تعدد الإعلانات السياسية واستمرار الأزمة السياسية

سياسي: تعدد الإعلانات السياسية يعكس عمق الهوة بين القوى السياسية
الفاتح محجوب: الآلية الثلاثية ستعمل على التوفيق بين الإعلانات السياسية المختلفة
جعفر خضر: بعض الإعلانات تؤكد عدم خروج العسكر من السياسة
محمد خليل: كيف يتم تحقيق الإعلانات السياسية دون عسكريين؟
الخرطوم: محجوب عيسى
لم يزل اتساع الهوة بين القوى السياسية في البلاد مستمراً في ظل سعي كل طرف لتسويق موقفه مع تعدد محاولات التسوية الداخلية والخارجية دون أن تلوح في الأفق بارقة حل، بل يزداد المشهد تعقيداً مع اصطفاف وتجاذب الأطراف، وعلى خطى استمرار الاحتجاجات في الشارع تتناسل الإعلانات السياسية الرامية لإثبات مواقف القوى السياسية، وفي غضون ذلك تباينت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) حول تعدد الإعلانات السياسية التي أعلنت والمزمع الإعلان عنها قريباً، إذ يرى البعض أنها أمر محمود في علم السياسة، سيما وأن الوصول لاتفاق يبدأ من النقاط المشتركة الواردة في الإعلانات السياسية، ومن ثم التفاوض وصولاً لتوافق حول النقاط المختلف عليها، فيما اعتبرها آخرون أنها تعكس مدى عمق الهوة بين القوى السياسية في السودان، ولا تعبر عن تطلعات جماهير الثورة وقواها الجذرية إنما هو تجلٍ لجوهر تناقضات المصالح وحظوظ السطة بين الحرية والتغيير ومجموعة التوافق الوطني.

جوهر تناقضات
إن تعدد الإعلانات السياسية يعكس مدى عمق الهوة بين القوى السياسية في السودان، ولا يعبر عن تطلعات جماهير الثورة وقواها الجذرية، إنما هو تجلٍ لجوهر تناقضات المصالح وحظوظ السلطة بين الحرية والتغيير ومجموعة التوافق الوطني.. هذا ما ذهب إليه المحلل السياسي عبدالقادر محمود وقال إن المكون العسكري المستفيد الأول من هذا الوضع سيما وأنه نجح في ممارسة السياسة عندما أعلن انسحابه من المشهد السياسي وترك الملعب خالياً لتشاكسات القوى السياسية، وبحسب عبدالقادر في حديثه لـ(اليوم التالي) أن غياب التوافق بين القوى السياسية في البلاد يطيل عمر بقاء المكون العسكري في السلطة ويزيد من فرص الحكم الاستبدادي في حال استمرار التشاكس على ما هو عليه، وقطع باستحالة حدوث توافق حول إعلان سياسي موحد بين الحرية والتغيير ومجموعة الوفاق الوطني، وأرجع ذلك لعدة أسباب تتمثل أولاً تمترس القوى السياسية المختلفة خلف عدم قبول الآخر لجهة أنها تعتقد أن وجود أحد أطراف القوى في الحكم يعد خصماً ونفياً للطرف الآخر، ثانياً، تجاوز الحرية والتغيير المجلس المركزي ومجموعة الوفاق الوطني الجماهير الثورية لافتضاح أمرهم المتعلق بشهوة السلطة، وأضاف المحلل السياسي: أخيراً وجود قوى الثورة الجذرية التي تعمل على إسقاط الانقلاب وإزاحة المجلس المركزي والوفاق الوطني من مشهد التأثير السياسي باعتبارهما يمثلان النخبوية السودانية التي لا تؤمن بأهداف ثورة ديسمبر العظيمة، بل تعمل على تكريس مفاهيم السودان القديم بكل إشكالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أمر محمود
إلا أن الخبير السياسي د. الفاتح محجوب له رأي مختلف ويقول إن تعدد الإعلانات السياسية الصادرة من كل تكتل سياسي على حده أمر محمود في علم السياسة وذلك لأن النتاج النهائي لأي اتفاق سيتكون أولاً من النقاط المشتركة الواردة في تلك الإعلانات السياسية ومن ثم التفاوض بين تلك التكتلات للوصول لتوافق حول النقاط المختلف عليها، وطبقاً لمحجوب في إفادة لـ(اليوم التالي) أن الآلية الثلاثية تعمل على التوفيق بين تلك الإعلانات السياسية المختلفة الصادرة عن التكتلات السياسية السودانية وتلك الصادرة عن مبادرة الشيخ الطيب الجد أيضاً وتابع أن العسكريين هم من يحكم السودان حالياً، وتكون لهم الكلمة الفصل في تقييم الإعلانات السياسية المختلفة.

سباحة ضد التيار
وفي السياق ذاته يرى المحلل السياسي الصادق المقلي أن المشكلة الأساسية تكمن في أن القوى السياسية والثورية والمدنية المناهضة للانقلاب كطرف في النزاع على طرفي نقيض مع الطرف الآخر في الأزمة الذي يتمثل في العسكر وحلفائهم من الميثاق الوطني الذى يضم حركات الكفاح المسلح عدا الجبهة الثورية، وانتقد المقلي إعلان قوى التوافق الوطني وقال إن مخرجات إعلانها السياسي يهزم المسمى توافق الوطني لجهة أنهم يسبحون ضد تيار القوى السياسية والثورية والمدنية الأخرى التي ليس لها هدف غير إسقاط الانقلاب، وقيام حكم مدني مكتمل الأركان وعودة العسكر للثكنات وأضاف: هذا هو لب الأزمة، ووفقاً للمحلل السياسي أن رؤية قوى التوافق الوطني لا تريد فض شراكتها مع المكون العسكري لأنه من حقق لها الانقلاب الذي أطاح بحكومة حمدوك وأزاح خصمهم السياسي الحرية والتغيير المجلس المركزي من الحكم وزج بهم فى المعتقلات، وأكد صعوبة حدوث توافق وطني في ظل تمترس قوى التوافق الوطني في موقفها الداعم لشراكة مع العسكر الأمر الذي يجعل الباب موارباً لاستمرار الحراك الشعبي في الشارع واستمرار العزلة الدولية والإقليمية وأردف أن هذان العاملان كفيلان بإحداث تغيير تتبلور ملامحه في المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة سيما وأنه لا يمكن استمرار الأزمة.

تكتيك السياسي
وطبقاً لرئيس المجلس التنفيذي لحركة (بلدنا) جعفر خضر أن الإعلان السياسي لمجموعة التوافق الوطني يعبر عما يطلبه الانقلابيون وإعادة نموذج الشراكة بين العسكريين والمدنيين وأن تكون السيطرة للعسكرين سيما وأنهم صنيعة المكون العسكري لتبرير وتمهيد طريق انقلاب 25 أكتوبر، وأشار خضر في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن إعلان التوافق الوطني نص على الشراكة مع العسكريين الأمر الذي يؤكد عدم خروجهم من المشهد السياسي واعتبر ذلك تكتيك السياسي، وقال إن الموقف المجلس المركزي الذي يرفع شعار لا شراكة وأن لا يكون العسكريون جزءاً من السياسة موقف صحيح ناتج عن تجربة مريرة سابقة، ونوه رئيس حركة (بلدنا) إلى وجود لجان المقاومة في الساحة السياسية سيما وأنهم متمسكين بعدم الشراكة مع العسكريين وذلك وفق المواثيق وقال إنها فاعل أساسي أهم من القوى السياسية ممسك بزمام الأمر ويقود الشارع مشيراً إلى أنها تعمل على توحيد مواثيقها وكشف عن مسودة أولية استخرجت من ميثاق سلطة الشعب وميثاق ثورة الشعب.

نظرة فاحصة
وفي الاتجاه ذاته طالب المحلل السياسي د. محمد خليل بتوافق القوى السياسية على إعلان سياسي موحد يجمع الجميع ونظرة فاحصة لإدارة الفترة الانتقالية لتحقيق غاية الإعلانات سياسية المختلف للقوى السياسية، وأكد خليل في إفادة لـ(اليوم التالي) عدم وصول القوى السياسية إلى توافق وحل للأزمة الراهنة في ظل التشرزم وارتفاع صوت الكراهية في الخطاب السياسي دون الإيمان بأن القوات المسلحة شريحة من شرائح الشعب السوداني علاوة على الوصول لتوافق سياسي، وتساءل: كيف يتم تحقيق الإعلانات السياسية دون عسكريين سيما وأنهم يمسكون بالسلطة وزمام الأمور في البلاد، وتابع أن وصول القوى السياسية إلى نقطة التقاء وتشكيل حكومة كفاءات عالية بعد خروج القوات المسلحة من المشهد هي الحل فضلاً عن قبول البعض وترك التنافس على الكراسي.

إعلانات سياسية
وفي وقت سابق كشفت تقارير إعلامية عن أبرز ما ورد في الإعلان السياسي لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، مزمع إطلاقه خلال هذا الأسبوع، لافتةً إلى تضمّنه فترة انتقالية مدتها (24) شهراً، وأقر الإعلان السياسي بحسب التقارير تشكيل مجلس سيادة مدني بالكامل يتكون من ثمانية أعضاء من الكفاءات الوطنية وحدد الإعلان السياسي لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وضعية القوات المسلحة في المرحلة القادمة؛ إذ ينصّ على مغادرتها المشهد السياسي والعودة إلى الثكنات مع تشكيل مجلس للأمن والدفاع.
ومن جانبٍ آخر، وقعت قوى التوافق الوطني وحلفاؤها على إعلان سياسي أول وأعطى الإعلان السياسي الموقعين عليه حق تشكيل الحكومة وإعفاء رئيس مجلس الوزراء، كما اشتمل على حذف المادة (20) الواردة في الوثيقة الدستورية، والخاصة بحظر الترشح للانتخابات لشاغلي المناصب خلال الفترة الانتقالية علاوة على أن الإعلان الدستوري نص على تشكيل مجلس تشريعي من (400) عضو يراعى فيه التنوع الجغرافي والعرقي والثقافي والنوعي في البلاد، واستبدال الحرية والتغيير بـ(التوافق الوطني) واستبدال المجلس العسكري بـ(المكون العسكري).

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب