النيل الأزرق.. الإعلام كما يجب

**
النذير إبراهيم العاقب
*
الإعلام في ظني، وكما ظللت أردد كثيراً، يمثل السلطة الأولى بلا شك، وذلك من خلال تأثيره المباشر على كل مجريات الأحداث في العالم أجمع، سلباً كان أو إيجاباً، ولا شك في أن الإعلام وبكل مسمياته، وبجرة قلم، أو بتقرير مصور، وبحكم مصداقيته في نقل المعلومة ومن مصدرها الحقيقي، من شأنه الإطاحة بأعتى الأنظمة الحاكمة في العالم، شريطة أن يكون هذا الإعلام صادقاً وأميناً ورامياً إلى تحقيق أكبر قدر من المصلحة الوطنية العامة، وتقديم أكبر قدر من الفائدة العميمة للمجتمع، وتفضي إلى تحقيق مكاسب وأهداف المجتمع المعني هذا.
ولعل الإعلام الذي نراه اليوم في إقليم النيل الأزرق، ليس بإمكانه تحقيق ذلك واقعاً ملموساً، ولا يشبه بأي حال من الأحوال وفي كثير منه ذلك الذي يريده كل منحاز لمصلحة وطنه، لا سيما وأن الإعلام المغلق وفاقد الرؤى والأفكار الخلاقة، والرأي السديد الرامي إلى توصيل الرسالة الإعلامية إلى أقصى مدى في ربوع الإقليم، وبغرض تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة والسالبة، لن يكون قادراً على النظر بصورة أشمل وأعم، ولن يحقق الغاية المرجوة منه، خاصة في ظل غياب أهم متطلبات القيادة والكفاءة الإعلامية القادرة على تفعيل دور وسائل الإعلام المحلية المختلفة لجهة تغيير المفاهيم الخاطئة في ما يختص بتوعية المجتمع بمفاهيم ومبادئ وأساسيات الحكم، بجانب محاربة خطاب العنصرية والكراهية الذي تفشي مؤخراً في النيل الأزرق تفشي النار في الهشيم.
ولا شك أن إعلام الإقليم ككل، لن يصبح بهذا الشكل القاصر قادراً على أداء واجبه المنوط به لتصحيح تلك المفاهيم المغلوطة مؤهلاً لقيادة التحولات الكبيرة والمفصلية في مسيرة إقليم ينشد التغيير ويستعد للانطلاق بكلياته ولتحقيق وتطبيق مخرجات ورؤى الحكم الذاتي لنراها منزلة على الأرض.
ولعلنا عن الإشارة إلى الإعلام الذي نريد في النيل الأزرق، لا نقصد البتة الإعلام المنحاز للسلطة الحاكمة في الإقليم، لأن ذلك بلا شك سيكون بمثابة العود المعوج، والذي لا يمكن أن يعطيك ظلاً مستقيماً، أو بمعنى أدق من الصعب أن يمنحك أداءً تعول عليه وأنت تنسج من خلاله خيوط المستقبل المرجو لإقليم يتطلع لمستقبل أزهر وتنمية البيئة المجتمعية والاقتصادية والسياسية كذلك.
وحقاً، إنني أتفهم أن لكل عامل في وسائل الإعلام المحلية له ميوله وتوجهاته ولونه السياسي المفضل، خاصة الجالسون على سدة الإعلام في الإقليم، بيد أن الانتماء للمهنة يفترض أن يكون أقوى من كل خيار آخر، لا سيما وأن المهنية ينبغي أن تتقدم سلم الأولويات، وكثيراً ما قلت، وما زلت أردد: لن يكون هناك من هو أحرص على الإعلام الخلاق أكثر من الإعلاميين أنفسهم، وذلك بحكم أن هذه مهنتهم ومن واجبهم الدفاع عنها وإبعاد كل ما من شأنه أن يشوهها، وهم خط الدفاع الأول عنها، فضلاً عن أن أمانة القلم تقتضي الانحياز للمصلحة العامة.
وليس للأجندة الخاصة، وأن يكون الوطن أولاً ونحن من بعده، والنيل الأزرق الآن في أمس الحاجة إلى إعلام رسالي حقيقي، وخطط إعلامية فاعلة لتغيير نمط التفكير السالب الذي تفشى بشكل مرعب وسط جل مجتمعات الإقليم المختلفة.
وقطعاً لن آتي بجديد إذا قلت إنه ليست هناك رؤى وأفكار جديدة حول فحوى ومقاصد ومرامي الإعلام في النيل الأزرق، لأنه وبجلاء، فاقد الشيء لا يعطيه، وذلك بحكم أن المشرفين عليه ليسو من ذوي الاختصاص، وليس لديهم الخبرات والتجارب الثرة التي من شأنها أن تمهد الطريق إلى تحقيق أكبر قدر من الفائدة المرجوة من الإعلام في النيل الأزرق، وبحكم لصقنا بهذا الشأن، فلا أرى مستقبلاً مشرقاً نتوجه إليه بكلياتنا عبر الإعلام واستغلال وسائله من صحافة وإذاعة وتلفزيون في ظل حالة التكلس التي تعيشها هذه الأجهزة بلا استثناء، جراء العطب الكبير في محطة الإرسال الإذاعي والتلفازي والذي استمر لأكثر من خمسة أعوام، إثر انهيار المحطة الرئيسة للإرسال وعدم تحرك أي من المنوط بهم إصلاحها لأجل إيجاد الحلول الناجعة لإعادة إنشائها من جديد وفي موقعها الذي خصص لها بمدينة التعلية بالروصيرص، ولكن، لا حياة لمن تنادي.
ولعل ما يستحق التذكير به والطرق عليه، عله يأتي بالفائدة المرجوة،
أنه لابد من وقفة تأمل في بعض لغة الطرح الإعلامي، وإعادة النظر في الشخصيات التي تدير الإعلام في النيل الأزرق، وفي كثير من التعاطي الخاطئ لكثير من قضايا الإعلام الملحة وإشكالياته اليومية، فالواقع يفرض هذا التذكير، كما أن دور المؤسسات الحكومية أو الإعلامية مهما تعاظم فلن يكون أكثر تأثيراً وقدرة من الإعلاميين أنفسهم، وأن الحال لن يتغير ما لم يغيروا ما بأنفسهم، الأمر الذي يتطلب وقفة حازمة من قبلهم لجهة تغيير هذه الصورة المقلوبة لواجهة الإعلام في النيل الأزرق.
وأخيراً وليس آخراً، وكما أسلفت، الإعلام اليوم صار هو السلطة الأولى في العالم، وبات لغة وتوجهاً وتربية، بل أضحى يسهم ويؤثر بقدر وافر في تشكيل مفردات المجتمع ككل، وفي صياغة عباراته، فهل نريد تلقينه الجدل وعدم احترام الآخرين، وتسفيه الرأي الآخر، والتطاول على الغير، بالتعنت في تغيير الواقع الإعلامي في النيل الأزرق إلى الأفضل؟!.. لا أعتقد ذلك.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب