات ثورة ديسمبر المجيدة لم أتردد في الوقوف في صفهم ضد ظلم النظام البائد، واستبداده وفساده، رأيت أنني أشاركهم رغبتهم في التغيير إلى الأفضل وبناء السودان، حاولت ما استطعت فأصبت حينها وأخطأت أحياناً، آخرها خطأ انقلاب ٢٥ اكتوبر، الذي تبين لي منذ يومه الأول أنه لن يقود لما رغبنا فيه اولاً بأن يكون مخرجاً من الاحتقان السياسي ليصبح للأسف بوابة لعودة النظام البائد، مما دفعني لعدم التردد بأن أعود عنه إلى الصواب) ،

مساءلة قانونية:

ما قاله حميدتي جعل البعض يتحدث عن ما ظل يتم تداوله في الساحة هذه الأيام؛ حول تحولات أساسية طرأت على موقفه السياسي وظهرت في تمسكه المبدئي بالاتفاق الإطاري. ولم يستبعدوا أن يكون هذا الخطاب المختلف هو امتداد وترسيخ لمساره الأخير، أو قد تكون صحوة ضمير تغلب فيها جانب الرجل الإنساني والأخلاقي على الجوانب السياسية والعسكرية، كما عبروا عن تقديرهم لهذه الخطوة التي يمكن أن تؤسس لسلوك إيجابي وتقود لمصالحات وطنية أو كما ذكروا.

لكن بالمقابل يرى آخرون؛ أن ندم قائد الدعم السريع عن انقلاب 25اكتوبر واعترافه بنفسه يترتب عليه جوانب قانونية. وبحسب تقديراتهم، كان يجب أن يتبع ذلك استقالة والاستعداد للمساءلة، لأن الانقلاب أدى إلى إزهاق أرواح، ويعتبر جريمة يحاسب عليها القانون.

منهج قديم:

حميدتي لم يكن القائد الوحيد الذي اعترف بخطئه واعتذر عنه، فقد سبقه آخرون عبروا عن أخطائهم وأظهروا ندمهم على مواقف اتخذوها، ولازال الناس يذكرون حديث يوسف عبد الفتاح في لقاء صحفي، أكد فيه عدم ندمه على مشاركته في ثورة الإنقاذ، كذلك تحفظ ذاكرة السياسيين الإعلاميين اعتراف عمر قمر الدين الذي تولى مسؤولية وزارة الخارجية بعد مغادرة اسماء للمنصب عندما قال : لن اعتذر عن مساهمتي في فرض العقوبات على السودان. وبالموازاة هناك من قال إنه ليس نادماً على فعل قام به كالرئيس المعزول عمر البشير عندما قال، بحسب المتحري، للجنة التحقيق في انقلاب 1989م إنه ليس نادماً على مافعل، وسبقه الرئيس الأسبق جعفر نميري الذي حسب ماهو موثق قال : (ماندمان على إعدام محمود محمد طه ولو جاء تاني ومصر على أفكاره وعندي سلطة سأعدمه،)

رغم الضجة الإعلامية التي أفرزها حديث حميدتي عن خطئه في انقلاب 25 أكتوبر، اختلف حوله المحللون والمراقبون والمتابعون لمسيرته بين مثمن لهذا التوجه ومنتقد له.

سلوك جديد:

 

وفي هذا الشأن يقول القانوني المدافع عن حقوق الإنسان . معز حضرة : في سياق العمل السياسي يحمد لحميدتي أنه اعترف بالسلوك الخطأ، وهذه من الأشياء النادرة جداً أن يعترف سياسي سوداني بذلك، وأضاف.. بغض النظر عن الوسيلة التي وصل بها لهذا المنصب والدوافع والمكون النفسي، يحمد له انه اعترف بأن ماتم هو انقلاب، ويريد مراجعة نفسه، حضرة يرى في حديثه لليوم التالي أن ما قام به حميدتي يعتبر موقفاً جديداً في الحياة السياسية السودانية، وأشار إلى أن بعض السياسيين والعسكريين لايعترفون بأخطائهم ويكابرون، ويعتقد أن البشير رغم أنه قام بفعل مخالف للقانون ويحاكم عليه الآن، وتم في عهده الكثير من الجرائم، وفصل الجنوب وقتل الملايين في دارفور، لكن لم يعترف بذلك ولم يطلب العفو من الشعب السوداني واعتبر ذلك بمثابة غرور ومكابرة، ومضى في حديثه : نميري أيضاً كان يكابر وهذا نوع من الجهل والغرور، لأن النفس السوية عندما تخطئ، تطلب العفو والرسول صلى الله عليه وسلم قال خير الخطائين التوابون، وأكد أن الموضوع في جانبه السياسي يحمد لحميدتي أنه اعتراف بالخطأ ، وأبدى حضرة استغرابه لبعض السياسيين الذين لا زالوا يكابرون ويعتبرون ماتم في 25 اكتوبر ليس انقلاباً، رغم أن أصحاب الانقلاب الحقيقيين قالوا إنه انقلاب، وقال الذين كانوا بالأمس في جوبا مستمرين في تأييدهم للانقلاب أمثال التوم هجو وغيره، هؤلاء يحتاجون للجلوس مع أنفسهم والاعتراف بخطئهم تجاه الشعب السوداني . وأوضح أن البرهان اعترف في إحدى زياراته الأخيرة لنهر النيل بالانقلاب، بالأمس اعترف حميدتي، والفرق بين البرهان وحميدتي أن البرهان لم يعترف بالخطأ رغم الكوارث التي حدثت بعد الانقلاب والتعطيل الذي تم للدولة المدنية، أما اعتراف حميدتي كان إيجابياً ويحمد له هذا الموقف ، ووصف الخطوة الطيبة، وقال: أتمنى أن يتبع ذلك المنهج كل من اخطأوا في حق الشعب السوداني، ونوه إلى أن الاعتراف يعتبر جزءاً من العدالة الانتقالية التي تتطلب أولاً اعتراف المتهم بخطئه، ثم بعد ذلك تأتي المصالحة، وعبر عن أمله أن يكون ماقام به حميدتي بداية لمصالحة تاريخية.

وحول الأبعاد القانونية قال حضرة: الموضوع لايخلو من بعد قانوني وبعد سياسي، لأن حميدتي تحدث عن أبعاد سياسية باعتباره الرجل رقم اثنين في الدولة، لذلك فهو يتحدث عن فعل سياسي وندمه كان على تحرك سياسي، لكن التكييف القانوني للفعل الذي قاموا به في 25 هو انقلاب وتقويض للنظام الدستوري والوثيقة الدستورية، ووفقاً للقانون هذه جريمة في حد ذاتها.

تمرير أجندة :

 

المحلل السياسي دكتور حاج حمد، قال : من شروط الاعتذار، الاعتراف بالذنب ثم الإقلاع عنه ، وقال ل(اليوم التالي): إن الاعتذار والندم عادة يدل على القدرات المعرفية، وحميدتي لديه مستشارون، لكن ليس له قاعدة سياسية، عكس البرهان الذي كان جزءاً من اللجنة الأمنية بقيادة حزب المؤتمر الوطني، وأكد أن الاعتذار ليس كلمات تطلق في الهواء وإنما شجاعة أدبية والمعيار الحقيقي هو الممارسة، ولفت إلى أن الرئيس الأسبق عبود قال احكموا علينا بأعمالنا وبعد ست سنوات حكم عليه الشعب بأعماله، وأوضح حمد، تاريخياً أي دكتاتور يختلف اعتذاره عن الآخر، بعضهم يستخدم الندم أو الاعتذار لتمرير أجندة، وحول ندم حميدتي قال حاج حمد: نحن ننتظر الممارسة العملية لهذا الندم، في عملية دمج الدعم، وعمل المفوضية، حمد يعتقد أن الندم له أبعاد سياسية .

سلوك إيجابي :

وبدوره وصف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد حامد جمعة؛ ندم السياسيين بالسلوك الإيجابي، وأكد أن هناك جانباً أخلاقياً يتمثل في المصالحة والعفو، بيد أنه قال: لكن هناك جوانب عملية، فإذا أخطأ الشخص واعتبر ماقام به كان خطأ وسماه انقلاب، في إشارة لحديث حميدتي، فيترتب على ذلك آلية المحاسبة، وأضاف.. هناك من فقدوا أرواحهم بسبب هذا الفعل، يصبح.. لابد من السؤال عن التكييف القانوني للمعالجة كيف سيتم، وأضاف.. إذا الشخص أظهر ندمه واعتذر يجب أن يستقيل؛ لأن ماندم عليه تترتب عليه أشياء أخرى، جمعة يرى أن الجانب السياسي في مسألة الندم عند السياسيين أكبر من الجوانب القانونية والأخلاقية، ولم يستبعد أن يكون وراء الندم بعد سياسي يعطي من أظهر ندمه دفعة تمكنه من العبور .

طبيعة الشخصية:

أما المحلل السياسي دكتور صلاح الدومة، فقد قرأ حديث حميدتي حول اعترافه بارتكابه لخطأ انقلاب 25 اكتوبر في عدة اتجاهات، وأشار إلى أن مسألة ندم القيادات ليس لها قاعدة واحدة يمكن أن تعمم على كل الذين ندموا على فعل سياسي أو خطأ ارتكبوه، وأكد أن المسألة مرتبطة بطبيعة الشخصية والمنصب الذي يتقلده الشخص، سواء كان رئيساً أو ملكاً أو وزيراً، وأوضح أن الاعتذار والندم أحياناً يوجه للحزب أو لشريحة محددة داخل المجتمع أو بعض الأحزاب، ومضى في حديثه لليوم التالي.. هناك عوامل كثيرة تتداخل في هذه العملية، النادم أحياناً يكون موفقاً، وفي أحايين أخرى يكون غير موفق فيه، وحول وجود أبعاد قانونية في الموضوع من عدمه قال الدومة: حسب الحالة يمكن أن تكون هناك أبعاد قانونية، ويمكن أن توجد أبعاد قانونية لاقيمة لها.

اعترف على نفسه

من جانبه.. انتقد القيادي بالمؤتمر الشعبي دكتور عمار السجاد، ندم حميدتي وحديثه عن الأخطاء واعتبر ندم السياسيين بمثابة (ضعف) حسب ماذكر، السجاد قال لليوم التالي: السياسي يفترض أن يواجه موقفه و يراجع أخطاءه، ويعمل على انتقاد ماقام به، ووصف الذين يندمون بالضعفاء، عمار يعتقد أن هذا الموقف لايشبه حميدتي الذي يعرفه الناس كشخص محارب ومقاتل واللين والضعف ليس من شيمته، ولم يستبعد تعرضه لضغوط من جهة ما جعلته يقول ذلك، وأشار إلى أن حميدتي اعترف على نفسه بعمل انقلاب وهذه جريمة يحاسب عليها القانون، و اعترافه سيجعله عرضة للمحاكمة في المستقبل، خاصة الآن هناك من يحاكمون بانقلاب 1989م.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب