بدد ذلك اللقاءُ الذي عُقد قبل أيام بين الفريقين البرهان وحميدتي مخاوفَ ظلت جاثمة على صدور الناس، خشيةَ وقو صدام بين الفئتين العسكريتين. ولو وقع ذلك الصدام ــ لا قدر الله ــ لكانت البلادُ كلُها هي الخاسرَ حاضرًا ومستقبلا. وبعد ذلك اللقاء الذي تنفس إثرَه الناسُ الصعداء، أدلى ياسر عرمان، نافثُ الفتنةِ بين فئتي العسكريين بتصريح تُشتم منه رائحةُ النفاق عنوانه:(لولا وعي السودانيين لانفجرت الخرطوم) ذلك قوله، وقد لا يجافي المرءُ الحقيقةَ إن قال إن عرمان قد خاب ظنًا، إذ لم يقع ذلك الصدام، لأنه هو ومن في زمرته من سدنةِ الصنم الإطاري والعاكفين عليه، وما هم إلا طلابُ حُكم بأي كيفية وبأي ثمن. فهم لا يتمنون عدمَ وقوع ذلك الصدام بين الفئتين العسكريتين، حتى يحلَ ببلادنا وضعٌ يؤدي إلى تدخل خارجي، تكون نتيجتُه تنصيبَهم هم وبقيتِهم من صنائع الغرب حُكامًا على السوان العلماني الجديد، أو حتى على ما بقي منه، ليتمكنوا من تحقيق أمنيتين غاليتين مُستَكنَّتين في صدورهم، هما القضاءُ على جيشه والقضاءُ على دينه، وعلى لغة كتابه المنزل وهو القرآن.
في سبيل ذلك ظل عرمانُ وتلك الفئة العلمانية، يواصلان نفث الفتنة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش، ثم يقولون قالةَ الكذب، الذي ليس لهم دينٌ يردعهم عنه، إن الإسلاميين يحرضون ضد قوات الدعم السريع. ولا يستطيع عرمانُ ولا فئته تلك أن يُقيما بينةً واحدة على قَالةِ كذبهم تلك؛ من تحريض الإسلاميين ضد الدعم السريع. وهم بذلك كما يقول المثل العربي:( رمتني بدائها وانسلت) وما ذلك منهم إلا دريئةُ نفاقٍ، يستترون وراءها، لما يبثونه هم أنفسُهم من تحريض بشتى السبل على الجيش. وقد أورد أحدُ الكتاب في بابه يقول: (إن عرمان أرسل قبل يومين رسالة للقوات المسلحة، ختمها بقوله مهددًا: “من الأفضل لهم أن يشتروا بسعر اليوم فسعر الغد قد يكون الأكثر كلفة”) وهذا تهديدٌ واضح منه للقوات المسلحة. ورؤي عرمانُ قبُيل أيام وهو يتحدث في مؤتمر صحفي عن قوات الدعم السريع، ومما قال :(إنها الآن تفوق عددًا، أكثر من مئة ألف، وهي ما عادت قوات عسكرية فقظ بل عندها علاقة بالأوضاع السياسية، ومصالح اقتصادية. بل ذهب إلى الحديث عن نقاشاتٍ في تلك القوات قال إنه حضرها، وهي نقاشاتٌ كما قال تناولت ثلاثة مفاهيم مترابطة، وهي مفهوم الإصلاح ومفهوم الدمج ومفهوم التحديث) إلى آخر قوله، فبأي صفة كان عرمان يتحدث عن قوات عسكرية بهذه الطريقة، وهي تبحث في شؤونها العسكرية؟ وما ذلك منه إلا خائنةُ الأعينِ التي يُنذر من ورائها الجيش. فإن سمح إخواننا في الدعم السريع بأن يتحدث عرمانُ باسمهم، فعليهم ألا يستغربوا ما يجره عليهم ذلك من استنكار من الناس أو نقد منهم! إذ الذي يسمح لعرمان أو لغيره من أعداء دين الله أن يتحدث باسمه، فيكون كالذي قال الله تعالى عنه:” وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” 119 النساء. وإنني لأعيذهم باللهِ أن يجروا على أنفسهم ذلك.
أما بشأن الجيش، فعرمانُ ذو عداوة قديمة معه منذ أن كان محاربًا له، تابعاً في صفوف قوات جون قرنق، وعندما انفصل الجنوب، ووجد الشماليون الذين كانوا في صف التمرد أنفسهم منبوذين كالعصفِ المأكول، وقد لفظهمُ الجنوبيون ولسانُ حالهم يقول لهم: لو كان فيكم خيرٌ لما حاربتم أهلكم من أجلنا، ومن لم يكن فيه خيرٌ لأله فبالأحرى لن يكون فيه خير لنا، فعودوا من حيث أتيتم غيرَ مأسوفٍ عليكم، فعاد من أولئك التُبع من عاد. أما عرمانُ، فبعد سقوط نظام الإنقاذ جاء يبتغي العودة إلى الديار التي كان عدوًا لها، مقاتلا لجيشها، مهددًا باجتياح عاصمتها. فلم يسمح له أمنُ مطار الخرطوم الدخول، وأعاده مكبلا إلى الجنوب كما تقول الرواية. وعندما هبط أرض الجنوب، آل أمام الناس على نفسه، مُقسمًا بما أقسم به، بأنه سينتقم من البرهان وحميدي معا. وعلى الرغم من أن عودته إلى الشمال كما قالوا كانت برفقة الفريق حميدتي، فإنه سيظل عدوًا له ولقواته، كما هو عدوٌ للبرهان ولجيشه. وهو بصفته مُبغضًا لاسم الجلالة (بسم الله الرحمن الرحيم) ورفيقه خالد عمر مبغضًا لكلمة التوحيد( لا أله إلا الله) فعلى قواتِ الدعم السريع وقائدها الفريق حميدتي ألا يركنا إليهما، ولا إلى أي ممن هم على شاكلتهما من العلمانيين كرفيقهما جاهل معنى (باسمِك اللهم). كما على الجيش وقائده الفريق البرهان إلا يركنا إليهما كذلك، ولا إلى من هم على شاكلتهما من العلمانيين، فالقوم لا أيمانَ لهم ولن يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة. فمع كثيرة حديثهم الآن عن رفضهم تشكيل حكومة كفاءات، فكل ما يرجونه الآن من الجيش وقوات الدعم السريع، أن يُنصباهم حُكامًا على الناس بدون انتخابات، على أساس (الوثيقة السرية) للاتفاق الإطاري، التي هي غيرُ مسموحٍ الاطلاعُ عليها لغيرهم هُم أُهيل المركزي من قحت، لتؤولَ إليهم السلطاتُ التنفيذيةِ والقضائية وغيرها ، فيُعيدوا بذلك سيرة حكومة حمدوك بالأمس في الناس، ظلمًا وبطشًا وعسفًا وكُفرًا وفسوقا وعصيانا. وليعضَ بعد ذلك الفريقان البرهان وحميدتي أصابع الندم، لأنهما سيكونان أول من يدفع ثمن ذلك، وهو ثمن لعمري سيكون باهظًا عليهما شخصيًا وعلى البلاد عامة، إن هما استجابا لشهوة الحكم عند هؤلاء النفر العلمانيين، ومن ورائهم ظهيرُهم حاكمُ السودان المنتدب فولكر، ومساعدوه السفراء.