لم يتركوا لك ما تقول
و( الحزن) صوتك
حين يغدو الصمت مائدة..
وتنسكب المجاعة في العقول ..
لو كان يجمعنا (حزنٌ لميتته) فليت أنّا بقدر (الحزن) نقتسم ..
الآن فقط نفوق من هول الصدمة،
يا الله،
هل حقاً رحل الأخ ماجد يوسف عن دنيانا ؟
سبحانك ربي، مسطر الأقدار ومقدر الأعمار والآجال، سبحانك أنت القائل، (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت) ..
لم يترك لي المئات ممن خالطوا الأخ العزيز السفير الراحل ماجد يوسف أو زاملوه، في مختلف مراحل عمره القصير، ما أقوله، ولم يترك لي الحزن ما أكتبه، فقد كان رحيله مفاجئاً .. وكان في أيامه الأخيرة وكأنه يسابق أجله ليُنجز ما كتب الله له أن ينجزه ثمّ لما جاء أجله طار إلى حيث شاء الله أن يقبض روحه، إلى داكار .. يا سبحان الله.
عرفت ماجد، ونحن ندلف سوياً إلى عتبات جامعة الخرطوم مطلع ثمانينات القرن الماضي، جاء هو من الفاشر فدخل القانون، وجئت من خور طقت فدخلت التربية، ولم يمض وقت طويل حتى التقينا. جمعتنا صفوف الإتجاه الإسلامي ثم جمعنا المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في دورة ١٩٨٢- ١٩٨٣، ويا لها من دورة .. فقد شهدت أحداثاً كبرى، أبرزها الغزو الإسرائيلي للبنان، وإعلان تطبيق قوانين الشريعة في السودان، وكان لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في هذين الحدثين، و في ما دونهما مواقف تركت بصمتها على شخصياتنا وذكريات لا تنسى..
لكن الذي يهم في هذا السياق هو أن العلاقة الخاصة مع الأخ ماجد ظلت ممتدة منذ ذلك التاريخ وحتى قبل رحيله بساعات … تخرجنا في نفس العام وعملنا سوياً بمهنة الصحافة وفي ذات الصحيفة، وظللنا نتنقل سوياً بين “بيوت العزاب” مع إخوة آخرين ظلوا “يتساقطون” واحداً تلو الآخر بفعل الزواج وبقينا صامدَين حتى انهارت دفاعات ماجد بعد سنوات، وتلك قصة أخرى، وبقيتُ صامداً بعده لأربع سنوات، وبرغم أنه التحق بوزارة الخارجية قبلي بسنوات إلا أننا لم نفترق إلا للضرورات، زرته في أغلب محطاته الخارجية وأنا أعزب ، وزرته بأسرتي، وكنا لا نكاد نفترق حينما يكون في السودان سواء في عطلاته أو وهو يعود إلى ديوان الوزارة أو يُكلف بمهام وطنية أخرى.
منذ أن كان طالباً بالجامعة، كان ماجد مميزاً بيننا، كان موصولاً بالآخر المختلف، ومنه تعرفنا أكثر على زملائنا من جنوب السودان وهم كثرة في كلية القانون، وبدأنا نفهم أكثر عبارات مثل “كل أجزائه لنا وطن”، وسار ماجد على ذات السيرة وهو يلج إلى ميدان العمل الصحفي .. مع ماجد تعرفنا على الزملاء هاشم كرار ومحمد لطيف وفيصل محمد صالح وفيصل الباقر وغيرهم، فنمت بيننا علاقات ود واحترام ولقاءات نتبادل فيها الضحكات والوجبات في نادي بنك السودان بشارع البلدية (لا أدري إن كان ما يزال هناك) ؟
ومع ماجد تعرفتُ على عمر شمينا ومحمد المرتضى مصطفى ومنصور خالد والواثق كمير وبشير البكري وعبد الله آدم خاطر والفريق السر محمد أحمد وعلى لام أكول وتعبان دينق وياسر عرمان والعشرات من سياسيي السودان وعلمائه وخبرائه ممن ظللتنا معهم سماء السودان وفرقتنا دروب السياسة، لكن بقي حبل الود موصولاً ولم يقف عند حد المنابر بل دخل إلى ساحات البيوت والمنازل.
كان ماجد سوداناً كاملاً، من (حلفا لي نمولي) ومن الفاشر إلى بورتسودان، شغلته قضية الحرب والسلام فأفنى سنيّه النضرات يقلب ملفاتها، وكان ذا أفق واسع فلا تجد فيه ميول الجهة ولا تحس عنده الانتماء إلى القبيلة، ولعل من حِكم الله التي أودعها وتركها فيه شاهداً، أن كانت شريكة حياته من فضليات بورتسودان وهو القادم من فاشر السلطان .. وكان ماجد إنساناً، يعامل البشر والحيوان والطير برأفة قلّ أن تراها، ولا تجد بين مَن تعاملوا معه إلاّ مَن يحدثك عن فضله وسماحته وحلمه وعدله واستقامته.
ألا رحم الله ماجداً، فقد كان بيننا شامة، يألف ويؤلف، وقد كتب عن مناقبه الأخرى آخرون.. كتبوا عن الصحفي المميز وعن الدبلوماسي الحاذق وعن القانوني الضليع وعن رجل الدولة الذي ما إن توكل إليه مهمة إلا وتطمئن أنه سينجزها بأفضل مما كنت تتصور .. وما وددت أن أجاريهم في هذا، لكني رأيت في هذه العجالة أن أشير إلى ما قد يكون خفي عن كثيرين، وأرجو أن أكون قد أصبت بعض النجاح.
خالص التعازي لزملائه في وزارة الخارجية، سفراء ودبلوماسيين وإداريين،
ولأسرته الصغيرة، لزوجته ، وأبنائه وبناته (بنات الشهيد) ولإخوانه وأخواته، وأقول لهم إن ماجداً ليس فقداً لكم وحدكم، بل هو فقد لنا جميعاً، وفقد لوطنه الكبير.
والتعازي الخاصة لأصدقائه القريبين وأسرهم.. لمحمد المختار ولمحمد محجوب هرون ولخالد التجاني ولعصام عثمان السيد ولعادل الباز ولعطا المنان بخيت ولكمال عبد اللطيف، ولإدريس محمد عبد القادر ولعثمان أدروب، ولأسرة ماجد وأسرتنا الأخرى .. لآل حسن صديق جميعهم، لأبي القاسم، وإخوته وأخواته بدون فرز، رجالاً ونساءاً ولأصهارهم وأبنائهم .. ففيكم جميعاً نعزي أنفسنا، وبكم جميعاً نستعين على الصبر على مبتلانا، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العبيد أحمد مروح