الالية الرباعية: البدايات السليمة تؤدي لنتائج سليمة والعكس صحيح..

مبارك أردول
في ظلال الأزمة السياسية السودانية منذ الـ25 من أكتوبر 2021م تقدمت جهات عديدة محلية ودولية بمساعٍ لحل الأزمة بين الفرقاء السودانيين السياسيين من جهة وبين المدنيين والعسكريين من جهة أخرى، كانت أبرز هذه المساعي هي التي تقدم بها الأخ الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء المستقيل، اثنين منهما قبل القرارات والثالثة في الـ21 من نوفمبر 2021م عرفت باتفاقية حمدوك – البرهان، كل هذه المساعي اصطدمت بحائط الصد والممانعة التي تبنتها قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي كخط سياسي وهم الذين عرفوا شعبياً بـ(أربعة طويلة)، وكانت لولا هذا الخط المتزمت الذي لا يرى سوى نفسه أن ينهي الأزمة السياسية ويسلم الانتقال من ما لحق به، ومن ضمن مساعي حمدوك كانت أكثر المؤهلة التي ستحل القضية هي خلية الأزمة التي شكلت في منتصف أكتوبر 2021م بشخصين من كل طرف، في الأول رفضت قوى أربعة طويلة من الجلوس بحجة أن صراعهم مع العسكريين فقط لتتبدل لاحقاً هذه الحجة.
وثانياً جاءت مساعي رئيس بعثة اليونتامس التي تحولت الى جهود إقليمية وقارية أصبحت فيما يعرف بالثلاثية والتي انتهت أيضاُ بسبب ممانعة نفس المجموعة من حضور جلسة بدء المشاورات الفنية بحجة أنها ستجلس فقط مع العسكريين (الانقلابيين) والمدنيين المعارضين لها أسموهم بـ(وكلاء الانقلاب) لا يحق لها الجلوس معهم، لاحظ تبدل الموقف وثبات المنهج.
لست بصدد حصر مواقف المجلس المركزي المعروفة تجاه التعامل مع القضية السياسية فراعي الضأن في الخلاء يعرف كيف أنهم أساءوا استخدام السلطة التي حازوا عليها باسم الثورة وبدلاً من إن كانوا سيدخلون الباب من أوسع أبوابه عبر ممارسة سياسية رشيدة فقد اكتفوا بأساليب أفقدتهم أولاً شركاءهم العسكريين في الحكم بعدما كان القول إن الشراكة تمضي بتناغم ومن ثم فقدوا رفاقهم من أسقطوا نظام البشير في النضال العسكري ولاحقاً فقدوا الشباب في الشارع (حادثة باشدار) وغيرها وكل يوم يفقدون.
المهم في أمرنا هو (مساعي) الرباعية التي بدأت بثنائية + فولكر في منزل السفير السعودي وكذلك بثنائية الأطراف (العسكريين وأربعة طويلة)، وهي ما تسبب في تسديد الضربة القاضية لجهود الآلية الثلاثية وخربتها وأفنتها من الوجود، الهم الحضور الاحتفالي الذي يشهده فولكر مع السفير بلعيش والبروف وايس لمنابر أربعة طويلة حتى أن فولكر يطاردهم لبيوتهم ويكتفي بإرسال ممثليه في منابر الآخرين، أما البروف ولد لباد فقد زهد وفضل التركيز على ملف ليبيا.
الجهود التي تحولت فجأة الى رباعية تحاول أن تتوصل لحل الأزمة السياسية، كما تدعي ولكن منهجها خاطئ، فقد كانت تقول على لسان الحسن بن جعفر السفير السعودي بالخرطوم إنها تقوم فقط بمساعٍ لتقريب وجهات النظر بين العسكريين وجماعة أربعة طويلة بغية إلحاقهم بالحوار السياسي الذي تسهله الثلاثية، ولكن لمواقف الاتحاد الأفريقي والإيقاد اللذان قالا مراراً وتكراراً إنهم سيقومون فقط برعاية الحوار السياسي الشامل الذي لا يقصي أحداً، فضل السيد فولكر في قصر دور الثلاثية في الاحتفالات وأحيا الرباعية التي تسعى فقط لرعاية موقف المجلس المركزي فقط، لا أدري كيف يتوقع أن تحدث الرباعية اختراق وهي تعلم أن الأزمة أساسها الإقصاء الذي تتبناه منهجاً جماعة أربعة طويلة.
يبدو أن صديقنا السفير السعودي بطيبته يفتكر أن الأمر فقط مجرد مسعى وبطيب خاطر، فهذه الأزمة إذا كان حلها يتم بهذه الطريقة يا بن جعفر لما وصلت الأمور الى ما وصلت اليه اليوم، فدكتور حمدوك كان أقوى وأكثر تأثيراً وحظوظاً من مساعي الرباعية إذا كانت بهذه البساطة.
الدعوة التي أطلقتها يوم أول أمس لبعض أطراف الأزمة رغم أن المكون العسكري قد انسحب من الحوار هي الدعوة الثالثة من طبيعتها، فقد سبقتها دعوة عقب الجلسة الافتتاحية لورشة المجلس المركزي باسم المحامين، بل كانت تلك الدعوة فيها وثيقة دعوا الأطراف للتوقيع عليها لولا المواجهة القوية من القائد مناوي لما فشل ذلك الاجتماع، وحجة القائد مناوي كانت أن الحوار يقوم على قاعدة أساسها الشمول وعدم الإقصاء وغيرها فهو وتحالفه (الحرية والتغيير التوافق الوطني) غير معنيين به، وقبل تلك الدعوة كانت دعوة نقاش حضرها عدد من القوى في الفلل الرئاسية بقاردن سيتي وانتهى اللقاء الى اللاشي لغياب الأجندة وتهرب الداعي للقاء من توضيح الغرض.
عموماً الرباعية بمنهاجها الخاطئ وغير السليم تعتقد أنها يمكن أن تحقق نتائج مغايرة وسليمة غير تلك الجهود السابقة، وهي قناعة لا أدري من أين يستمدها أخونا الحسن بن جعفر وهو الأقرب للأوضاع السياسية في السودان بحكم الجغرافيا وغيرها، فينبغي أن يكون الأكثر اطلاعاً عن بقية زملائه، كنا قد التقينا به سابقاً ونبهناه بأن ما يقوم به خطأ وسيؤدي لكارثة ولكنه ظل يردد الخطأ مراراً كأنه مجبر لتنفيذ مخطط ما ببلادنا، نقلنا له إننا نضع المملكة العربية السعودية في مكانة كبيرة لا يجب أن تلوثها سوء التدخلات في الشؤون الداخلية للسودان وبطريقة ستعمق الأزمة بدلاً عن علاجها، ينبغي أن يكون السفير أكثر حرصاً على ذلك من غيره.
الدعوة الأخيرة التي دعتها الرباعية اقتصرت على المكون العسكري وأربعة طويلة وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة (ولولا موقف الحركتين المبدئي وغياب المكون العسكري لنفذ المخطط الإقصائي)، وموقف الرباعية هذا هو نفس موقف القوى القديمة التي سممت سياساتها الوضع السياسي في السودان منذ الاستقلال وحتى في عهد حمدوك، وقد ظل يردده ياسر عرمان منذ أن كان مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء بحيث صرح لأكثر من مرة بأنهم فقط سيجلسون مع الحركتين فقط والبقية لن يجلسوا معهم لأنهم تنظيمات جديدة ليس هي الحرية والتغيير في أبريل 2019م، المضحك قادته الحياة ليكون هو رئيس أحدث تنظيم سياسي اليوم، فلا لحق الحرية والتغيير في ديسمبر 2018م او أبريل 2019م ولا ضمن أطراف السلام أو حتى الحرية والتغيير القوى الوطنية التي تشكلت بعد اتفاق حمدوك – البرهان.
من غير الممكن أن نتوقع نجاح جهود قائمة على الإقصاء ويطلق عليها حوار، فمبدأ الحوار القبول بالآخر والشمولية في أطرافه، فدعوة حركتين وتحالف أربعة طويلة والعسكريين رغم إعلانهم الانسحاب، وبإقصاء مكونات أخرى كالاتحادي الأصل ومبادرة القوى الاجتماعية التقليدية بقيادة الشيخ الجد وبإقصاء شباب لجان المقاومة من اتخاذ موقعها كطرف في الحوار لا يمكن أن تجدي تلك المساعي الا الى الخراب الذي يفوق الوقائع قبل 25 أكتوبر.
إذا كان للرباعية من نية للحل فالطريق اليه مرصوفاً بمطلوباته من الشمول في الأطراف والموضوعات والبدايات السليمة تؤدي لنتائج سليمة دوماً.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب