كريم خان في السودان

مجرد رأي – محمد الأمين

أختتم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، زيارته إلى السودان والتي مكث فيها عدة أيام، والتقى خان بسكان معسكرات النازحين واللاجئين في دارفور والذين يعتبرون هم أهل المصلحة الحقيقية في ملف الجنائية، واستمع إليهم باُذنه دون الاعتماد على التقارير المكتوبة التي ربما تصل بصورة غير دقيقة، و(سمح الغنا في خشم سيدو ) كما يضرب في مثلنا الشعبي، وأيضاً؛ من رأى ليس كمن سمع.
كريم خان أبدى نشاطاً وحيوية في هذا الملف أكثر من سلفه(فاتو بنسودا ) التي زارت السودان أكثر من مرة بشأن قضية المطلوبين لدى المحكمة الجنائية، لكنها كالعادة في كل زيارة تذهب خالية الوفاض بدون حمص، وتكتفي فقط بالصور مع كبار المسؤولين في الدولة؛ على النقيض تماماً؛ أبدى خان الحماس والجدية في هذا الملف، وحاول الالتقاء بالمتهمين في سجنهم، إلا أنه ووجه بالصد بأن(ممنوع الاقتراب والتصوير )، وهؤلاء المتهمين لا يمكن الوصول إليهم حالياً! رغم أن البرهان وحميدتي وعداه بالتعاون مع المحكمة، ولا أعلم نوع التعاون الذي يقصده البرهان وحميدتي، إذا كان خان يمنع حتى من مقابلة المتهمين، هل تعاونهم بأن يقدموا له كوب قهوة وصحيفة مثلاً؟!
خان حينما ردت إليه بضاعته المتمثلة في طلبه مقابلة المتهمين، أظهر عدم الرضا من تصرفات الحكومة، وأيقن أن الحكومة غير جادة بتسليم المطلوبين للمحكمة، خاطب مجلس الأمن من الخرطوم وأبلغه بعدم تعاون الحكومة السودانية معه، ولوح بأن المحكمة ستلجأ ل(طرق أخرى) – ولم يسمها – من أجل تحقيق العدالة للضحايا.. وعندما اشتدت سخونة نفس خان، سارعت وزارة العدل برفع الحرج عنها، بإصدار بيان نفت فيه أن المدعي العام لم يتقدم بطلب لمقابلة المطلوبين لدى المحكمة! وأنا أستغرب من رد الوزارة ليتها سكتت ولم تنطق، ألم تسمع بزيارة كريم خان للسودان، أم تظن الوزارة بأن المدعي أتى من أجل النزهة والسياحة؟!
ملف الجنائية – و(الطويل سلبة طبعا) – استغرق ردحاً وحيناً من الدهر، والضحايا ظلوا على رصيف انتظار العدالة سنين طوال، تحت ظروف أكثر من أن توصف بأنها مأساوية وقاهرة ويعجز الوصف عن وصفها، والسلام الحقيقي في دارفور أصبح مرهوناً بتحقيق العدالة، الدولية تحديداً، وهذا ما سمعناه من أفواه الضحايا سكان المعسكرات.. السلام الذي وقع في جوبا هو سلام غير حقيقي، أو لنقل إنه سلام منقوص، لأن معالم وآثار مأساة ومعاناة الحرب هي ناصبة أوتادها وهي معسكرات النزوح واللجوء، وأثر المعسكرات ينتهي بتحقيق العدالة وأشياء مربوطة بالعدالة نفسها كقضايا العودة والاستيطان إلخ..
من الواضح أن الجنائية دخلت في مواجهة جديدة مع حكومة السودان بشأن تسليم المطلوبين لديها، ويظهر ذلك من تصريحات خان ب(الطرق الأخرى )، ولا أدري شكل وأدوات المواجهة مع حكومة السودان، لكن هو نوع من المبارزة والمواجهة في العلن، والخاسر طبعاً في حال وقعت الواقعة هو الوطن، والحكومة إلى الآن موقفها رمادي تجاه المحكمة الجنائية، وعليها أن تكون واضحة وتحدد موقفها والبت في هذا الملف، هل ستسلم المطلوبين أم لا؟.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب