عبد الحفيظ مريود يكتب: ندى القلعة وأخريات 

بدون زعل

ندى القلعة وأخريات

لو كان لديك فرصة لتفترش الأرض، في سوق موقف جاكسون، سوق اللفة، سوق صابرين، سوق ٦ بالحاج يوسف أو مايو: ما هو الشيء الذي ستكون متأكداً من رواجه؟ ما الذي ستعرضه في المترين المخصصين لك؟ هل يبدو السؤال بلا معنى؟

حسناً..

ما الذي نبيعه، بالضبط، أنا وأنت؟

ما بضاعتنا؟ ما الذي يعرضه أي سوداني للبيع، في لحظتنا التأريخية الراهنة؟

قبل أربعة أشهر، اتصل بي رئيس تحرير صحيفة سودانية شهيرة. كان صوته مبتهجاً، يسألني ويعرض على صفقة لا يمكنني – بحسب تقديراته – أن أرفضها، بالطبع (يا مريود: أنا ح أديك خمسين جنيه شهرياً، ح تكتب لي في الصفحة الأخيرة.. رأيك شنو؟ خمسة أعمدة في الأسبوع)..

شايف كيف؟

لم أحسب نفسي رخيصاً، بهذا القدر، إلا يومها..

لم أحتج، لم أستنكر..

عدت إلى العام ٢٠١٠م، حين رفع إلي رئيس تحرير إحدى الصحف تذمر المدير العام، وصاحب امتياز الصحيفة بأنه يفضل “تحويل عمودي من الأخيرة، والاستعاضة عنه بكاتب شباك”.. وهو المصطلح الذي يعني في “الحقل الصحفي” الكاتب الذي يشتري القراء الصحيفة لأجله.. مثل “فنان الشباك”، تماماً.. ذاك الذي يتزاحم الجمهور عند شباك بيع التذاكر لحفلته..

كان تلك نافذة صغيرة أبصرت منها المعنى.. ما تبيعه لا سوق له هنا.. فاحترم نفسك..

صرت مقتنعا بـ”جمهوري” البسيط.. والأفضل أن أتخلى عن الكتابة الصحفية.. فلست مؤهلاً لها..إذ أفتقر إلى مقوماتها: ” الشباك”..

نظريتي القديمة جداً، وأنا يافع هي (لا تحسن الظن بنفسك).. حين يتنافس الشباب على “مزة” في مكان ما، أقف متفرجاً.. ليقيني القاطع بأنه ” لا شيء يدفع امرأة عاقلة لاختياري”.. لذلك لا أدخل المنافسات، من “أساسو”، سواء للفوز بالـ”مزز” ، أو للفوز بجائزة ما، أو حتى للفوز بمقعد في “نقابة ثقلاء الحلة”..

شايف كيف؟

هل تعتقد – وأنت محامٍ شهير، مثلاً، أو أستاذ في الجامعة – أن بائعة الشاي، تلك، يمكنها أن ترفضك؟ على الأرجح: لا..

لن تحلم بائعة الشاي أن يتكسر فيها: إيهاب داوود “شقيق أسامة داوود”، جمال فرفور، أشرف الكاردينال، حسين الصادق، بروف اليسع حسن أحمد، جمال حسن سعيد، سيف الجامعة… الخ. ولذلك فإن الشائع، ثقافياً واجتماعياً، هو أنه – على فرض حدوثه – فإنها ستطير، ولن تفكر في الرفض، دع عنك أن ترفضه..

ماذا أعرض في المترين، هذين، في موقف جاكسون، هذا؟

قصص وهمية.. رشاقة في غير محلها.. ادعاء ثقافة ومعرفة.. شوية معلومات لا تهم أحداً، ولا يحتاجها أحد.. لذلك ليس مستغرباً أن يعرض علي رئيس التحرير ذاك “خمسين ألف، شهرياً”، ستحتاج إلى أكثر من ضعفها لتنشيط الإنترنت، شهرياً..

يتابع الفنانة ندى القلعة أكثر من ٣ ملايين..

لا يفوقها أحد في السودان، حسب علمي..

تتنافسان: هي وهدى عربي، الأكثر نجومية، على الإطلاق على كل شيء: من تمثيل السودان خارجياً، إلى رسم الحنة والتياب، إلى النقطة.. ستدخل “عشة الجبل” المضمار، قريباً.. (يمكنك مقارنة ذلك بمتابعي، والمعجبين والمعلقين على حسابات وصفحات: الشفيع خضر، التجاني عبد القادر، المحبوب عبد السلام، طلحة جبريل، الواثق كمير، وغيرهم).

شايف كيف؟

لقد كان الأكثر شهرة في “ميدان اعتصام القيادة”: دسيس مان، الفتاة بالثوب الأبيض على السيارة “حبوبتى كنداكة” – نسيت اسمها والله – ثم رئيس جمهورية أعلى النفق..

لم يعد أحد يلقي بالاً للأستاذ الصادق سمل، مثلاً.. من لحظة ظهر خطابه “الطهراني المستنير”، الداعي للتسامي فوق الجراح..

حسناً..

نفترش الأرض، جميعاً، ونبيع التفاهة.. لأن الوقت هو وقت التفاهة، بامتياز..

قلت لرئيس التحرير، حين قدم لي العرض: هل سمعت بقصة أستاذنا وزميلنا الفاتح الصباغ، مذيع الأخبار المشهور بتلفزيون السودان، رحمه الله؟

قال لي: لا..

قلت: نزل “السقف”، وهو أجر فوق المرتب يمنحه التلفزيون القومي لإنتاجك الشهري، وحين وجد الصباغ اسمه، تتبع الخط، قرأ الرقم المكتوب، فوجده مخجلاً.. سأل فريد الصراف، قبل أن يوقع للاستلام “يا فريد دي كم؟”، فريد قرأ له الرقم.. استغرب كون هذا المبلغ هو “سقفه الشهري”.. قال متسائلاً بسخريته المعهودة: “يا ربي الشهر الفات دا غرفت ليهم بلاعة، ولا قريت نشرات؟”..

شايف كيف؟

الأفضل أن “نخت الكورة واطة”..

ليس ثمة من “كتابة” ننجزها يمكنها أن تشتري وجبة.. وليس من “مزة” ستقع في غرامك.. ليس من قطعة ناصية ستكون من نصيبك في كافوري، المعمورة، الملازمين، الرياض، نمرة ٢، العمارات..

فشنوووووو..

أبقى مارق بي كرامتك..


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب