رجال حول (بائعات الشاي)

مشرف اجتماعي: الرجال يجدون في (بائعات الشاي) الأخت المفقودة والأم المشغولة
اختصاصي طب نفسي: الجلوس حول بائعات الشاي ظاهرة سلوكية اجتماعية تحتاج لدراسة
اقتصادي: الضغوطات على رب الأسرة تجعله يختار البعد عن المنزل
تحقيق: فايزة أباهولو
أصبحت ظاهرة الجلوس حول بائعات الشاي في الولايات عامة والخرطوم خاصة من مختلف فئات المجتمع رجال أعمال وطلاب وموظفين في شكل حلقات بمثابة ثقافة لدى المجتمع السوداني، واعتبرها البعض ترفيهاً وتنفساً لما يواجهه الفرد من ضغوطات، ورغم استنكار الجلوس الطويل حتى منتصف الليل أمام بائعات الشاي إلا أن تلك الظاهرة ومن الملاحظ أصبحن الفتيات ينافسن الشباب في ذلك بالجلوس رغم أن البعض اعتبرها ملاذاً يتفاكرون فيه ومكان (ونسة).. (اليوم التالي) ناقشت الظاهرة التي أقلقت مضاجع كثير من الأسر وصارت تسبب مشاكل بين الأزواج لوجودهم لفترات طويلة خارج المنزل، فيرى البعض أن العطالة وعدم تحقيق الأهداف والهروب من الضائقة المعيشية هو ما قاد الشباب اليىالجلوس عند (ستات الشاي) لساعات طويلة.
جذب الزبون
الأستاذ نجلاء الجيلاني مشرف اجتماعي قالت لـ(اليوم التالي) إن (ستات الشاي) لهن ظروف أجبرتهن على مزاولة المهنة ويحاولن أن يحافظن على الزبائن باتخاذ نظام معين في حياتهن وأن تسلك سلوكاً يجذب الزبون حتى تحصل على المال وتحقق أهدافها التي خرجت من أجلها .
وقالت نجلاء إن الشباب سواء متزوجين أو غير ذلك أصبحوا يجدون الملاذ في الجلوس حول (ستات الشاي) لفترات طويلة ويعد الجو لطيفاً بالنسبة لهم لأن الجلوس يكون في الهواء الطلق عكس الأماكن المغلقة مثل الكافتريات، التي يحس الإنسان في أغلب الأحيان فيها بالاختناق، فالكل يجد نفسه متجهاً الى الفضاء الخارجي حيث لا قيود.
بداية إدمان
وأشارت نجلاء الى أن (ست الشاي) توفر لهم الهدوء والاستماع لهم دون ملل أو كلل وفي بعض الأحيان تعمل على حل بعض العقبات لهم فيجد نفسه متنفساً معها وأحياناً تواسي بعضهم فيجدون فيها الأخت المفقودة والأم المشغولة، الا أنها نوهت الى أن الجلوس في أماكن الشاي يكون أحياناً لبعض الشباب بداية إدمان الحبوب المخدرة وغيرها من أنواع المخدرات ويكون ضحية الظروف التي قذفت به الى عالم ربما لم يكن هدفاً للوصول إليه.
عقد صفقات
وأضافت نجلاء: لم يكن الجلوس حول (ستات الشاي) من فئات العطالى فقط فحول (ست الشاي) تجد من لهم وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أدمنوا تلك الجلسة، ويوجد بعض من الذين يجلسون أمام (ستات الشاي) لعقد صفقات وحل بعض مشاكل الأصدقاء وأحياناً تتم زيجات في تلك الجلسات وتسمى عند البعض جلسات إجرائية .
غياب الوعي
وأرجعت نجلاء الجلوس حول (ستات الشاي) بسبب وضع المنازل التي قالت أصبحت “طاردة وسعتها ضيقة” وغاب مصطلح الأسرة وكانت التربية تعتمد في المقام الأول على الاهتمام والتمسك بكيان الأسرة التي تقدم على المصالح الشخصية وأن الأم هي المحيط الذي يلم شمل الأسرة وتحافظ عليه وأحياناً تقوم بأشياء فوق طاقتها، أما اليوم فأصبحت الأنانية مسيطرة على الموقف وأصبحت المنازل (هشة) ففي أبسط نقاش يمكن الأم تترك الأطفال وزوجها وتفكر في نفسها وأن لا تضيع شبابها في التمسك بشخص غلط ولو غلطة يمكن تمريرها أو معالجتها، فتقوم الدنيا على الزوج فيذهب الى (ست الشاي) ويجد الصدر الحنون والجو المريح.
ملء الفراغ العاطفي
وأوضحت نجلاء أن بعض الشباب في سن المراهقة يجدون حلو الكلام عند (ست الشاي) فيعتاد عليه ويسلك بذلك سلوكاً غير مرغوب فيه فأصبح كثيراً ما نسمع بأن شاباً في مقتبل العمر تزوج من (ست شاي) تكبره سناً ولديها أطفالها لا لشيء إلا لأنها ملأت فراغه العاطفي، وقالت: يوجد كثير من البنات يلتفون حول ست الشاي مع شباب ويضيعون وقتاً هم أحوج له ويسلكون دروباً ملتوية مع (ست الشاي) ليس ظلماً لـ(ستات الشاي)، ولكن الشر يعم والخير يخص.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
وذكرت نجلاء أن الجلوس حول ستات الشاي يحتاج الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حطام الأسر السودانية والعودة الى دفء العائلة ومصادقة الآباء لأبنائهم وبناتهم ورجوع الزوجة إلى وضعها الطبيعي في محاولة إرضاء زوجها والاهتمام به وحل المشاكل معاً ومواجهة قسوة الحياة بالكلمة الطيبة والمودة والرحمة.

ظاهرة تحتاج لضبط
وطالبت نجلاء الجهات المسؤولة بضبط الجو العام لـ(ست الشاي) ووضع لوائح ونظام لأنها ظاهرة لا يمكن أن تختفي بسهولة، موضحة أن للمدرسة دور في تقليل ظاهرة الجلوس حول ستات الشاي وهي الربط بين الأسرة والمدرسة، ومحاولة معالجة المشاكل مع الطلاب، وملء الفراغ الثقافي بالاطلاع الهادف ومحاولة توجيه السلوك الإسلامي وغرس القيم السمحة والعادات الجميلة في نفوس الأجيال من سن مبكرة والأهم من ذلك توضيح أهمية الفرد لنفسه وأنه عضو مهم في المجتمع يجب أن يهتم بنفسه وصحته ليكن محباً محترماً لنفسه في المقام الأول مفيداً لمجتمعه.
ولفتت نجلاء الى أن دور وزارة الثقافه في فتح الأنديه الثقافية والرياضية في الإجازات حتى لا يكون هناك فراغ وجلوس الكثيرين حول (ستات الشاي) .
تكاليف المعيشة
وفي السياق ذاته قال الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ(اليوم التالي) إن كثيراً من أولياء الأمور الذين يصعب عليهم تكاليف المعيشة يلجأون الى أماكن البعد عن المنزل والابتعاد عن المطالب المتكررة من الزوجة والأبناء فيجلسون حول (ستات الشاي) مؤكداً أنه لم يكن الدافع الاقتصادي وحده من يجعل الشخص يمكث وقتاً طويلاً خارج المنزل هناك أسباب كثيرة ولكن الاقتصادي هو السبب الرئيس.
وقال الناير: ليس الجلوس حول (ستات الشاي) فقط بسبب الوضع الاقتصادي، أيضاً توجد بعض الظواهر لها ارتباط بالاقتصاد منها ارتفاع حالات الطلاق لعدم قدرة الكثيرين من أولياء الأمور للقيام بالالتزامات الخاصة بالمسكن والملبس والتعليم والصحة بسبب تدني الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
ضغوطات أسرية
وقال الناير إن الدولة رفعت يديها بالكامل وجعلت المواطن يواجه مصيره ويواجه تكاليف المعيشة في ظل اقتصاد حر لا يراعي للشرائح الضعيفة، وأصبح معدل الفقر فوق الـ(60%) ومعدل البطالة (40%) وارتفاع معدل التضخم في ظل عدم وجود وسائل حماية اجتماعية كافية لشرائح كبيرة من المجتمع أصبحت تؤثر الضغوطات على رب الأسرة فيختار أماكن البعد عن المنزل والابتعاد عن المطالب.
ترفيه الشعب
ومن جانبه قالت ابتسام محمود د. الطب النفسي ظاهرة الجلوس حول (ستات الشاي) انعكست على العمل وليس المنزل فقط وأصبح أثناء الدوام للعمل يوجد الموظفون حول ستات الشاي .
وقالت د. ابتسام: الشعب السوداني لا يعرف ثقافة الترفيه ولم يجعله جزءاً من حياته وهي تعتبر ثقافات جديدة لم يتم التعود عليها وإن سافر الى خارج البلد يمكث أكثر وقته أمام التلفاز.
عدم تخطيط
ولفتت ابتسام الى أن جلوس الشباب سابقاً كان تحت (العمود) أو فوق اللستك أمام ميدان الحي ومنازلهم، ولكن الآن أصبح الجلوس حول ستات الشاي للونسة، وذلك السلوك التلقائي ليس لديه تخطيط أو هدف ويرجع إلى عدم إدارة قدراتنا لحياتنا .
ظاهرة تحتاج دراسة
وقالت إن الجلسات حول ستات الشاي لها آثار سلبية على الحياة الزوجية والأخلاقية والمجتمع بصورة عامة وهي ظاهرة سلوكية اجتماعية تحتاج الى دراسة وعلى مؤسسات تنشئة العمل دراسة لمعرفة أسباب الذين يجلسون مع ستات الشاي وما هي دوافعهم وأهدافهم وتتم معالجتها حتى يكون الشعب السوداني أكثر استقراراً.
ظواهر متنوعة
وفي ذات السياق قال الخبير التربوي أستاذ الهادي السيد عثمان إن المواطن السوداني أصبح في زمان كثرت فيه الكثير من المسائل والمشاكل والظواهر المتنوعة فقد ابتلي صغارنا بوسائل التواصل فتراهم فرادى وجماعات يقلبونها كيفما يشاءون بما تحمله من فضائل ورذائل حتى تدنى مستواهم التعليمي والتربوي وصار أغلبهم لا يعرفون الكتابة ولا القراءة ولا يحترم الكثير منهم حتى والديه ولا معرفة لهم حتى بما يدور من حولهم فى بيوتهم وقد انشغل الآباء والأمهات بشؤون معيشتهم وما أصابهم من شظف وضيق وسوء حال عم كل البلاد بما يجري من خلافات ساسة وسياسة أطاحت باقتصاد البلاد كلها فكثر الفقر وعمت الفوضى وتنوعت الجريمة وعاش الكثيرون في قلق وأرق وعدم استقرار وأمان لحياتهم فكل هذا وغيره قد أدى إلى الكثير من المشاكل حتى ساق البعض إلى اختلافات في بيوتهم فتعدد الطلاق وتشتتت الكثير من الأسر وامتلأت الشوارع بالأطفال المهملين وخرج البعض يبحث عن متنفس سواء الشباب بسبب عدم ما يستطيعون به للزواج الذي استعصى بما تتبعه من تقاليد قديمة مكلفة.
مغلوب على أمرهم
وقال: بعض الأزواج يجلسون أمام ستات الشاي بسبب الكآبة والرتابة التي يعيشونها بالفقر أو المشاكل الأسرية فخرجوا لما يوافق أمزجتهم سواء إلى البحر أو الحدائق العامة أو إلى أماكن الملاهي أو المخدرات والخمور، وقد تجد البعض هائماً على وجهه بلا هدف ينشده وما أكثر وجودهم عند ستات (الشاي والقهوة)، ولكن ليسهم كلهم بما قلناه أو وصفناه فبعضهم يعيش عازباً فلا بد لهم من (ستات الشاي) فهم مضطرون لذلك وبعضهم لا زمن لهم بالبيت بحكم عملهم وبعضهم يتناول كوبه أو فنجانه وهو عابر فهؤلاء كلهم بعذرهم، وأضاف الهادي: يوجد أشخاص يجلسون أمام ستات الشاي لفترات طويلة ويتركون لها بيوتهم وهي في أمس الحاجة لوجودهم بها مع أزواجهم وأبنائهم أو أهاليهم فهؤلاء لا صفة لهم غير أنهم مبتلون أو أنهم مغلوبون على أمرهم، موضحاً أن من يجلسون لفترات طويلة أمام ستات الشاي يحتاجون الى من يناصححهم ويردهم الى صوابهم، فالزوجة لها دور في إصلاح زوجها وجذبه ليكون ببيتها والإخوان لهم دورهم لهداية والأبناء والأصدقاء فكلهم لهم الدور لمناصحته والإعلام يقع على عاتقه الدور الكبير والمسؤولية في إصلاح المجتمع سواء لهذه أو لغيرها من المشاكل الاجتماعية .
الضغوط الاجتماعية
ويرى الشاب وائل محمد عبدالرحيم ظاهرة الجلوس حول (ستات الشاي) وانتشارها هي ظاهرة طبيعية جداً نسبة للظروف المحيطة والضغوطات النفسية والاجتماعية والمادية المثقل بها الشباب في فترات مبكرة المفروض هي تكون أفضل فترات الحياة، موضحاً أن ظاهرة ستات الشاي هي المساحة الوحيدة المتوفرة لالتقاء الشباب ببعضهم وبعدهم من ضغوطات الحياة والعبء الأسري، مشيراً الى عدم وجود مراكز ترفيهية ومراكز تدريبية ليقضي فيها الشباب أوقاته، وكذلك الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد له الأثر الأكبر وعلى أثر ذلك كثرة البطالة بين الشباب وأصبحت محلات القهاوي ملجأً لهم للهروب من الواقع المحيط .
غياب المراكز الثقافية
وذكر وائل غياب دور الدولة التام في مجال التنمية المجتمعية واهتمامها بتوفير مراكز ثقافية وترفيهية لاحتوائهم والاستفادة من الطاقة الشبابية الجبارة في ما هو مهم لتنمية مهاراتهم وقدراتهم العلمية والاجتماعية وإنشاء أجيال تعي دورها المجتمعي في ما يخدم بلادها لوضع أفضل للأجيال القادمة، وكذلك الأوضاع الاسرية أيضاً لها أثر كبير فبعض الشباب يجد نفسه مثقلاً بمتطلبات الأسرة اللامتناهية من توفير المواد العينية من مأكل وملبس ومتطلبات الحياة الأخرى فيما لا يتماشى مع دخله المحدود فيجد في محلات القهاوي ملجأً له لترويح عن نفسه من الضغوطات اليومية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب