جبر الضرر.. النيل الأزرق في الواجهة

جبر الضرر.. النيل الأزرق في الواجهة

*

النذير إبراهيم العاقب

*

من المعلوم أن جبر الضرر يرمي إلى الإقرارِ بأسبابِ وقوعِ انتهاكات حقوق الإنسان والمظالم وبتبعاتها، كما يرمي إلى مُعالجتها على حدّ سواء، وذلكَ في البُلدان الخارجة من حكم ديكتاتوري أو نزاع مُسلّح أو عنف سياسي وفي المُجتمعات الّتي تُعاني من ظلم بسببِ العرق أو من إرثِ الاستعمار، وفي هذا السياق، نطرح هذه القضية لتعريف إنسان النيل الأزرق، والذي يعتبر الأكثر تضررا من الحروبات والنزاعات المسلحة السابقة، خاصة اللاجئين والنازحين والعائدين منهم، والذين ومع إضطرارهم للهرب، سواء بالداخل أو بدول الجوار، فقدوا الكثير من أساسيات الحياة الكريمة، ولدرجة أن الآلاف منهم، وخاصة الشباب ولوجوا إلى سوح الأمية المعرفية جبرا وفرضا وليس إختيارا، وهنا نتطرق لمسألة حبر الضرر والتي هم في أمس الحاجة لها لاستعادة حقوقهم الضائعة بسبب ااحروب والعنف المسلح.

ونقدم هنا المعرفة المقارنة والعبر العمليّة المُستفادة من تصميم برامج جبر الضّرر وتنفيذها، في إقليم النيل الأزرق.

ولاشك أن لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان جميعهم الحقّ في جبر الضّرر، ولكلِّ ضحيّةٍ حاجاتها المُختلفة، وهذه الحاجاتُ تتبدّلُ مع مرور الزّمن، وقد يختلفُ نوع جبر الضّرر المطلوب باختلافِ مستوى الضحية الاقتصادي ونوعها الاجتماعي وعمرها وهويتها الاجتماعيّة، فَعلى سبيل المثال، تُؤثِّرُ الانتهاكات في النّساء تأثيرا مُختلفا تماما عنه في الرّجال، علما أنّ تجارب النّساء لا تُحصر بالعنف الجنسي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي وتبعاتهما، والأمرُ سيّان بالنّسبة إلى المجتمعات المُشرّدة الّتي تختلفُ حاجاتها إلى جبر الضّرر عن حاجاتِ العائلات المدنيّة النازحة.

إنّ الدول الّتي ترتكبُ انتهاكاتٍ أو الّتي تخفقُ في ردعها، وكذلكَ الهيئات غير الحكوميّة، ومنها الأشخاص المعنويون والمؤسسات والشّركات والمجموعات المُسلّحة الّتي ترتكبُ هذه الانتهاكات أو تتواطأ في ارتكابها، يقعُ على عاتقها التزامٌ قانونيّ يقضي بتوفير جبر الضّرر.

ومن الأهمية بمكان الالتفات إلى أنَّ التعويض- أي دفع المالِ- ليسَ سوى شكل واحد من أشكال جبر الضّرر الماديّة العديدة، والأشكالُ الأخرى تشملُ إسترداد الحقوق المدنيّة والسّياسيّة، وإعادة التأهيل الجسديّة، ومنح حقّ دخول الأرض، والإيواء وتوفير الرّعاية الصّحية أو التعليم.

ويُمكنُ أن يتّخذ جبر الضّرر شكلا آخرَ يتمثل في كشف الحقيقة حولَ الانتهاكات وتقديم ضمانات بعدم تكرارها، أمّا أشكالُ جبر الضّرر المعنويّة- على غرار تقديم الاعتذار، وتشييد النّصب التذكارية وتخليد الذّكرى- فتُعدُّ تدابيرَ جبريّة مهمّة، وتزدادُ جداوها حين تُقرَن بأشكال جبرِ ضررٍ ماديّة.

كما ويُمكنُ جبر الضّرر أن يُنفّذَ عبرَ برامجَ إداريّة أو أن يُفرَضَ بموجب الأحكام في الدّعاوى القضائيّة، ففي الكثير من البلدان، قدّمت عمليات العدالة الانتقاليّة جبر الضرر لمجموعات وجماعات وحتّى لمناطقَ برمّتها، وقد يتقاطعُ تصميمُ جبر الضّرر الجماعي وتنفيذه مع برامج التنمية، في حين قد تتقاطعُ أشكال جبر الضّرر الفرديّة المُستعجلة مع برامج الإغاثة الإنسانيّة، فَبروزُ مواضِع التقاطع هذه أمرٌ حتمي لأنَّ الأفراد الأشد عرضةً لانتهاكات حقوق الإنسان هم أكثر مَن يُعانِي مِن عدم المُساواة الاجتماعيّة والاقتصاديّة. وينبغي أن يُصمّمَ جبر الضّرر ويُنفّذَ على نحوٍ يُخوّله تبديلَ الظّروف الظّالمة والمُجحِفَة هذه، وصحيحٌ أنَّ أغلبَ الضّحايا ينظرون إلى جبر الضّرر على أنّه الطّريقة الأكثر وضوحا والأفضل جدوى من أجلِ نيل العدالة، إلّا أنّه قلّما يُولَى الأولويّة، وغالبا ما ينالُ النّصيبَ الأدنَى من تمويلِ العدالة الانتقاليّة.

والمعلوم أنه وفي هذا الصدد

ظل المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة يشدد على دور الضّحايا في عمليَة تصميم برامج جبر الضّرر وتنفيذها وفي تحقيق نتائجها على حدّ سواء، لذا يُساعد المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة الضّحايا في الإفصاح عن حاجاتهم وفي تحديد أشكال جبر الضّرر الأفضل لهم. ونحنُ هنا نسدي المشورة لواضعي السّياسات في شأنِ التحديّات العمليّة والقانونيّة والماليّة والإجرائيّة الّتي تكتنفُ تصميمَ برامج جبر الضّرر وتنفيذها في النيل الأزرق، الذي أسلفنا أن إنسانه في أمس الحاجة لجبر ضرره العميق، بالإضافة إلى ذلك، نعمل بجد للتواصل مع الضّحايا ومُختلف الأطراف المعنيّة، بمَن فيهم واضعو السّياسات الوطنيونَ والدّوليون والجهات المانحة والفاعلونَ في مجال التنمية، وغيرهم من منظمات حقوق الإنسان، وذلكَ بُغيةَ إيلاء جبر الضّرر الأولويّة نفسها المُولاة للبحث عن الحقيقة والمُحاسبة الجنائيّة الفرديّة في إطارِ مساعي البلد إلى إحقاق العدالة الانتقاليّة.

ونُشدِّدُ أيضا على أنَّ برامج جبر الضّرر يُمكن وضعها بشكلٍ مُنفصل، وأنّها تقدرُ على تسريع تنفيذ التدابير المُتعلّقة بالبحث عن الحقيقة وإحقاق العدالة الجنائيّة. لاسيما وأن تقديمُ جبر الضّرر للضحايا لا يتطلّبُ التريّث حتّى إصدار لجنة الحقيقة توصياتها، كما لا يتطلّب ربطه بالملاحقات الجنائية أو بالمقاضاة في المحاكم، وهنا يعملُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة على جبر الضّرر القضائي، وهو بذلك إنّما يحثُّ المحاكم الجنائية الدولية على الاستفادة من التّجارب غير القضائية ويدعم الضّحايا الماثلين أمام المحاكم الواقعة في الشمال العالمي، في إدعاءاتهم للمطالبة بجبر الضّرر، بما في ذلكَ الدّعاوَى المرفوعة ضد الجهات المُتواطئة في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

وإلى جانب مجموعات الضّحايا، يعملُ المركز الدّولي للعدالة الانتقالية عن كثب مع مُختلف عمليات العدالة الانتقالية ومؤسسات الدولة والمنظمات غير الحكومية، وذلك من أجل التوّصل إلى أفضل السبل الآيلة إلى تلبية حاجات الضحايا وتنفيذ برامج جبر الضّرر.

هذا ونُسدي المشورة للجان الحقيقة،والتي نطمع أن يتم تشكيلها بأعجل ما يكون بالنيلالأزرق، شريطة أن تضم كفاءات حقيقيه لإنصاف المتضررين، وندعمُ المؤسسات المُنفّذة لجبر الضّرر، وهنا سنتواصل عن كثب مع هيئات الدولة الّتي تُساعِد في تأمين تمويل جبر الضّرر وبناء القدرات من أجله.

على أن تعمل اللجنة المرشحة لإنفاذ برامج جبر الضرر لتوسيع عملها في نطاقَ الأضرار الواجب جبرها، وذلكَ من خلالِ مُعالجة الانتهاكات التي تنالُ من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وربط المُحاسبة على الفسادِ بجبر الضرر، ودعم التّدابير التي تتصدى للتهميش على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على السّواء.

وفي هذا السياق نحث المجتمعات على اعتمادِ مُقاربات تنبثق من لغة المنطقة المعنية، وثقافتها وتاريخها، ومن الجماعات التي وقعت ضحية حكم استبدادي أو حرب أو استعمار أو ظلم عرقي وعنف اقتصادي أو عنف سياسي، ومتى ما نفذنا تلك الخطوات بحذافيرها وبإتقان يبدأ بتبصير المتضررين بحقوقهم وكيفية نيلها، بل وإنتزعاها وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان المرتبط بعمليات جبر الضرر، هنا نضمن بحق بلوغنا إلى المرمى المطلوب الرامي لإنصاف النازحين واللاجئين والعائدين من معسكرات دول الجوار، وحتى اللاجئينوالنازحين داخليا، فضلا عن إنصاف أسر الشهداء الذين راحوا ضحية العنف الممنهج الذي صاحب حروبات ونزاعات النيل الأزرق طوال الفترات الماضية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب