إبراهيم شقلاوي
تظل قضايا المياه من القضايا المهمة ذات الأثر الكبير في زيادة فرص الاستقرار وبسط الأمن وسط المجتمعات.. كما تظل بلادنا في احتياج متجدد لمشروعات التنمية المرتبطة باستقرار الإنسان والحد من الهجرات.. حيث ظلت مشروعات المياه تجد اهتمام الحكومات الوطنية المتعاقبة بجانب اهتمام المنظمة الدولية والأشقاء والأصدقاء ذلك حرصاً على استقرار المجموعات السكانية في كل ربوع البلاد بجانب محاربة الجوع والفقر والبطالة واستتباب الأمن والسلام.. طالعتنا الأخبار أن الاتحاد الأوروبي حسب منصة المندرة نيوز (أعلن عن دعمه لبناء وإصلاح أربعة سدود، في محليات مليط وأومبارو وكورنوي في شمال دارفور.. وأكد الاتحاد الأوروبي دعمه للمجتمعات المحلية بالتعاون مع شركائه من منظمة (COOPI) لتحسين البيئة التحتية للمياه وأنظمة الحكم المحلي لتمكن المواطنين من الحصول على مياه نظيفة، بجانب الحفاظ على كسب العيش).. حيث استفادت المجتمعات المحلية في محليات مليط وأومبارو وكورنوي في شمال دارفور من بناء وإصلاح أربعة سدود.. هذه السدود هي مصدر المياه الرئيس للماشية، والزراعة الشتوية لمختلف المحاصيل والخضروات، بالإضافة إلى ذلك، تمكن سكان هذه المحليات من الحصول على مياه صالحة للشرب بفضل وحدات معالجة المياه.. هذا الجهد المميز جعلني أرجع بالذاكرة للوراء.. في خريف العام 2009 استشعر السودان أهمية الاستفادة من مياه الأمطار حيث أسندت رئاسة الجمهورية لوحدة تنفيذ السدود التابعة لوزارة الري السودانية مشروعات حصاد المياه بكافة الولايات السودانية.. على أن تعطى الأولوية بحسب معدل تساقط الأمطار لعدد من ولايات التماس.. أعقب ذلك العديد من البرامج التنموية بما في ذلك مشروعات حصاد المياه فيما عرف باستراتيجية سلام دارفور ومناطق النازعات ومشروعات الرحل العائدين من جمهورية جنوب السودان.. بعد تكليفها بتنفيذ مشروعات حصاد المياه، اطلعت وحدة تنفيذ السدود على التجارب السابقة المنفذة بالسودان، كما وقفت على تجارب بعض الدول العربية (تونس والمغرب) مما جعلها تتجه لعمل منهج واضح لتنفيذ هذه المشروعات ذات الأثر على السكان.
بدأت الوحدة العمل بلجنة فنية بمشاركة الجهات المختصة شملت الأرصاد الجوي والري وإدارة المياه الجوفية ومحطة البحوث الهيدروليكية وإدارة المحطات الهيدرولوجية) جامعة الخرطوم (شعبة الهندسة المدنية) الهيئة الاستشارية لجامعة الخرطوم.. كرسي اليونسكو للمياه وذلك لإنشاء قاعدة بيانات تشمل الدراسات والتقارير والمعلومات والبيانات المتعلقة بحصاد المياه والتّقانات المستخدمة في الحصاد.. وإعداد قائمة بالأودية والمجاري المائية بالسودان والبيانات الهيدروميترولوجية بها وحصر وتقييم منشآت حصاد المياه القائمة والمقترحة على الأودية والخيران بالسودان وإعداد المعلومات الأولية اللازمة لدراسة المشاريع الجديدة المرتبطة في شكل خرط وبيانات رقمية.بعد هذه المرحلة تم ترفيع اللجنة لإدارة مختصة للتنسيق مع الولايات واستلام المواقع المقترحة للتنفيذ ولمتابعة تنفيذ المشروعات، حيث أسست بالتعاون مع الولايات مكاتب متخصصة لحصاد المياه بكل ولاية بها مهندس وإداري وتم تزويدهم بجميع معينات العمل ووفرت الوحدة التمويل وتعاقدت مع استشاريين ومقاولين لدراسة وتنفيذ المشروعات.
انطلقت هذه الترتيبات العاجلة وفقاً لرؤية استراتيجية تبنى على أهمية المحافظة على الموارد المائية تطويرها.. يتعامل بها برنامج الحصاد مع مشكلة المياه العذبة وحل المعادلة بين وفرة المياه في فصل الخريف حد الغرق والكوارث وندرتها صيفاً حد العدم.. لذلك جاءت مشروعات حصاد المياه وهي وحدها القادرة على تحقيق الحل.. خاصة وأن السودان يملك معدلات عالية لهطول الأمطار تعادل أضعاف إيراد النيل وروافده، وعملت هذه المشروعات على توفير مياه عذبة وإسدال الستار عن العطش وندرة المياه لتظهر مقاصدها ونتبين أغراضها.. استمر هذا العمل وفقاً لأهداف وغايات محددة متعلقة بحصاد المياه في جميع الجوانب والمحددات.. حيث ظل يعنى برنامج حصاد المياه بعملية تخزين مياه الجريان السطحي الناتج عن هطول الأمطار للاستفادة منها كما يراعى في قيام منشآت حصاد المياه البساطة وقلة التكلفة وسهولة التشغيل والصيانة.. تنوعت أهداف مشروعات حصاد المياه لتتمحور حول الاستراتيجية الأساسية لحفظ المياه من الهدر بجانب حسن إدارتها حيث عملت على.. توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان.. بجانب دعم الأمن القومي والاستقرار من خلال تنمية المناطق الحدودية بتوفير المياه لتخفيف الصراع على المياه داخل حدود السودان ومع الدول المجاورة بالإضافة الى تأمين استغلال مصادر المياه الموسمية للأحواض المشتركة والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي هذا بجانب.. المساهمة في تنمية المراعي الطبيعية والغابات وتدعيم الأمن المائي بالبلاد وتشجيع جهات التمويل المختلفة لدعم برامج السودان التنموية في الحاضر والمستقبل.. كذلك تنمية الريف اجتماعياً واقتصادياً وصيانة التربة وتغذية الخزان الجوفي.
كان من المأمول أن تحقق كل هذه الخطوات مجتمعة.. تلبية الحاجة العاجلة وزيادة حصة الفرد بالريف من المياه لتتناسب مع استراتيجية البلاد المائية وتحقيق أهداف استراتيجية سلام دارفور وأهداف الألفية من حيث الكمية والجودة ومن ثم توطين الرحل والرعاة لوقف النزاع حول المياه مع المزارعين وتحفيز النازحين للعودة لمناطقهم.. كما كانت هناك أيضاً توقعات أن تشمل هذه الترتيبات البيئية بجانب الحماية من السيول والفيضانات وتقليل الأمراض والأوبئة وتحسين الظروف الصحية.. هذا كله كان مرتبط بأهداف اقتصادية حيث تكثيف وتنويع الزراعة يؤدي إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية في مناطق الزراعة التقليدية بالإضافة الى تنمية الثروة الحيوانية والغابية مما يعزز الاستغلال الأمثل والمرشد للموارد الطبيعية.. كذلك يساهم في زيادة الاقتصاد الكلي على المستوى القومي.. ويساهم في تطوير المناطق الريفية وخلق فرص عمل إضافية لمواطني الريف للاستقرار بمناطقهم.. ومحاربة الفقر والجوع والبطالة الى جانب زيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة وتشجيع الاستثمارات في تقانة حصاد المياه والحد من النزوح للمدن والمراكز الحضرية كذلك يخلق فرص لهذه المجمعات للجذب السياحي وحماية البيئة.. كل هذه التدبير تظل مهمة إذا ما مضت فيها الحكومة للأمام لأجل إنسان الريف كذلك يظل استمرارها واستقطاب الدعم لها عبر الأشقاء والأصدقاء وصناديق التمويل العربية مهم، كذلك لا بد من صيانتها لأجل الاستدامة والتوسع فيها لإزالة هواجس المواطنين في الحصول على المياه النظيفة.
دمتم بخير..