الأمة القومي… صراع الشباب والشيوخ
إمام الحلو : الإعلام يضخم المذكرة أكثر مما تستحق
مجلس طلاب الأمة : توقيعات للهيئة المركزية حال تجاهل المطالب
عبد القادر محمود : قطاع الشباب سيقلب موازين الحزب لقربه من تطلعات الثورة
يوسف الشنبلي : ضعف الأداء السياسي والتنظيمي للأمانة العامة سبب الأزمة
تقرير: إبراهيم : عبدالرازق
اعتبر القيادي بحزب الأمة القومي أمام الحلو ما عرف بمذكرة الخمسين التي دفع بها أعضاء في المكتب السياسي للحزب، للمطالبة بإصلاحات دستورية، شأن داخلي طبيعي ومؤسسي لكن الإعلام ضخم الحدث بأكثر مما يعنيه، وأكد الحلو لـ( اليوم التالي) عدم وجود إشارات لتقسيم أو خلافات جذرية أو فكرية بين مكونات الأمة القومي لكن مجلس الشباب والطلاب بالحزب بولاية الخرطوم أكد لـ(اليوم التالي) تمسكه برفع توقيعات بذات المطالب للهيئة المركزية حال عدم التنفيذ، كذلك كشف القيادي بالأمة يوسف الشنبلي لـ(اليوم التالي) عن تمسك أربعة عشر من رؤساء الحزب في الولايات بالمطالب الإصلاحية، فيما رأى مراقبون تحدثوا لـ(اليوم التالي) أن المذكرة تعلن عن بداية مواجهات تحديات جمة بين القيادة المكلفة وقيادات الحزب ستفتح ملفات الرئاسة والمؤتمر العام المؤجل منذ عقود.
فلاش باك
دفع خمسون عضوًا من المكتب السياسي لحزب الأمة القومي لرئيس الحزب فضل الله برمة، القيادي بالحزب بروفيسور سعيد نصرالدين وأمين الشباب المنتخب عباس برشم، وأمين الطلاب المنتخب هشام عزازة، وتعتبر نائب رئيس الحزب مريم الصادق المهدي من المؤيدين لرئيس الحزب فضل الله برمة .
و المذكرة مدعومة من رؤساء الحزب في 14 ولاية، وعدد كبير من الكوادر الشبابية والطلابية والمرأة والفئات والمهنيين، وتم تقديمها لبرمة بعد استنفاد كافة مراحل التظلم والاحتجاج التنظيمي المباشر داخل المستويات التنظيمية المختلفة بهدف تصحيح المسار، ولم يكن الغرض منها استهداف قيادات بعينها.
وحول انقلاب 25 أكتوبر أعلنت المجموعة أهمية التفاوض مع جميع أطراف العملية السياسية عبر تفاوض واضح وشفاف على هدى الالتزام بالعقد الاجتماعي وخارطة الطريق للوصول للحكم المدني الكامل وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة .
وطالب الموقعون بإيقاف التجاوز للدستور واللوائح والقرارات الصادرة بموجبها وتغييب دور المؤسساتِ العليا والولايات والمهجر في المشاركة المباشرة والفاعلة في قضايا الوطن المصيرية، وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة حكم القانون وهي ممارسات خاطئة ومثبتة بشواهد ومستندات تؤكد ذلك .
زخم إعلامي
يرى رئيس لجنة السياسات بالمكتب السياسي لحزب الأمة القومي، إمام الحلو، أن المذكرة أخذت بعداً إعلامياً أكبر من حقيقتها، وأضاف لـ(اليوم التالي) الأمر لا يعدو أكثر من ملاحظات وتنبيهات لإجراءات تنظيمية تم اتخاذها في أوقات سابقة، واعتقد الموقعون أنها مخالفة لبعض نصوص الدستور ويطالبون بتصحيحها داخلياً، ومضى الحلو أن التسريب الإعلامي لم يكن موفقاً لهذه المذكرة ولذلك إن القائمين على المذكرة لم يصرحوا حولها للإعلام، ولم يكشفوا عنها بصورة مباشرة، فهي مذكرة داخلية سيتم عرضها على المكتب السياسي في وقت لاحق للتداول بشأنها، لكنها تظل قضية حزبية لا تعني – بأي شكل – إرهاصات لخلافات أو انشقاقات أو محاولة لانقسامات، بل ملاحظات ضمن اللوائح الدستورية.
ودعا الحلو جماهير الحزب لعدم الانزعاج لمثل هذه المواقف لأنها تؤكد على المؤسسية حزب الأمة، وزاد أن الأمة القومي في لجانه الكثيرة المتفرعة من المكتب السياسي والأمانة العامة يعمل على قضايا مهمة لا تنفصل عن الترتيب الداخلي مثل إنجاح العملية السياسية وكيفية نجاح المرحلة الانتقالية المتبقية ثم في المشروع الأساسي للحزب وهو كيفية بناء المشروع الوطني لنظام سياسي ديمقراطي تعددي يقوم على حقوق الإنسان والحكم الرشيد والديمقراطية المستدامة، ولفت الحلو إلى أن هذه هي القضايا الكبرى التي تشغل أروقة الحزب، بجانب قضية السلام وكيفية تحقيقه، بجانب عكوف المؤسسات بالأمة القومي على الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة.
وشدد الحلو على أن المجموعة التي دفعت بالمذكرة ليست على خلاف مع المؤسسات في هذه القضايا الرئيسية، وزاد.. أنهم متفقون على العملية السياسية ومتفقون على موقف الحزب من الاتفاق الإطاري، وعليه لايوجد خلاف سياسي أو فكري، ولفت إلى أن توجيه أنظار جماهير الحزب لإنهاء الانقلاب والانتقال للنسخة الثانية من المرحلة الانتقالية هو الأجدى لجماهير الأمة، وأشار الحلو إلى أن المواضيع المضمنة في المذكرة سيتم حلها قريباً.
سلوك ديمقراطي
وقال القيادي في حزب الأمة القومي؛ يوسف الصادق الشنبلي، لـ(اليوم التالي) إن المذكرة تعتبر عملاً ديمقراطياً وحضارياً مشروعاً، وقامت بها قيادات تمثل الأجهزة في المركز والولايات والقطاعات المختلفة، ونادت بمطالب مشروعة؛ من ضمنها الالتزام بالدستور واللوائح التنظيمية المنظمة والضابطة لعمل الحزب، وأوضحت الخروقات الدستورية في مقترح مشروع المنشور التنظيمي الذي تقدمت به الأمانة العامة للحزب، وكذلك رفض مقدمو المذكرة تجاوز المؤسسات في الولايات، واشتكى مقدمو المذكرة من ضعف الأداء والنشاط السياسي والتنظيمي للأمانة العامة في المركز والولايات، والعمل بالتيارات الشللية وعدم احترام المؤسسية، بجانب التأكيد على موقف الحزب وخطه السياسي عبر دعم برنامج العقد الاجتماعي وخارطة الطريق، وأيضاً طالبت المذكرة بعقد اجتماع الهيئة المركزية للحزب كاستحقاق دستوري أن تعقد الهيئة كل عامين لمراجعة وتقييم عمل الأجهزة؛ و البت في الخلافات التنظيمية والاستماع إلى خطاب الدورة والميزانية من الأمين العام للحزب، واتخاذ قرار حول الخطاب بالانتخابات؛ إما تأييد الخطاب أو رفضه، وبالتالي سحب الثقة من الأمين العام أو إعادة الثقة فيه وحسم خلافات الأمين العام مع مؤسسات الحزب في الولايات، وكذلك الاتفاق على ترتيبات المؤتمر العام من المنشور التنظيمي واختيار اللجنة التحضيرية العليا التي تشرف على قيام المؤتمر العام.
وأضاف الشنبلي بأن المذكرة وجدت الترحيب من رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر، والذي بدوره قد أصدر قراراً بإلغاء عدد من مواد المنشور التنظيمي المقترح من الأمانة العامة، وعقد اجتماع موسع مع مقدمي المذكرة، وعلى رأسهم 14 من رؤساء الحزب في الولايات و50 عضواً في المكتب السياسي المركزي ومؤسسات الشباب والطلاب والمرأة والمهجر، وعد بدراسة بنود المذكرة استجاب فوراً لطلب الدعوة لانعقاد الهيئة المركزية والتشاور مع رئيس الهيئة المركزية في تاريخ انعقادها وتحديد المواعيد بعد أسبوعين من تاريخ الاجتماع مع مقدمي المذكرة.
واجبات دستورية
من جانبه.. قال رئيس مجلس الشباب و الطلاب بحزب الأمة – ولاية الخرطوم محمد الفارس محمود لـ(اليوم التالي) إن ماعرف بمذكرة ال 50 عضو مكتب سياسي، تهدف لتحقيق الإصلاح داخل حزب الأمة القومي، و تحقيق الالتزام الدستوري، وإزالة أي مخالفات و انتهاكات لدستور حزب الأمة القومي، وقدمت المذكرة لرئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر، وبصورة إلى رئيسي هيئة الرقابة وضبط الأداء، والهيئة المركزية.
وأضاف الفارس أن رئيس الحزب مع المذكرة بشكل إيجابي، و قام بالرد عبر مكتوب لمقدمي المذكرة لنقاط المذكرة الثمانية بموضوعية عالية جداً، و أصدر قراراً بإلغاء مواد المنشور التنظيمي الخامس المخالفة لدستور حزب الأمة القومي، و هناك قضيتان يجري الآن معالجتهما عبر لجنة تمثل مقدمي المذكرة وداعميهم مع الرئيس فضل الله برمة ناصر .
وتابع.. إذا لم يتم تحقيق مطالب المذكرة؛ فهناك توقيعات ثلث أعضاء الهيئة المركزية سوف يتم تقديمها لرئيس الهيئة المركزية و بالتالي تنعقد الهيئة المركزية حسب دستور حزب الأمة القومي و تقوم بواجباتها الدستورية ومنها محاسبة و مساءلة المكتب السياسي، و الأمين العام، هذا الخيار جاهز الآن .
تحدثت المذكرة عن ثماني قضايا جوهرية و هي أساس الالتزام الدستوري الديمقراطي العدالة.
ومضى.. قدمت المذكرة إلى رئيس الحزب بعد استنفاد كل السبل داخل مؤسسات الحزب سواء المكتب السياسي أو هيئة الرقابة وضبط الأداء أو الأمانة العامة عبر المذكرات الداخلية، و الشكاوى و الملاحظات كل ذلك تم اتباعه و استنفاذه، و رئيس الحزب هو المسؤول السياسي والتنفيذي الأعلى في الحزب، بالتالي هو آخر مرجعيات الحزب و ليس بعده إلا الذهاب الى اجتماع الهيئة المركزية لتقوم بواجباتها الدستورية.
وتابع.. أن المذكرة جاءت نتيجة مخالفات للدستور بعضها قامت به الأمانة العامة، و أخرى المكتب السياسي، بجانب مسائل دستورية مهمة تناولتها المذكرة، منها المنشور التنظيمي الخامس، تعديات الأمين العام، خروقات داخل المكتب السياسي للدستور.
قلب الميزان
وبدوره يقول أستاذ العلوم السياسية عبد القادر محمود صالح لـ(اليوم التالي) إن حزب الأمة القومي بوصفه من أعرق الأحزاب السياسية السودانية الناضجة فكرياً والواسعة جماهيرياً، إذ ساهم الحزب بشكل كبير في استقلال السودان من المستعمر الغربي وقبله كانت له نضالات ثورية عظيمة تمثلت في الثورة المهدية، والتي تعتبر أول ثورة سودانية ضد الظلم والقهر، لذلك يظل حزب الأمة حزباً شامخاً وذا تأثير كبير في العمل النضالي الجماهيري والفكري والسياسي على مستوى السودان والوطن العربي. وأعتقد أن الثورة التصحيحية التي بدأت تنتظم داخل أروقة الحزب أنها طبيعية في ظل المتغيرات السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر، والتي لا شك بأن حزب الأمة القومي وجماهيره العريضة كان لها نصيب الأسد في المشاركة الفاعلة رغم اتهام البعض للحزب بأنه يستخدم سياسة (كراع جوة وكراع برا) وفق تعبيره، وأضاف هذا يعتبر عملاً سياسياً ناضجاً في تقديري، مع بقاء المبادئ العامة الحاكمة لمنظومة الحزب. وأن تململ البعض داخل الحزب من طريقة إدارة الحزب للأوراق السياسية في ظل التعقيدات الراهنة؛ كانت متوقعة، خاصة أن الحزب قد فقد أحد قادته المتميزين فكراً ووعياً وقيادة، إذ كان السيد الصادق المهدي رجلاً حكيماً في تصريف وقيادة شؤون الحزب والأنصار والجميع يحترمه ويقدر مجهودات، لما للرجل من سمات كاريزمية جعلت منه الأقدر على إبقاء الحزب متماسكاً رغم المحاولات المستمرة من قبل النظام البائد على شق صف الحزب ورميه نسياً منسياً في هامش التاريخ.
وبحسب محمود.. أن ما استجد الآن هو غياب الروح القيادية الملهمة للحزب؛ الأمر الذي جعل الحزب يصبح ماعوناً لتجاذبات المصالح المتضاربة حيث برزت هناك مجموعات ذات مصالح تريد أن تنفرد بناصية القرار دون غيرها من جماعات داخل الحزب لها ثقلها التاريخي والجماهيري. وتوقع حدوث انشقاق كبير داخل الحزب بين القوى التي تمثل الروح الثورية لثورة ديسمبر والقوى المحافظة التقليدية التي لا ترى ضرورة للانسياق وراء المد الثوري وتطلعات الجماهير ببناء دولة مدنية وديمقراطية تسود فيها قيم العدالة الاجتماعية، وفي تصوري، المجموعة الأولى هي الأكثر حظاً في قلب الميزان داخل الحزب لصالحها، وذلك بسبب قربها المباشر للسان حال الثورة وتطلعات الشعب وغالبية جماهير حزب الأمة الحية المتمثلة في الشباب.