مسودة الاتفاق النهائي… خطوة للحل أم تصعيد للأزمة؟

مسودة الاتفاق النهائي… خطوة للحل أم تصعيد للأزمة؟
نبيل أديب: هناك مشاكل واضحة ومسائل ملفتة في المسودة
عبد الجليل عجبين: المسودة فيها جميع السوءات ، لكنها يمكن أن تقود لاتفاق وطني
المعز حضرة: مسودة جيدة وتخلق طريقاً للخروج من الأزمة المعقدة

الخرطوم: فاطمة مبارك

في إطار استعداد القوى المدنية والعسكرية الموقعة على الإطاري للتوقيع على الاتفاق النهائي في الأول من أبريل ٢٠٢٣م تم تسريب نسخة من مسودة الاتفاق النهائي، وحظيت بردود فعل واسعة من قبل السياسيين والمراقبين والمختصين في الشأن السياسي والقانوني، وتم تناول بنودها بصورة تفصيلية، خاصة البنود المرتبطة بالقضايا الخلافية، مثل تضمين اتفاق جوبا وتشكيل الحكومة ودمج الدعم السريع في الجيش و مسألة الإصلاح الأمني والعسكري للقوات المسلحة، وحسب ما ورد في المسودة النهائية أن رأس الدولة سيكون قائداً أعلى للقوات المسلحة.
اختلاف تفسير:
هناك ثمة إشارة تدل على وجود اختلاف في تفسير البند الخاص بإصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية بين القوى المدنية الموقعة وقيادة القوات المسلحة، وما يؤكد ذلك أن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قال – خلال مخاطبته ورشة الإصلاح الأمني والعسكري – إنهم في القوات المسلحة يريدون تمكين السلطة المدنية المنتخبة لتكون القوات المسلحة تحت إمرتها، بمعنى أنها لن تخضع إلا لسلطة منتخبة، وأضاف الإصلاح الأمني والعسكري عملية طويلة ومعقدة، كما أوصى البرهان المشاركين في الورشة الإلمام بقانون القوات المسلحة.
كذلك من البنود التي وردت في المسودة وتم حولها نقاش مستفيض، موضوع حظر مزاولة القوات المسلحة للأعمال الاستثمارية ماعدا التي تتعلق بالتصنيع، وحظر مزاولة الأعمال الاستثمارية التجارية، شمل كذلك قوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة، في حين لم يرد في المسودة حديث عن حظر التجارة والاستثمار بالنسبة لقوات الدعم السريع، بحسب المراقبين.
والمسودة النهائية
أيضاً أوصت بأيلولة جميع الشركات الحكومية المملوكة للقوات النظامية وجهاز المخابرات، والتي تعمل في القطاعات المدنية للمالية، وأن تخضع بقية الشركات المملوكة للقوات النظامية والعاملة في قطاعات عسكرية وأمنية لسلطة وإشراف وزارة المالية في الجوانب المالية والمحاسبية وسلطة ديوان المراجع القومي، وأن تتخذ القوات المسلحة عقيدة عسكرية وتلتزم بالنظام الدستوري، وهناك تباين بين مؤسسة القوات المسلحة والمدنيين الموقعين على الإطاري حول فهمهم لمسألة عقيدة الجيش العسكرية.
دمج الدعم السريع:
على صعيد قوات الدعم السريع أكدت دمج قوات الدعم السريع في الجيش، ليصبح هناك جيش مهني واحد، والمسودة نوهت إلى وجود جدول اشتمل على الأنشطة المطلوبة لإكمال عمليات الدمج والإصلاح على أن تقوم اللجان الفنية المشتركة بوضع التوقيتات والضوابط الأخرى، وأن لا تتجاوز المدة الكلية العشر سنوات، وكانت الساحة السياسية قد تناولت هذا الموضوع قبل صدور المسودة، وهناك مصادر أكدت أن الجيش تمسك في النقاش؛ بأن يكون الدمج بعد عامين من استئناف المرحلة الانتقالية، فيما تباينت آراء القوى الموقعة على الإطاري، فبعضهم رأى أن تكون عشر سنوات، أما القائمون على أمر قيادة الدعم السريع فكانوا يتحدثون عن عشرين عاماً بحسب ماقيل.
بالرغم من أن المسودة النهائية لم تخرج بتاريخ محدد للدمج، لكن أشارت إلى أن المسألة لا تتجاوز عشرة سنوات، والسؤال المطروح؛ هل القوات المسلحة موافقة على هذا التاريخ، أم أننا سنشهد اختلافات حول مسألة دمج الدعم بعد التوقيع النهائي و الممارسة العملية، خاصة أن القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان سبق أن رهن استمرار القوات المسلحة. في الاتفاق الإطاري بتنفيذ دمج قوات الدعم السريع.
وشدد على أن استمرار القوات المسلحة في الاتفاق الذي وقع مع القوى المدنية في الخامس من ديسمبر 2022 مربوط بدمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش.
و قال في خطاب بمنطقة الزاكياب بولاية نهر النيل: “إذا كان هناك حديث واضح عن دمج الدعم السريع والحركات المسلحة في القوات المسلحة سنمضي في الاتفاق الإطاري”. أي كلام غير ذلك لن يكون مقبولا”.
لكن المسودة دفعت بمبررات لهذه المدة التي حددتها للدمج، حيث اعتبرت قضية الدعم السريع ذات أبعاد سياسية وفنية وأمنية متعلقة بتاريخ نشاتها والمصالح التي تمخضت عنها والمخاوف، لذلك تحتاج لنقاش قائم على المبادئ التي وردت في الإطاري وعلى رأسها الدمج والإصلاح.
وفي شأن القوات النظامية كذلك جعلت المسودة قوات الشرطة خاضعة لسياسات وقرارات مجلس الوزراء، على أن يعين رئيس الوزراء المدير العام للجهاز ونوابه، والجهاز يتبع مباشرة لرئيس الوزراء ويكون مجلس الأمن والدفاع برئاسته.
كفاءات ملتزمة:
في ما يتعلق بالشأن السياسي الخاص بالسلطة التنفيذية، لفتت مسودة الاتفاق النهائي إلى أن رئيس الوزراء والوزراء يتم اختيارهم من الكفاءات الوطنية وتتشاور القوى الموقعة لاختيار رئيس الوزراء، ويقوم رئيس الوزراء مع الأطراف المدنية والعسكرية الموقعة باختيار الوزراء، وأن يكون حكام الولايات والأقاليم من الكفاءات الوطنية الملتزمة بالثورة والاتفاق.
وبدا واضحاً أن الأطراف الموقعة على الإطاري اتفقت على كفاءات وطنية، بعد أن كان الخيار هو كفاءات مستقلة لضمان الحيادية وعدم وجود محاصصات حزبية في هياكل السلطة، وكفاءات وطنية كما فسرها قبل ذلك رئيس حزب الأمة القومي في حوار أجرته معه (اليوم التالي) تعني التركيز على الكفاءات حتى إذا كانت منتمية حزبياً.
كما أفردت النسخة الأولية للاتفاق النهائي مساحة مقدرة لاتفاق سلام جوبا، لكن التحدي يكمن في أن ماوضع بشأنه لم تشارك فيه حركات أساسية في الاتفاق هما حركتا العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، فكيف يتم وضع اتفاق جوبا في الدستور و التعامل مع نسبة ل٢٥ في المائة في السلطة التنفيذية التي منحت لأطرافه.
كذلك من الموضوعات التي اختلف حول السلبيات التي صاحبت تطبيقها في الحكومة الانتقالية السابقة، بشهادة بعض المناصرين للاتفاق الإطاري قضية لجنة إزالة تمكين نظام ل٣٠ من يونيو، (اليوم التالي) أخضعت مسودة الاتفاق لقراءة للتعرف على رأي المختصين والخبراء.
مشاكل واضحة:
في هذا الشأن يقول الخبير القانوني ورئيس لجنة فض اعتصام القيادة العامة نبيل أديب لـ(ليوم التالي)، هناك مشاكل واضحة ومسائل ملفتة وردت في مسودة الاتفاق النهائي مثل الحديث عن مراجعة الأحكام القضائية الخاصة بلجنة إزالة التمكين، وأكد أن السلطة التنفيذية لا تستطيع مراجعة أحكام قضائية، لأن الأحكام القضائية يقررها القضاء، وانتقد التناول المتطاول لبعض المسائل، وأضاف.. الاتفاق السياسي عادة يكون في شكل مبادئ موجزة ومحددة، لأن الجمل الطويلة الاتفاق عليها لايكون سهلاً.
و أشار نبيل أديب لوجود مجموعة من المبادئ في مسودة الاتفاق، وقال في المبادئ العامة ١٩ ورد حديث حول تجريم كافة أشكال العنف والانقلابات العسكرية، و هم الآن يتفقون مع العسكر الذين يسمونهم انقلابيين، وفي هذه الحالة إما أن الطرف الثاني سيوقع ويعرف مايريد، أو أنه لايوقع، وأوضح أن المبادئ العامة ١٧، اعتبر اتفاق جوبا للسلام جزءاً من الترتيبات الدستورية الانتقالية الجديدة، والسؤال عن أي دستور يتحدثون؟ هل يتحدثون عن الدستور الذي لم يره الناس؟ .
ولفت نبيل إلى أن اتفاق جوبا منح الحركات الموقعة نسبة في السلطة التنفيذية وهذا يعني ضرورة وجودهم فيها.
وأضاف.. هم تحدثوا عن اتفاق سياسي دون اشتراط لنسبة اتفاق جوبا، وتوقع أن تواجه، هذه المشكلة الأطراف الموقعة عند تشكيل الحكومة، وأضاف.. اتفاق جوبا وضع كجزء من الدستور، وفي هذه الحالة رئيس الوزراء ملزم بتعيين الربع منهم في السلطة، ولا يتم ذلك بالترشيح له، و تمثيلهم في البرلمان.
واستبعد وجود حل لمسألة الانتقال، على ضوء أن يتم تكوين السلطات الانتقالية بواسطة شريحة واحدة من شرائح الجسم السياسي السوداني، واعتبر هذا غير كافٍ لفرض دستور وسلطة ووضع انتقالي كامل، إلا اذا كانوا يريدون الاعتماد على المكون العسكري الذي يمتلك القوة، كما قال نبيل إن كان هناك وجه شبه بين مسودة الاتفاق النهائي ومخرجات ورشة القاهرة، أكد أن ورشة القاهرة تمسكت بالوثيقة الدستورية وأشارت إلى ضرورة إجراء تعديلات بالنسبة لسلطة تعيين الهياكل الدستورية، حتى تتم بالتوافق بين المكونات السياسية ماعدا المؤتمر الوطني، فيما تم احتكار السلطة في مسودة الاتفاق النهائي وجعلها فقط للموقعين.
وقال أديب: مسودة الاتفاق تتحدث عن أن هياكل السلطة تضمن في الدستور، والسؤال” من الذي يصدر الدستور، وأجاب.. الدستور تصدره سلطة تأسيسية إما منتخبة بواسطة الشعب أو تتكون بواسطة الشرعية الثورية، وهذا ماحدث في ديسمبر ٢٠١٨م، حيث تم تكوين سلطة تأسيسية من الحرية والتغيير باعتبارها ممثلة للسلطة الثورية، والمكون العسكري كان يمثل سلطة الأمر الواقع التي نتجت عن الانقلاب العسكري الذي تم استجابة لمطالب الشعب، و كان تسليمه السلطة بموجب دستور تم تكوينه بواسطة سلطة تأسيسية اعتمدت على الشرعية الثورية، وتابع..نحن نتحدث عن قوة السلطة التي يحددها الدستور، لكن إذا أرادت الأطراف العمل دون سلطة فهذه تسمى سلطة القوة، وإذا أرادت فرضها بسلطة العسكر في هذه الحالة لا يكون ذلك إنهاء للانقلاب.
خروج من الأزمة:
فيما توقع الناشط في قضايا حقوق الإنسان ومدافع عن ائتلاف مركزي الحرية والتغيير معز حضرة لـ(اليوم التالي)‏‎ أن تكون مسودة الاتفاق جيدة وتخلق طريقاً للخروج من الأزمة السودانية المعقدة، حضرة يرى أن الأزمة السودانية لا تكمن في توقيع عقود نهائية أو مبدئية، وإنما تكمن في نقض العهود والمواثيق من قبل العسكر، خاصة العسكر الحاليين من بقايا اللجنة الأمنية للمخلوع.
اتفاق منقوص:
ومن جانبه؛ أشار أستاذ القانون الجامعي عبد الجليل عجبين إلى أن أطراف الاتفاق خلطوا بين اتفاق التراضي السياسي وبنوده والاتفاق الدستوري واستحقاقاته لجميع مواطني الشعب السوداني، أي خلطوا بين منطلقات حقوق المواطنة ومنطلقات الاشتراك في ثورة ديسمبر ٢٠١٨م وتناسوا أن هناك بعض الحقوق والمبادئ اشتملها الاتفاق وهي محل استفتاء بين جميع طبقات الشعب السوداني، وتمثل استفتاء لاستحقاقات تتعلق بالمواطنة والحقوق المجتمعية، وأكد أنهم لا يستطيعون البت فيها بأي حال، واعتبر عبد الجليل في إفادة لـ(اليوم التالي) أن اتفاقهم منقوص من ناحية السند الجماهيري، ونوه لوجود مسائل خلافية تتعلق بالدين والدولة والتوجه العام للمجتمع وحقوق المواطن تحتاج لسند جماهيري منتخب للتقرير فيها، هذا غير متوفر لأطراف العملية السياسية.
وقال : لذلك كان يجب أن يتضمن الاتفاق بنوداً لا تتجاوز صفحة واحدة، تنص على أنه اتفاق مؤقت لحين تسليم الأمانة لحكومة منتخبة، وليس تحديد الطريق العام للحكومة، ولفت لوجود إشارة إلى أنه بعد تكوين البرلمان لا يجوز حله، وهذا يخرجه من المعيار العام للمحاسبة ورؤية الحكم الجماعي، ولا يستوي أن يكون هناك مستوى من مستويات الحكم في دولة انتقالية جديدة ما لم تكن فيها محاسبة ومراجعة، بيد أنه قال: رغم أن هذا الاتفاق السياسي فيه جميع السوءات إلا أنه يجعل من الممكن أن يكون هناك اتفاق وطني لترتيب آثار قانونية ودستورية في المستقبل، بعد أن كان هناك شقاق بين الفرقاء منذ ٢٠١٩م وحتى الآن، ويرى عبد الجليل إمكانية مراجعة هذا الاتفاق وإخراج كل المسائل المتعلقة بالاستفتاء، وجعله اتفاقاً سياسياً حرفياً،
ونوه لوجود إشارة لحق المواطنة التي تكسب الشخص جميع الحقوق المجتمعية والاستحقاقات الوطنية، وهذا يتعارض مع قانون العزل السياسي، وشدد على ضرورة النص على قانون العزل السياسي وإلغاء الشرط المتعلق بحقوق المواطنة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب