د. الناير: القرار مفاجئ وتم بدون ترتيبات محددة
د. هيثم: تقسيط الرسوم الجمركية يسهم فب توفير سيولة للمصنعين
تقتصادي: الرسوم الجمركية بالتقسيط تجنباً للتشوهات
عضو الغرفة التجارية: توقف نشاط العديد من الموردين في الفترة الأخيرة
القرار غير موفق نسبة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المستوردون
الخرطوم: علي وقيع الله
ظلت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تنتهج سياسات عنيفة ومناوئة بخلاف ما يأمله المستهلك السوداني الذي سئم سياسة الإجحاف المتواترة من وقت لآخر، لتظهر من فترة لأخرى قرارات الوزارة المنطبقة على الاستيراد بشكل عام، وأخيراً وليس آخراً بصورة مفاجئة أوقفت الوزارة العمل بنظام التقسيط الجمركي لكل الواردات، لعل الخطوة تفهم في سياق زيادة حصيلة الإيرادات العامة للدولة، لكن ما لم يكن في صالح المواطن اتخاذ القرار في ظل ظروف اقتصادية هزيلة، وبعض أصحاب الشأن تقع عليهم هذه القرارات وتستبعدهم من مجال الاستيراد أو كما يحدث الآن، ينظر بعض الاقتصاديين إلى قضية تقسيط الرسوم الجمركية بأنها (لن تزيد من حصيلة الإيرادات العامة للدولة، بل ستؤدي لانخفاض حصيلة الإيرادات)، والبعض يرى أن الرسوم الجمركية قيمتها مرتفعة وأن ميزة التقسيط تعطي مساحة للمستورد ليتمكن من استلام المواد الخام، وآخرون يعتقدون أن لهذا قررت وزارة المالية فرض الدفع كاش بدلاً عن التقسيط، ومع ذلك القرار غير موفق لأن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المستوردون تفرض بالتأكيد التعامل بمرونة أكثر من قبل وزارة المالية.
وكان أوقف وزير المالية، جبريل إبراهيم، بصورة مفاجئة العمل بنظام التقسيط الجمركي لكل الواردات دون سابق إنذار بخطاب حوى عبارة عاجل، وعلمت (اليوم التالي) أن هيئة الجمارك أوقفت العمل في وجه الموردين بسبب ذلك القرار حتى الذين لديهم تصاديق مسبقة، ولم يستثنِ القرار حتى المواد الخام التي تستجلبها المصانع للتصنيع، وقال مصدر إن هذا الأمر سابقة تاريخية في العمل الجمركي في كل العالم حيث لم يسبق لحكومة أن أوقفت هذا النظام الجمركي، ويوجد عدد كبير من المستوردين بهيئة الجمارك لمتابعة إجراءاتهم التي توقفت بعد أن وصلت البضائع إلى الميناء قبل أن يتفاجأوا بالقرار الذي يلزمهم بالدفع كاملاً، وهو ما لم تستطع الشركات والمصانع القيام به دون ترتيب وبالمقابل فإن البضائع التي وصلت إلى الميناء ستكلفهم أرضيات قبل عملية التخليص وترتيب أوضاعهم.
الجمارك تشرح
وفي السياق وصف مصدر بهيئة الجمارك قرارات وزير المالية بغير المدروسة، وأوضح أن الهيئة ظلت تفصل وتشرح الآثار المترتبة على جميع القرارات قبل الشروع في تنفيذها باعتبار أن الهيئة جهة تنفيذية، وقال إنهم يخطرون وزير المالية بما قد تحدثه تلك القرارات من انعكاسات سالبة على الاقتصاد القومي، وتابع قائلاً: لكن دون جدوى.
عراقيل الاستيراد
يقول عضو الغرفة التجارية أحمد الكارس إن الاستيراد أصبح عائقاً للاقتصاد وحال البلد، وزاد: نأمل أن نصدر بدلاً عن الاستيراد، وتساءل: إلى متى نستورد؟، وأقر بصعوبات تفرضها الحكومة على الموردين بدءاً من رسوم أرضيات الموانئ، ولفت إلى وجود عراقيل كبيرة متمثلة في ارتفاع تكاليف الشحن والبضائع التي زادت تكلفتها بنسبة 75% بجانب انخفاض القوة الشرائية، وأن سبل كسب العيش قلت، فالوضع أصبح في حالة انهيار، وأكد أن الطلب أصبح ضعيفاً من قبل التجار، وقال لـ(اليوم التالي): أصبحنا لا ننظر إلى الجمارك في إشارة منه إلى توقف نشاط العديد من الموردين في الفترة الأخيرة، مقترحاً أن يؤول الاستيراد لشركات تمتاز بصلاحيات للاستيراد لتوفير مدخلات الإنتاج والمواد البترولية والغذائية، وأعرب عن أمله أن يتم استيراد الأشياء الضرورية التي يحتاجها المواطنون، وقال من الأفضل أن يتوقف الاستيراد بغية السلع الأساسية، وناشد المسؤولين بإيقاف الاستيراد ما عدا مدخلات الإنتاج، وتابع قائلاً: الشعب وصل إلى مرحلة همه العيش الكريم، وقطع بأن هناك العديد من مجالات الاستيراد أقعدت البلاد خاصة استيراد السلع الكمالية والسيارات وغيرها.
توقف الاستيراد
المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير يفتكر أن القرار مفاجئ وقرار تم بدون ترتيبات محددة، وذكر: صحيح إيرادات الدولة يفترض أن تحصل على دفعة واحدة، ولكن هذا عرف استمر لسنوات طويلة قضية تقسيط الجمارك وهذه القضية تسهل كثير جداً من سداد الرسوم الجمركية بسهولة ويسر خاصة في ظل حالة الركود التضخمي التي تصيب الاقتصاد الوطني وعدم وجود أي نشاط اقتصادي وضعفه بصورة كبيرة، وأوضح في ظل هذه الظروف من الصعب أن تقوم الجهات المعنية بدفع رسوم الجمارك على دفعة واحدة وبالتالي هذا القرار سيصعب كثير جداً من الوضع الاقتصادي ويصعب مهمة القطاع الخاص وقد يؤدي إلى توقف الاستيراد أساساً، وتابع: هذه مشكلة كبيرة جداً، واصفاً السياسات التي تتخذ الآن لعل الدولة تنظر لحصيلة الإيرادات منها، بدوره تأسف على نتائج هذا القرار التي قال: (لن تزيد من حصيلة الإيرادات العامة للدولة بل ستؤدي لانخفاض حصيلة الإيرادات)، وعزا د. الناير عبر تصريح لـ(اليوم التالي) لأن الموازنة العامة للدولة لم تكن واقعية وغير موضوعية، وقال: سبق وأن تحدثنا عن أن الموازنة تقدر بـ3.6 ترليون بإيرادات تقدر بـ3.3 ترليون، وتابع: حينما نقيس هذه الإيرادات بالإيرادات المحققة العام الماضي 1.4 تريليون، ولفت إلى أن الزيادة كبيرة جداً في حجم الإيرادات بالتالي هناك قرارات كثيرة جداً متتالية وملاحقة بهدف زيادة الإيرادات، وواصل حديثه: لكن للأسف هذه الإيرادات لن تزيد الإيرادات العامة للدولة، بل تزيد من انخفاضها، بل وتؤثر على المستوى العام للأسعار وعلى الاقتصاد بصورة كبيرة.
ميزة إضافية
بحسب حديث الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي أن قرار تقسيط الرسوم الجمركية كان يمكن المنتجين من شراء الخامات والمستلزمات وبدء الإنتاج بشكل أسرع وبالتالي تسريع دورة التصنيع، ويعتقد أن تقسيط الرسوم الجمركية ميزة إضافية توفر سيولة للمصنعين، فأحياناً ما تكون القيمة الجمركية على ماكينات الإنتاج مرتفعة، مما يؤثر سلباً على السيولة النقدية خاصة في بداية دورة العمل على الماكينة، ويعتقد أنه مع تقسيطها يستطيع المستثمر الصناعي توفير مصروفات لجلب المواد الخام وبدء تشغيل مصنعه خلال الفترة الأولى ما يعطي للمصنع أريحية فى العمل، وقال: أصلاً الرسوم الجمركية قيمتها مرتفعة وأن ميزة التقسيط تعطي مساحة للمستورد ليتمكن من استلام المواد الخام، وبعد ذلك يمكن سداد أقساط الجمارك من عوائد الإنتاج، ويعتبر أن نظام التقسيط للرسوم الجمركية لا يقلل من تكلفة الإنتاج، ولكنه يعطي المصنع راحة في السداد ما يدعم الصناعة الوطنية التي تعاني من مشاكل عدة، وتابع قائلاً: إن تقسيط الرسوم الجمركية يسهم في توفير سيولة للمصنعين ما يسمح بإمكانية استيراد كميات مضاعفة من مستلزمات الإنتاج والآلات وزيادة عجلة الإنتاج، بحيث يمكن للمستورد شراء خامات أخرى بدلاً عن دفع المبلغ بالكامل مرة واحدة، د. هيثم دعا لتحديث ميكنة منظومة الإدارة الجمركية في السودان، لتقديم كل التسهيلات للمتعاملين وذلك لخفض تكلفة السلع والخدمات بالأسواق المحلية، من أجل تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، ومضى قائلاً: جاء جبريل بقراره هذا ودق المسمار الأخير في نعش الاقتصاد السوداني.
الآثار الإيجابية
ويرى د. هيثم عبر حديثه لـ(اليوم التالي) أنه بهذا القرار أنهى أي من الآثار الإيجابية التي كانت ستنعكس على الاقتصاد السوداني وتزيد من قدرة القطاع التجاري للإيفاء بمتطلباته ونفقاته وأعبائه المالية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السودان، وما يواجهه القطاع التجاري من أعباء مالية وضريبية متزايدة، خاصة في ظل الإضرابات الأخيرة في الموانئ السودانية التي حالت دون التخليص على العديد من البضائع والسلع المستوردة وتكدسها في الساحات الجمركية، وشدد على ضرورة إعادة الأمر لما كان عليه وإيلاؤه الأهمية القصوى لما له من أهمية بالغة في تسيير وتسهيل انسياب السلع والبضائع للسوق السوداني.
إعفاءات مطلقة
فيما يرى المحلل الاقتصادي عادل منعم أن الرسوم الجمركية بالتقسيط تجنباً للتشوهات التي تتمثل في التمويل بالعجز وهذا يضعف قوة الجنيه السوداني بجانب حدوث اختلال في الميزان التجاري وآثار التضخم، ويعتقد أن قرارات وزير المالية إيجابية مثل توحيد سعر الدولار الجمركي وغيرها مما ساهم في انخفاض نسبة التضخم من 233 إلى 125%، مشيراً إلى ضغوط تمارس على وزير المالية من قبل أصحاب العمل، وقال إن الإعفاءات الجمركية مشكلة كبيرة، بل تسببت في فاقد ضريبي، وأوضح أن 40% من الواردات معفاة من الجمارك منذ عهد بعيد، وتابع قائلاً: هذا ما أحدث تشوهات في خزينة الدولة وأفقدها تريليونات الجنيهات، وأبان أن ذلك انعكس على الناتج المحلي الذي يقدر بـ5% من إيراداته لخزينة الدولة مقارنة بالدول المجاورة الذي يمثل ناتجها المحلي 12%، وقطع بأن إلغاء الدولار الجمركي ساهم في إيرادات الدولة وأصبحت متزايدة في موازنة 2022 خاصة بعد توقف الدعم الخارجي، ويعتقد المحلل الاقتصادي عبر إفادته لـ(اليوم التالي) أن من ضمن التحوطات مراجعة الإعفاءات الجمركية، مشيراً إلى أن الدول الأخرى لا توجد فيها إعفاءات مطلقة، ولكن فقط برسوم التقسيط، وتابع: ربما تحاول وزارة المالية أن تبحث عن إيرادات حقيقية لتغطية العجز الذي يهدد موازنة العام، وأكد أن المرصود في الموازنة للتعليم والصحة 3% فقط، بيد أنه قال إن الدولة الآن في حاجة إلى دعم حقيقي لخزينتها.
الدفع كاش
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، إن وزارة المالية تعاني من تراجع كبير في الإيرادات بسبب تراجع حجم الاستيراد ووقوع عدد من المستوردين في مصاعب مالية كبيرة بسبب العجز عن تصريف السلع التي استوردوها، ويرى د. الفاتح عبر تصريح لـ(اليوم التالي) أنه لهذا قررت وزارة المالية فرض الدفع كاش بدلاً عن التقسيط، ويتعبر أن هذا القرار غير موفق لأن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المستوردون تفرض بالتأكيد التعامل بأكثر من مرونة من قبل وزارة المالية، معرباً عن أمله أن تفعل وزارة المالية إيقاف قرارات إعفاء الجمارك للنافذين سواء كانوا يتمتعون بذلك وفق اتفاقية جوبا للسلام أو غير ذلك على الأقل الى حين الخروج من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها وزارة المالية لأن السياسات يجب ألا تتجزأ أبداً – على حد تعبيره.
