بسبب قضية (تاركو).. (النيابة) في قفص الاتهام

نبيل أديب : منح النيابة سلطة الاعتقال خرق للعدالة
كمال عمر : النيابات الخاصة غير محايدة وأقرب للسلطة التنفيذية
معز حضرة : ضعف وكلاء النيابة يقود إلى الفساد كثرة الشكاوى
الخرطوم: فاطمة مبارك
تزايدت هذه الأيام الأصوات المنتقدة لأداء النيابة العامة، بعد الاتهامات التي أصبحت تطلق من مختصين في المهنة، حول بطء الإجراءات وتطاول أمد الاستئنافات والتداخل الذي أصبح يحدث بين الإجراءات القانونية والانتماءات السياسية في العمل النيابي، الأمر الذي جعلها غير مستقلة وفقاً لهؤلاء، إضافة إلى شبهة الفساد التي ظلت تلاحق بعض منسوبيها.
وفي هذا الإطار كان قد كشف مؤخراً أحد وكلاء النيابة، عن طلب عضو بلجنة التحقيق في قضية شركة تاركو للطيران، مبلغ (مليون دولار) لقتل ملف القضية إلى الأبد، وفقاً لما أوردته صحيفة الجريدة.
عدم استقلالية:
انتقاد النيابة واتهامها بعدم الاستقلالية وخضوع أدائها لتأثير الاتجاهات السياسية، إضافة إلى الاتهام بوجود شبهة فساد، لم يكن بالأمر الجديد، فخلال حقبة نظام المعزول عمر البشير، سبق أن أطلق قاضي محكمة الاستئناف الأسبق وكيل وزارة العدل الأسبق عبد الدائم زمراوي؛ في وقت باكر تحذيراته في مقال جاء آنذاك تحت عنوان (النيابة العامة.. لايستقيم الظل والعود أعوج) روى فيه تجربته الشخصية، ولفت إلى أنه توصل خلالها إلى ضرورة استقلالية النيابة العامة وفصلها عن وزارة العدل والعمل التنفيذي وتقصير فترة الاستئنافات، لأن هناك سوء استغلال للدرجات الاستئنافية المتعددة من قبل المتقاضين، وتوصل إلى ضرورة خروج (الوزير والوكيل) من العمل الجنائي لأنهما غير محايدين، لارتباطهما بعلاقات مع الجهاز التنفيذي.
رقابة القضاء ضرورة :
رغم مرور سنوات عديدة على ماكتبه الوكيل الأسبق زمراوي عن الاعوجاج في عمل النيابة، لكن يبدو أن هذه الإشكالات التي تتمثل في عدم حيادية النيابة وارتباطها بالعمل التنفيذى الذي قد ينتقص من مسألة تحقيق العدالة؛ وتأثرها بتوجهات المسؤولين؛ وشبهة الفساد؛ ومسألة تطويل الاستئنافات، لازالت موجودة في عمل النيابة، والدليل على ذلك أن نفس المطالب والاتهامات القديمة، عادت لتطرح من جديد وأصبح هناك تطابق في وجهات النظر وإجماع من كل المختصين بضرورة استقلالية النيابة وخضوع قراراتها لسلطة القضاة.
بدوره طالب أحد وكلاء النيابة الذين هاتفتهم (اليوم التالي)، بخضوع النيابة الى الرقابة القضائية وخضوع قراراتها للطعون أمام المحاكم، ونوه لعدم حيادية النائب العام لأنه لايقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، رغم أنه نائب عام عن الشعب، وشدد محدثي على ضرورة رقابة القضاء على النائب العام، كما أوصى بإخضاع الفكرة للدراسة لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وخلص إلى طرح جملة من الأسئلة من شاكلة هل النائب العام محايد في إدارة أية نزاع، هل قراراته قابلة للطعن أمام المحاكم، وهل إجراء المزيد من التحري يعتبر مماطلة و تسويفاً؟
لجنة التفكيك اخترقت:
في الشأن ذاته يقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان معز حضرة ل(اليوم التالي): بعد تقديم مولانا تاج السر لاستقالته من النيابة والمحاولات العديدة التي جرت لإصلاحها، وقعت النيابة في يد فلول النظام السابق، وعاب حضرة على حكومة الفترة الانتقالية عدم مساعدتها لتاج السر ووقوفها ضده، ومساندة المجموعة المساهمة الآن في هذه الجرائم والانتهاكات التي تنتمي للنظام السابق، وكشف عن حدوث اختراق لمجموعة مصغرة في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م، من قبل الذين يقودون النيابة الآن، ووفقاً لإفادات معز؛ أنهم مثلوا للجنة أنهم يمثلون الثورة وجزءاً من الدولة، وقال: كنا نعلم أنهم اسلامويون ينتمون للنظام السابق، و الآن يقودون النيابة العامة ويديرونها وفق أهوائهم، ويسيطرون عليها بالكامل. ولفت معز إلى أن ضعفها ظهر لهم كمحامين في الانتهاكات التي طالت المعتقلين في المظاهرات السلمية، وأكد أن النيابة لاتستطيع إصدار أوامر بإطلاق سراحهم إلا بالرجوع للأجهزة الأمنية والعسكرية، وعندما تصدر أوامر بإطلاق سراحهم وترفض الشرطة أن لا تتدخل النيابة لإنفاذ قراراتها، وهذا يشير للضعف الشديد، ونتيجة لهذا الضعف يمكن أن يكون هناك فساد وشكاوى عديدة.
وأضاف : قضية شركة تاركو الأخيرة خير دليل، وأفاد بأن الشركة اتهمت عضو لجنة التحقيق بالفساد، ووكيل نيابة كان يمارس عمله، بدلاً عن إبعاده أصر النائب العام أن يأتي به في لجنة تحقيق في نفس البلاغ، وعادة عندما يتهم وكيل نيابة أو قاضٍ، بتهمة ولاء أو مصلحة أو فساد من باب أولى أن يتقدم باستقالته بنفسه أو الابتعاد عن البلاغ، لكن إصرار بقاء مجموعة معينة في بلاغ معين هذا هو عين الفساد، وارجع سبب وجود شبهة الفساد لعدم استقلال النيابة وتحريكها من قبل العسكر كما يشاءون، وأشار إلى أن قضايا عديدة وئدت، ومعلومات عن بلاغات الشهداء جمدت والبلاغات ضد قوات الدعم السريع جمدت، وبلاغات فساد جمدت أو شطبت، والسبب لأن النيابة في يد العسكر، والنظام السابق لايمكن أن يحاكم منسوبيه وهم من يعينون النائب العام ومن يفصلونه ويوجهونه . وجزم بأن النيابة ضعيفة لايرجى منها و لاتحتاج فقط لإصلاح وإنما لإعادة بناء من الصفر..
عثرات في القانون:
إلا أن رئيس لجنة التحقيق في اعتصام القيادة العامة، المحامي المعروف نبيل أديب يرى أن النيابة ليس لديها أعداد كافية من العاملين والأجهزة المطلوبة لتأدية دورها، ولفت في حديثه لليوم التالي إلى عدم وجود وكلاء نيابة في بعض مناطق السودان، ووصف هذا الوضع بالمخل، وأضاف : حتى في العاصمة هناك كثير من الجرائم لايظهر فيها وكلاء النيابة ويتركونها للحق الخاص.
نبيل أفاد بوجود عثرات في قانون الإجراءات الجنائية وقال ل(اليوم التالي) الناس يعتبرون النيابة مسؤولة عن أخطاء القانون، وهذا كلام عواطف، وكيل النيابة لازم يجد بينة، لأن القاضي لايدين إلا ببينة تثبت الجرم،
وقال القانون السوداني يقول إذا وجدت بينة تحول القضية للمحكمة وهذا خطأ، ففي كل العالم لايتم الاعتقال، إلا إذا أتت البينة بالإدانة.
ورجح نبيل أديب أن يكون التأخير الذي يحدث ناتجاً عن الرغبة في التجويد حتى تكون هناك تهمة مؤسسة وبينة كافية للإدانة، بيد أنه شدد على ضرورة أن يكون الاعتقال في يد القاضي، وأن يصدر أمر القبض منه.
وانتقد الوضع الحالي الذي يتيح للنيابة الاعتقال والطلب من القاضي تمديد الفترة، دون أن تسمح للمتهم بمقابلة القاضي، واعتبر هذا خرقاً للعدالة،
وكشف أديب عن مطالبته بالالتزام الدستوري المنصوص عليه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي يدعو إلى تقديم الشخص المقبوض عليه للقاضي بأسرع فرصة، وقال : لهذا السبب أرى أن من واجب النيابة، أخذ الشخص المعتقل للقاضي بأسرع فرصة، وأن يكون مهيمناً على المسألة، وليس لأن وكيل النيابة فاسد، لكن لأنه خصم للمتهم، وبالتالي هو غير محايد وهذا ماقالت به المحاكم الدولية والإقليمية.
ودعا نبيل – في خواتيم حديثه – لاستقلالية النيابة وتوفير الضمانات الأساسية لها، وأكد أن في كثير من الدول لايجوز عزل النائب العام من قبل السلطة التنفيذية ولايجوز عزل وكلاء النيابة وإنما يجوز فصلهم بإجراءات قضائية أو بإجراء عزل يقدم طلبه للبرلمان، وطالب الجمهور باحترام الأجهزة العدلية.
وحول الاتهامات بشبهة الفساد في عمل النيابة، أبدى امتناعه عن الخوض في الاتهامات غير المؤسسة. وقال : كان هناك شخص متهم يقدم للمحكمة.
التعيين أضعف النيابة:

المحامي والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر، أوضح ، أن سلطة التحري كانت عند الشرطة، وفي الثمانينات تحولت سلطة التحري والإشراف عليه للنيابة، وقال: إن هذه التجربة نشأت مؤخراً في القانون الجنائي، وكانت النيابة جزءاً من وزارة العدل و في هذا التاريخ خضعت للسلطة التنفيذية، كمال أكد أنهم استطاعوا نزع النيابة من سلطة المؤتمر الوطني، عندما كانوا في البرلمان و تأسيس نيابة مستقلة دستورياً، عن وزارة العدل والسلطة التنفيذية، وأشار إلى أن النائب العام سلطة اتهام دستوري غير تابع للسلطة التنفيذية يتم ترشيحه بواسطة مجلس النيابة، وانتقد كمال عدم تكوين مجلس النيابة بعد الثورة، الأمر الذي أخضع تعيين النائب العام لسلطة ثنائية، مكونة من قوى الحرية والتغيير ومجلس السيادة حسب الوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩م التي كانت سائدة، واتهم عمر الاثنين بتعمدهما عدم تكوين مجلس النيابة، وأبدى امتعاضه من تجربة التعيين التي أضعفت النيابة والنائب العام كما ذكر ، وبحسب كمال؛ أن النيابات الخاصة أصبحت غير محايدة و أقرب للسلطة التنفيذية. وقال : سمعنا بنيابة التمكين والنيابات التي يتم تكوينها بواسطة النائب العام الذي تم اختياره سياسياً، ومنذ عهد المؤتمر الوطني كان هناك نيابة أمن الدولة تخضع لجهاز الأمن والنيابات الخاصة، مثل نيابة الصحافة والمعلومات، وكانت تخضع للسلطة التنفيذية، ونبه الى أن الوضع بعد الثورة لم يعدل، وتم اتباع نفس المنهج القديم في تعيين النائب العام، و النائب العام في قانون الإجراءات الجنائية من حقه أن يكوِّن النيابات الخاصة، ووفقاً لعمر؛ النيابة لم تتعاف قانونياً ودستورياً، ونتح عن ذلك بطء في الإجراءات والإخفاقات والتردد، لأنها لم تستقل بالكامل.