ماذا يعني إصلاح القوات المسلحة

 

بارود صندل رجب المحامي

يتفق الجميع على ضرورة إصلاح المنظومة الأمنية في البلاد، بما يتوافق مع التغيير المنشود والتحول الديمقراطي ولا يحسبن أحد أن الإصلاح المطلوب مجرد ترميم لبعض الخلل في بنية المنظومة العسكرية، إبعاد لبعض الضباط وضم آخرين من الحركات المسلحة أو المليشيات، ذاك جزء من الإصلاح وهنالك أبعاد أخرى للإصلاح أكثر عمقاً وأمضى جراحاً، كل الوثائق الموقعة من أطراف العملية السياسية في البلاد بما فيها القوات المسلحة تضمنت فهماً واضحاً للإصلاح، وثيقة دستور المحامين والاتفاق الإطاري والوثيقة الوطنية الحاكمة للفترة الانتقالية.. الخ.. والنصوص هي: تتكون القوات المسلحة من مكونات الشعب السوداني المختلفة بما يراعي قوميتها وتوازنها وتمثيلها دون تمييز أو إقصاء، تنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية وصولاً لجيش قومي مهني احترافي واحد، القوات المسلحة قومية مهنية احترافية غير حزبية تعبر وتعكس تشكيلاتها التعدد والتنوع للشعب السوداني، دمج قوات الدعم السريع وجميع القوات الأخرى تحت مظلة القوات المسلحة وفق خطة أمنية وترتيبات أمنية محكمة مع إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية. يحظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية.. يتم دمج قوات الدعم السريع وفق الجداول الزمنية المتفق عليها وقوات حركات الكفاح المسلح وفقاً لبند الترتيبات الأمنية والواردة في اتفاقية جوبا لسلام السودان.. حل المليشيات وتجريدها من السلاح، وفي المحصلة إصلاح أمني وعسكري يقود إلى جيش مهني وقومي واحد..

ومن خلال متابعتي لما يكتب في هذا الشأن فإن الدكتور الوليد مادبو هو أفضل من أبان الأمر بوضوح وأجمل معنى الإصلاح المطلوب وذلك في مقاله الأخير تحت عنوان القوات المسلحة المفترى عليها.. هذا المقال أصاب كبد الحقيقة في كلمات قليلات، ولكنها محكمة وضعت النقاط على الحروف..

وبالمقابل هنالك تصريحات صادرة من قيادة القوات المسلحة والتي هي نفسها على قيادة البلاد سيادياً تلقي بظلال من الشك حول فهمها للإصلاح العسكري ورغبتها في إنزاله على أرض الواقع.. سبق أن علقنا على تصريحات البرهان التي أطلقها من ولاية نهر النيل ومن منصة اجتماعية الزواج الجماعي، وأعقبتها تصريحات ياسر العطا ومن ذات المنطقة وذات المنصة، قال العطا: القوات المسلحة لا تخشى التهديدات الداخلية والخارجية، وإنها قادرة على بسط الأمن والسيطرة على أي تصرفات غير مسؤولة.. وإن التهديد بامتلاك جيش قد يؤدي لانهيار الدولة السودانية، وليس هناك دولة ديمقراطية حديثة محترمة بها جيشان، هي تصريحات مستنسخة من تصريحات البرهان، دعنا نحسن الظن في زمان ومكان وسياق الحدث، ولكن هذه التصريحات تفصح عن خلاف عميق بين قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع عجز الطرفان عن كفكفته ومعالجته بعيداً عن الإعلام، ويحمد لهما أنهما حافظا على تماسك هذه القوات وسط الأمواج المتلاطمة، بل الزلازل التي ضربت البلاد منذ نجاح الثورة وبالتالي فإن هذا الخلاف سيتم احتواؤه بذات الروح لا سيما أن الأطراف متفقة على الإصلاح من حيث المبدأ وأن من أهم عناصر هذا الإصلاح هو دمج القوات، وهذا الدمج حسب فهمنا نحن الملكية لا يتم بقرار لا من قيادة الجيش ولا من رئاسة السيادة ولكنها بخطة الحكومة وترتيباتها ،أما التنفيذ فشأن فني تضطلع به الجهات الفنية.

يفهم من التصريحات التي تفتقر في تقديرنا الى الدربة السياسية والحكمة أنها رسائل بالأساس للسياسيين بأن القوات المسلحة هي المتحكمة في البلاد هي مع الثورة ومؤمنة بها وهي قادرة على كبح جماح أي قوة أخري.. وأيضاً رسالة لقوات الدعم السريع هذه القوات مهما اختلفنا معها أنها صناعة القوات المسلحة واستخدمت في قمع تمردات وأنها تمددت داخلياً وخارجياً وكبرت واستقلت تحت سمع وبصر القوات المسلحة، وانها أصبحت شريكة في الثورة وفاعلة في الأحداث، ومحاور خارجية ومصالح، وتغلغل في المجتمع، واتفاق بسخاء، وما خفي أعظم، وفوق هذا كله تتمتع بشرعية، وفق الدستور والقوانين، قانون قوات الدعم السريع وبالتالي فليس من العقل التعامل معها وكأنها مليشيا لا يحكمها لا قانون ولا انضباط ولا يحزنون، تنزع سلاحها وتدمج في القوات المسلحة كيفما اتفق ذاك هو الجنون والجنون فنون، بل بعد عن الإصلاح المنشود، يجب اتباع الوسائل والآليات السليمة المتفق عليها بين العسكريين أنفسهم وبينهم وبين المدنيين..

أما الكلام المرسل الذي يطلق من منصات اجتماعية من قيادات الدولة والقوات المسلحة هو الخطر الداهم والفتنة النائمة، ليس في تناقضه فحسب، بل في الإشارات السالبة، إن الجيش هو كل شيء وأن أس المشكلة في البلاد يكمن في عدم دمج القوات، هي كلمة حق أريد بها باطل!! لماذا لم تدمج قوات الحركات المسلحة بعد سنتين من اتفاذ جوبا، لماذا لم ينزع سلاح المليشيات التي تمرح وتسرح في البلاد وهي لا تتبع لأي جهة اعتبارية، وماذا فعلت القوات المسلحة لكبح جماح قوات درع السودان التي تتحدى السلطات جهاراً نهاراً بمؤتمراتها المشهودة واستنفاراتها، أم إن الكيل بمعيارين هو القاعدة.

من يطلقون هذه التصريحات وهم في قمة السلطة لا يصلحون لقيادة التغيير، وأفضل خدمة يمكن أن يقدموها للبلاد أن يترجلوا عن القيادة العسكرية تقاعداً والانخراط إن أرادوا في لجة السياسة خوضاً مع السياسيين، هذا أو انسداد الأفق، والاحتقان، والسلام.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب