من خلف هذه الكارثة.. زيادة رسوم الجامعات الحكومية

نهى محمد الأمين أحمد
nuha25@yahoo.com
هذا التطور الخرافي في الدول المتقدمة، كان العلم هو وسيلته، نهضت اليابان هذه النهضة المهولة بعد الحرب العالمية، لأنها علمت أن الاستثمار الناجح يكون في الإنسان نفسه، وهو المورد الذي لا ينضب معينه، فركزت كل مجهوداتها على العلم والمعرفة، وأصبحت قبلة العالم في الاختراعات والصناعات بشتى أنواعها..
القرآن الكريم والسنة النبوية تطرقت إلى هذا الأمر وأوضحت أهمية التعليم في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة..
كان للجامعات السودانية وضعها وسمعتها بين جامعات العالم والكثير من الدول كانت تقبل في الدراسات العليا خريجي جامعة الخرطوم بدون أي معاينات أو الخضوع لاختبارات قدرات، إلى أن جاءت قرارات التعريب وثورة التعليم العالي التي أودت بالتعليم الجامعي إلى التهلكة، وبالرغم من ذلك ظلت للجامعات الحكومية هيبتها وقداستها إلى أن قرر ولاة الأمر الأكارم بين عشية وضحاها، في بداية العام الدراسي الحالي، زيادة رسوم الدراسة الجامعية في الجامعات الحكومية بنسبة ألف في المائة، بمعنى مضاعفة الرسوم عشر مرات، وتصدرت جامعة الخرطوم (أم الجامعات السودانية) القائمة بأعلى رسوم، والرسوم تتدرج كما نسب القبول، بمعنى أعلى رسوم لكليات الطب، تليها الهندسة وهكذا، وفرضت رسوماً بقيمة ٥٥٠ ألف جنيه لطالب كلية الطب، أي مهزلة نعيشها يا سادتي الأفاضل، تخيلوا معي ذلك الأب والذي يعمل موظفاً حكومياً، ولديه أربعة أبناء في المتوسط، وهذه الرسوم الدراسية على أحد أبنائه تساوي مرتبه كاملاً لمدة عام كامل، كيف يستطيع تحمل هذه المبالغ الطائلة في زمن استحال فيه الحصول على وجبتين في اليوم للأسرة ولن أتمادى وأقول ثلاث وجبات..!!
من ناحية أخرى، ونحن في بلد المفارقات العجيبة، الطالب الذي تمكن من دخول كلية الطب أحرز نسبة نجاح أعلى من ٩٤٪، فذلك يعني وبكل بساطة أننا بدلاً من تكريم المتفوقين من أبنائنا ومنحهم مرتبات شهرية تعينهم على مصاريفهم الجامعية كما يحدث في الكثير من الدول، نفرض عليهم عقوبات جسيمة جزاء على تفوقهم، وذلك بفرض رسوم لن يستطيع أولياء أمورهم توفيرها، ونجعلهم يندمون على المذاكرة، المثابرة والتفوق..
ويومياً نسمع عن طلاب تركوا الدراسة الجامعية وذهبوا للعمل في مهن هامشية حتى يتمكنوا من الإنفاق على أنفسهم ومساعدة ذويهم، وفي جامعة الخرطوم التي مجدناها نحن أبنائها بتسميتها (الجميلة ومستحيلة)، لأنها كانت تستوعب في كلياتها صفوة الطلاب الذين يجلسون لامتحان الشهادة الثانوية، للأسف فقدت نصف اللقب، فهي لم تعد جميلة كما كانت ولكنها تظل مستحيلة، ولكن بفهم سلبي وهو استحالة تمكن الطلاب المقبولين فيها من استيفاء هذه الرسوم الباهظة،
للأسف سمعنا أنه في منارة العلم هناك طلاب يتم إحراجهم يومياً أمام زملائهم، لعدم تمكنهم من سداد الرسوم الدراسية حتى أنهم توقفوا عن الحضور لتعرضهم للإهانة..
اجتهد أبناؤنا الطلاب، حاولوا أن يدافعوا عن حقهم في التعليم، عبروا عن رأيهم بالإضراب والمسيرات، ولم يصلوا إلى نتيجة حتى الآن!!!
اسمحوا لي أن أتساءل، من صاحب هذه الفكرة المهلكة؟ من وراء هذا القرار الجائر الذي لا يسنده أي منطق؟ من زج بالتعليم في هذه المزايدة الرخيصة وأدخله كأحد بنود الجبايات والضرائب، والانتقام من المواطن المسكين الذي أصبحت الحياة الكريمة بالنسبة له حلماً مستحيلاً؟؟؟
أين أنتم يا أساتذة الجامعات؟ الذين تمتعتم في هذا البلد بمجانية التعليم حتى الجامعي، استضافتكم الداخليات، ونعمتم بالوجبات المجانية والعلاج المجاني، ليس هذا فحسب، بل تم ابتعاثكم للخارج على حساب هذا البلد وشعبه لتحصلوا على أعلى الدرجات العلمية، ما هو موقفكم من هذه المهزلة المؤلمة، أين دوركم وأنتم تمثلون قمة الهرم التعليمي في هذا البلد المبتلى دوماً بأبنائه؟
أليس هناك من رجل رشيد؟؟!!!


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب