إغتِصابُ الأطفال.. هَزُّ عَرش الإنسَانيَّة

إغتِصابُ الأطفال.. هَزُّ عَرش الإنسَانيَّة

*

النذير إبراهيم العاقب

ماذا حدث للمجتمع السوداني؟ ولماذا تغيَّرت سلوكياته؟ وحتى متى تصمت الدولة على هذا الإنفلات الأخلاقي الذي هزَّ عرش الإنسانية عبر ظاهرة إغتصاب الأطفال التي صارت هاجساً كبيراً للأسر السودانية كافة؟ فلم يعُد يمُر يوم إلا وتُطالعنا الصُّحف بنبإٍ صادم عن حالة إغتصاب جديدة وبصورةٍ أبشع من سابقتها، الأمر الذي يحتاج لكثير إهتمامٍ من المختصين في الدولة، والشرطة والقضاء.

إن ظاهرة إغتصاب الأطفال لجدُّ خطيرة، لاسيَّما وأن ممارسة التحرش الجنسي بالأطفال عادةً ما تنتج بسبب الإضطراب النفسي للفاعِلين، بجانب غياب رقابة الأُسر على أطفالها، الأمر الذي أدى لتزايد نسبة الاغتصاب، فبالرغم من أن الكثير منها غير معلن إلا أن الذي وصل لنا منها كثير، مما ينتج عنه عواقب وخيمة تتمثل في أن الحالة النفسية للطفل الذي يتم اغتصابه، أو التحرش به جنسياً تكون سيئة جداً، ومصيره ينحصر في ثلاث طرق، الأولى أن يكون هو نفسه في كِبرِه مُغتَصِب ومُتَحرِّش بالأطفال، إنتقاماً لما وقع عليه في صغره، فمغتصب ومتحرش اليوم، لا شك أنه سيُخرِج لنا جيلاً من المغتصبين الغد، وأن الطريق التاني الذي سيقع على الطفل الضحية هو كره التعليم، والطريق الثالث إما الإكتئاب والعزلة، أو التعب الجسدي، بسبب تلك الفعلة المشينة، خاصة وأن التحرش بالأطفال واغتصابهم سينتج لنا جيلاً من الجهلة غير المتعلمين، والمتوحِّدين، والمرضى أصحاب العقد النفسية الجسيمة.

وكما أسلفنا فإن الأسباب التي تجعل البعض يلجأ إلى اغتصاب الأطفال ليست سوى اضطرابات نفسية مع المغتصب منذ الصغر، فوقوع أزمة معه وهو صغير سبب رئيسي في إضطرابه النفسي في الكبر، وقيام المُغتصِب في صِغره بأفعال مشينة مع بني جنسه، الأمر الذي يجعله يبحث عن ضحايا آخرين عندما يكبر، وسبب ذلك يعود في الغالب لمشاهدة أفلام جنسية، أو بالممارسة، أو وقوع مثل تلك الافعال الجنسية أمامه من قِبَل الأب والأم، الذين نجد أن علاقتهم الحميمية أمام الأطفال سبب أساسي في محاولة تقليد الطفل لتلك العادات في صغره مع طفل مثله، ومن ثم يكبر ويحاول تنفيذه مع أطفال آخرين حتى لا يكتشفون شذوذه.

وقطعاً فإن ظهور متحرش جنسي أو مُغتصِب واحد للأطفال يُهدد المجتمع ككل، وذو تأثير سلبي قاتل، باستهدافه لشريحة الأطفال والتي هي أهم شرائح المجتمع التي إذا أصابها أي إضطراب سيتأثر المجتمع ككل، وأن اي إضطراب يعتريها سيُنتِج جيلاً مُدمَّرٌ نفسياً، ومُشوَّش الشخصية، وهو ما يهدد مستقبل الدولة التي تعتمد على الأجيال القادمة لاستكمال مسيرتها.

أن التعريف الأوحد لظاهرة اغتصاب الأطفال أنها إفساد في الأرض ومحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يُجامل الإسلام في مثل هذه الحالات، وقد جاء الأمر بعقوبة المفسدين أعظم عقوبة، وذلك في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً، أن يُقَتَّلوا أو يُصلَّبُوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنْفَوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة 33، ولاشك أن إغتصاب الأطفال هو أحد عوامل الإفساد في الأرض، بل هو من أعظم الإفساد، وبالطبع فإن الاعتداء على الأطفال من أعظم سبل الإخافة للمسلمين، كيف لا والمسلم لا يعود يأمن على صغيره عتبة داره حال تفشِّي ظاهرة الاعتداء على جسم الطفل، ومن ثمَّ تُحدِث فيه من الأمراض الأخلاقية والجسدية مما لا يبرأ البتة، وبسببها يصير الطفل شاذاً وعبئاً على نفسه ومجتمعه، فضلاً عن إحداثه للطفل من الأمراض النفسية ما يؤثر سلباً عليه في جميع أطوار حياته، بجانب تأثير هذا الاعتداء على سمعة العائلة ومكانتها في المجتمع.

إن جناية اغتصاب الأطفال جريمة بشعة لا تقل عن عمل قوم لوط الذين ذمهم الله تعالى وقال في حقهم (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين)، وسمَّى هذه الجريمة فاحشة، ومعلومٌ أن الفواحش من أعظم المحرمات، حيثُ قال تعالى (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، كما جاء اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمن عمل عمل قوم لوط فيما روى ابن حِبَّان عن عكرمة عن ابن عباس قال.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، وكررها ثلاثاً)، وعن جابر بن عبد الله أنه قال (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط).

ولما في هذا العمل من القبح ومخالفة الفطرة، وما ترتب عليه من التحريم جاءت العقوبة عليه شديدة في الشريعة الإسلامية، ففي حديث إبن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اقتلوا الفاعل والمفعول به) وعن أبي هريرة أنه قال (ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعاً)، ولا شك أن لمسألة الاغتصاب مترتبات نفسية على المفعول به تتطلب سرعة علاجها من خلال إخضاعه للفحص الطبي من قبل اختصاصيين في علم الطب الجنائي، وتقديم دعم نفسي واجتماعي له بهدف إزالة الآثار السلبية للصدمة، خاصة وأنها تجعل المُغتَصَب يعاني تشوشاً في الفكر مع حدوث اختلال في نظام حياته اليومي، وبما أن آثار الاغتصاب الجسدية لا تنتهي عبر العلاج الطبي، فذلك يستوجب ضرورة إخضاع الحالات المغتصبة وأسرها لجلسات نفسية واجتماعية لتصفو ذاكرتها من شوائب الصورة المؤلمة التي تعرضت لها من الجاني، حيث أن بعض الحالات التي يتكرر معها الاغتصاب تصاب بأعراض هستيريا، وربما تقود إلى الإقدام على الانتحار، الأمر الذي يتطلب من أسر ضحايا الاغتصاب بتعقب الجاني قضائياً، وضرورة دراسة المُغتصِب نفسياً واجتماعياً وسلوكياً لمعرفة دوافع ارتكابه تلك الجريمة النكراء، أملاً في منع ظهور حالات مشابهة له مستقبلاً، وتكمن الطريقة المثلى لعلاج الأطفال المغتصبين عبر فريق مُعالِج وذو خبرة من خلال لقاء المُغتصَبين وأسرهم في مكان هادئ وآمن وحث الأطفال على التجاوب معهم سواء من خلال اللعب أو الرسم.

نخلص إلى أنَّ إغتصاب الأطفال جريمة أعظم من جريمة عمل قوم لوط، وبالتالي فهو إفساد في الأرض، وينطبق عليه حكم المفسدين في الأرض، مما يُوجب على الدولة مُمثَّلة في القضاء ضرورة تشديد العقوبة بأن تكون هي الرادع الوحيد الذي سيوقف تفشي تلك الظاهرة، وأقلها الرجم إن لم يكُن الإعدام شنقاً وفي ميدان عام، ليكون عِبرة لِمن يعتبِر، ولحماية المجتمع والدولة من خطر هؤلاء المفسدين.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب