حالة (ميجالومينيا) Megalomania أو وسواس العظمة..

د. وائل أحمد خليل الكردي
(أنا ربكم الأعلى) تلك هي كلمة السر لحالة وسواس العظمة (ميجالومينيا) ربما حتى ولو لم يكن الإنسان مريضا عقليا، ولكنه سلوك أصبح شائعا.. لقد كان هدف المنظمة السرية في رواية (الجحيم) Inferno للكاتب الأمريكي (دان براون) أن يتم التنزيل على الأرض في هذه الدنيا ما كان قد صوره خيال (دانتي) للجحيم وعذاب الناس في الدار الآخرة بكتاب (الكوميديا الإلهية) وربما ما صوره قبله (أبو العلاء المعري) في (رسالة الغفران).. فبدل أن يصير الإنسان إلى الجحيم في الأخرة يصير إليه الآن وهو في هذا العالم، وذلك من أجل ان يموت نصف البشر في العالم دفعة واحدة بدعوى أن ذلك إن لم يحدث فستفني الكثافة السكانية المتزايدة الجنس البشري كاملاً وينقرض الإنسان بعد سنوات.. كان قائد هذه المنظمة رجل مهووس قام بتخليق فايروس وبائي قاتل وسريع الانتشار ويعذب الانسان بالألم حتى الموت، واستطاع أن يكسب حوله الملايين من الاتباع والمريدين في جميع أنحاء العالم سحر عقولهم بكلمات منطقية محكمة الدلالات (نحن ندمر الوسائل نفسها التي تدعم الحياة.. كل مشكلة عالمية تعانيها الأرض نستطيع أن نعزوها إلى الاكتظاظ السكاني.. البشرية هي السرطان في جسمها.. هل نحب البشرية كفاية فننقذها.. لا نحتاج إلى كارثة لنتعلم الدرس، للفت الإنتباه.. لا شيء يغير السلوك كما يغيره الألم.. ربما يستطيع الألم أن ينقذنا.. (الجحيم) يكون في النهاية.. علينا التأكد من أن يُطلق (الجحيم)) فجعلوا كلماته ومخططه هذا دستوراً لحياتهم ينفذوه ولو أدى ذلك إلى موتهم في سبيله.. ولربما رأينا في أعماق نفس هذا الرجل ذلك الشعور الطاغي في داخله بأنه هو الفرعون الذي يحرك جموع هذه الملايين بحسب إرادته كأنما هو الاله الآمر وهم العبيد الطائعون، وحتى عندما قدر عليه رجال آخرون يريدون هذا الفايروس لمصلتهم ربما تذوق في ذهنه صورة البطل النبيل الذي سيخلد ذكره ويعظم أثره في نفوس اتباعه إذا هو آثر الموت منتحراً من أعلى البرج على تسليم سره لعملاء يتاجرون به.
إن الشعور الطاغي بالسيطرة والاحتواء والتأثير على الناس هو ما جعل الفرعون القديم يزعم أمام شعبه (ما علمت لكم من إله غيري).. وهو نف الشعور الذي يجعل من يبلغ سدة الحكم مع ادعاء الزهد فيه رعان ما يلصق جله بكري السلطة فلا ينفك عنه إلى الأبد ولسان حاله يقول (أنا ومن بعدي الطوفان) فالأصل في صاحب الحالة الفرعونية أنه يرى نفسه هو الثابت القائم وكل الجماهير هي المتغير التابع الذي يدور حوله.. وهو أيضاً الشعور الذي يجعل من التاجر ومالك رأس المال أن يسحق تحت ماكيناته ثروات بلاد بأكملها لمصلحته وزيادة ثرائه دون النظر الى ملايين الضحايا الذين يسقطون في الفقر والموت نتيجة استحواذه على الثروة بغير عدل وتحويلها الى عملات نقدية للمضاربة ورمي الفضول لعموم الناس، فيصبح الحال (دولة بين الأغنياء) ولا عزاء لمن دونهم..
وهو نفس الشعور الذي يجعل نفر من الناس يتوشحون بزيف ألقاباً غير مستحقين لها بنحو (المدرب.. الكابتن.. القائد.. المرشد الشخصي.. الخ) ويمنح نفسه الثقة أنه الأفضل على الاطلاق ليوهم جمع كثير من أصحاب النفوس الهشة والعقول السائلة بأنهم لابد ان يغيروا حياتهم، كأن حياتهم بوضعها الراهن على أي حال كانت ليست في محل الرضا او التميز لذا وجب عليهم تغييرها، فينشر بذلك فيهم الوهم بضعف الثقة في أنفسهم ورغبتهم في أن يصيروا جميعهم قادة ومتفوقون وعظماء، فيتدافعون نحو حلقات التدريب و(الكوتشينج) ليسقطوا ذواتهم بسهولة بين يدي ذلك الفرعون الدعي بأنه القادر الوحيد على تغيير حياتهم وشخصياتهم بما يمنحهم من تدريب وارشاد وقيادة، وهنا تكمن المصيبة.. إذ يزداد هذا الفرعون غروراً وتجاوزاً في تقدير قدر نفسه كلما كثر تابعوه، ثم لا يكون هؤلاء التابعين الضحايا من بعد لا قادة ولا متفوقون ولا تتغير حياتهم ولا يزدادون إلا وهماً.. وقليل من هؤلاء المدربين وقادة الكوتشينج صادقين مؤهلين نافعين للناس بحق فهم ليسوا فراعنة، ولكن الكثير الغالب هم غير ذلك.
فمن بربنا يظن هؤلاء أنفسهم ليعطوا ذواتهم حق القضاء المطلق ليحكموا بقتل نصف البشرية ليعيش النصف الآخر.. ومن يظن هؤلاء أنفسهم لكي ينصبوا ذواتهم حكاماً على رقاب العباد إلى الأبد فكل الجماهير عندهم قطيع من الأنعام.. ومن يظن هؤلاء أنفسهم لكي يجعلوا ذواتهم أعلى من الناس بإرادتهم وأنهم مالكوا تغيير حياتهم وشخصياتهم كيفما يشاؤون..
ليتنا ندرك تلك الآفات التي تتسرب إلى حياتنا كرائحة العطر ولكنها تهلك السياسة والاقتصاد والاجتماع، ولا يكون بعدها إلا أن ننتظر الساعة.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب