*امجد فريد الطيب يكتب :* *حملة تضليل أخرى..!!*

الطرح الذي قدمه طه عثمان اسحق بالنيابة عن قوى الحرية والتغيير في تدشين فيما يبدو انه حملة اخرى من التضليل والتغبيش السياسي تبدأ بالدعوة لمنح “قادة” الجيش والدعم السريع حق الممارسة السياسية والقفز على الجرائم والانتهاكات التي تم ارتكابها، وكأنها لم تكن، باعتبار انها عرض لمرض الحرب، هو في حقيقته حملة للمحافظة على امتيازات الفساد الذي مارسه البعض خلال الفترة الانتقالية، في سعيهم لاستبدال تمكين ايدولوجي بتمكين جهوي -اشرنا له من قبل- وايضا تستند الي فيما يبدو الي تعليمات الدولة الراعية -والمستضيفة ايضا هذه الايام- في الحفاظ على الوجود السياسي لعملائها ونفوذهم على جهاز الدولة في السودان سعيا وراء المزيد من صفقات الاراضي والمواني والذهب.

الحملة تستند الي منطق فاسد بالاساس.

١- الانتهاكات التي حدثت يتم تعريفها تخصيصا بانها جرائم حرب. بمعنى انها جرائم وليست من طبيعة الحرب او حتمية الحدوث مع حدوث الحرب. وهذا يسري في كل العالم وحتى في التجارب التي مر بها السودان. قاتلت حركات الكفاح المسلح الجيش السوداني في الجنوب وفي الشرق وفي دارفور وفي كردفان والنيل الازرق. وارتكب الجيش نفس الانتهاكات التي شهدناه يمارسها منذ ١٥ ابريل، من قصف عشوائي واعتقال واحتجاز مدنيين وغيره، ولكن لم نشهد هذه الحركات تحتمي بالمستشفيات او تنهب بيوت المواطنين وتسرق وتنهب ممتلكاتهم او تختطف وتغتصب النساء او تمارس القتل الجماعي على اساس الهوية. وصلت حركة خليل ابراهيم ودخلت الي امدرمان ولم نسمع بارتكاب جنودها لحالة اغتصاب واحدة او انهم نهبوا سيارة مواطن او سرقوا ممتلكاته. ما ترتكبه المليشيا من جرائم حرب، هي جرائم تعكس الطبيعة الفاشية للمليشيا وليست مجرد اعراض جانبية. العدالة الانتقالية ليست مجرد لفظ يتم ترديده، بل تتضمن الاعتراف بالجرائم وتحديد مسئوليتها والاعتذار عليها مقابل الافلات من المحاسبة الجنائية ولكن لا يمكن السماح بالافلات من المحاسبة السياسية ومكافاة الغاصبين على جرائمهم لأن ذلك هو ما يفتح الباب امام تكرارها.

٢- هذه الحرب التي تجري في السودان اليوم ليس لها اساس تاريخي او سياسي متعلق بتركيبة الدولة السودانية كما تدعي المليشيا. هذه حرب سيئة حول مغانم انقلاب عسكري، تحدث بين شريكين في جريمة اختلفا حول توزيع مغانمها. حينها ابرز احدهما -الدعم السريع- وجهه الحقيقي كمنظومة فاشية لا تتورع عن فعل اي شي لتحقيق طموحات ورغائب مالكها. فناهيك عن الجرائم والقتل والاغتصاب والنهب وبقية الانتهاكات التي مارستها المليشيا، فان دوننا خطاب الكراهية والتمييز والعنصرية الذي لا تزال تمارسه ابواقها الاعلامية في فيديوهات التعبئة والتحشيد والتفاخر باستعراض المغانم.
محاولة صناعة اساس اجتماعي وسياسي لهذه الحرب خاطئ وخطير. اولاً لأنه يعمق جذور هذه الحرب ويصب مزيدا من الزيت على نارها. ويمنح المليشيا مبررات للتحشيد على اساس اثني وجهوي يزيد من دمار النسيج الاجتماعي في السودان، ويعقد مشاكل التعايش المشتعلة اصلا فيه. وثانيا لأنه غير حقيقي، فالمليشيا ليست اصيلة في نشأتها على اساس مظالم حاقت بمكونات اجتماعية سودانية. مليشيا قوات الدعم السريع، هي اداة عنف وقمع مصنوعة بواسطة النظام المخلوع، بدون اساس نظري ولا سياسي لها غير ممارسة واستخدام كافة ادوات العنف لتنفيذ اهدافها، سواء كانت حماية النظام كما شهدناها تفعل في سبتمبر ٢٠١٣، وفي دارفور وشمال كردفان وغيرها حتى سقوط النظام، او لخدمة الطموحات الذاتية لصاحبها محمد حمدان دقلو (حميدتي) كما شاهدناها تفعل منذ اسقاط النظام في ابريل ٢٠١٩ وحتى الحرب الحالية. وثالثا لأنه يحرم المواطنين والفئات الاجتماعية من هذه القاعدة التي تدعي قوات الدعم السريع تمثيلها من التمثيل الحقيقي لصالح مليشيا قطاع خاص، تعمل لصالح ملاكها فحسب، بينما تجرهم الي خوض حروب لا تعنينهم ولا تمثلهم في شيء.

٣- إصلاح القوات المسلحة لا يمكن ان يتم عبر ادماج فئات ذات توجهات سياسية ومطامع في قيادتها. مثل ما يتم الدعوة اليه الان عبر ادماج الدعم السريع في قيادة القوات المسلحة. بل ان هدف هذا الاصلاح يجب ان يكون ازالة كافة الكوادر المسيسة من القوات المسلحة ومن قيادتها. القوات المسلحة السودانية الجديدة والواحدة ينبغي ان تكون جسم قومي غير سياسي وبدون تأثير على مراكز اتخاذ القرار فيه من الكيانات السياسية التي ينتمي اليها الافراد الموجودون في قيادتها. الطريق الي القوات المسلحة والي قيادتها ينبغي ان يكون عبر التأهيل المهني والاداء والالتزام. وليس عبر التمكين السياسي الذي مارسه الكيزان والمؤتمر الوطني او المكافاة على الحرب الاهلية كما يرغب اصحاب هذه الدعوة في حالة قوات الدعم السريع. هذا ايتزاز سياسي بمستقبل البلاد وهو انر غير مقبول. ذلك ناهيك عن المليشيا بطبيعة تكوينها الاثني والمهني تفتقر قيادتها وعضويتها بشكل كبير كما شهدنا في هذه الحرب الي اي تأهيل مهني واخلاقي يتعلق بالعسكرية وقوانين خوض الحرب والتعامل مع المدنيين. وهو عين الذي نسعى في دعوتنا المستمرة لاصلاح القوات المسلحة والمنظومة الامنية في السودان لاعلاءه كاولوية تحكم اداءها وممارستها.
هذه الدعوة غير بريئة على الاطلاق وتهدف في حقيقتها للاستفادة من وجود ونفوذ عسكري لحلفاء محتملين داخل مراكز اتخاذ القرار العسكري، بما يمهد لتواصل الدائرة الشريرة للديمقراطيات المنقوصة والموؤودة والانقلابات العسكرية ثم الشموليات الديكتاتورية. هذه الحرب بكل ما حدث فيها ينبغي ان تكسر هذه الدائرة الشيطانية وتفتح الباب للاستقرار والحكم الرشيد في السودان. التبرير لهذه الدعوة باصلاح المنظومة العسكرية والامنية هو قميص عثمان. اصلاح المنظومة العسكرية والامنية يحدث عبر ازالة التسييس عنها وليس عبر زيادته ومحاولة التحكم في جزء منه.

الحل السياسي لانهاء الحرب في السودان واعادة اعماره يتم عبر مخاطبة الواقع والجذور التي قادت الي الحرب وليس محاولة تطويعها واستغلالها لخدمة مطامح ذاتية وسياسية وتسويق ذلك في سياق الواقعية السياسية. الواقع يشهد ان وجود المليشيا كمؤسسة في ذاته هو احد الجذور التي ادت الي هذه الحرب. واي حل لا يبدأ بانهاء الوجود المؤسسي لمليشيا قوات الدعم السريع ثم التعامل بشكل فردي مع جنودها كمواطنين حاملين للسلاح سواء عبر التأهيل والدمج او اعادة التأهيل او التسريح، ليس سوى مجرد تأجيل لاندلاع نزاع مسلح اخر في السودان. اصلاح القوات المسلحة والمنظومة الامنية والعسكرية في السودان هو ركن اساسي في اي حل لايقاف هذه الحرب ومنع تجددها، وهو احد مطالب ثورة ديسمبر الممهورة بدماء شهداءها وهو مهمة قومية مثلها مثل اصلاح النظام الاقتصادي والصحي في البلاد وينبغي ان يتم على اسس علمية ومهنية بعيدة من التأثير السياسي وبعيدا عن الانحيازات الجهوية والاثنية اذا ما كنا جادين بشأنه، وهو الامر الذي ينبغي ان يبدأ بتحديد واقالة الاسلاميين الموجودين داخل مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش بدلا من مجرد تكرار الحديث وترديده عن سيطرة الاسلاميين عليه. وهذا واجب يتطلب جهدا من القوى السياسية الوطنية (to do its homework) بدلا عن كسل ترديد شعارات التحشيد التي تستخدمها المليشيا في تغبيش الرأي العام. الامر الاخير والمهم ايراده، انه مهما كانت الحلقة الاخيرة في مسلسل البحث عن حل لايقاف الحرب في السودان، فانها ينبغي ان لا تتضمن وبصرامة، مكافاة اولئك الذين تسببوا فيها وشاركوا في صناعتها. قادة الجيش والدعم السريع مسائلون على حد السواء وكل بحسب ما ارتكب فيما تسببوا فيه من اندلاع الحرب في السودان. محاولة مغازلتهم بامكانية استمرارهم في الحياة السياسية بشكل طبيعي بعد انتهاء هذه الحرب هو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
حفظ الله السودان وشعب السودان

امجد فريد الطيب


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب