الإعلان الدستوري للمحامين.. قبول ورفض  

 

تقرير: الخواض عبدالفضيل

يعيش السودان حالة من الفراغ الدستوري، منذ الـ(25) من أكتوبر العام الماضي بعد أن عطل قائد الجيش بنوداً في الوثيقة الدستورية المسيرة للحكومة الانتقالية، وفي ظل انسداد الأفق السياسي والفراغ الدستوري طرحت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين إعلاناً دستورياً كمبادرة منها للمساعدة في فك الاختناق بشقيه ـ السياسي والدستوري، لكن يبدو أن هذه المبادرة لن تجد نصيبها من التوافق أيضاً، ويرى مراقبون أن هنالك مواد داخل الإعلان الدستوري خصصت لقوى معينة في أن تختار هياكل الحكم في الفترة الانتقالية مما زاد الوضع تعقيداً مشيرين إلى أن هذه المبادرة مفصلة لقوى بعينها دون الآخرين، ليبقى الرفض سيد الموقف فإلى متى سيدور السودان داخل الحلقة “الشريرة”؟

 

أرضية “دستور انتقالي”

مجلس السيادة السوداني دعا جميع الأطراف إلى الانخراط بشكل عاجل في حوار شامل، على أرضية اقتراح دستور مؤقت أعدته نقابة المحامين وحظي بترحيب غربي.

بدوره رحب نائب رئيس مجلس السيادة في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بمشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين.

وأعرب حميدتي عن أمله في أن يكون مشروع الدستور نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف كافة للوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة.

وكانت لجنة تسيير نقابة المحامين، أعلنت السبت الماضي عزمها طرح مشروع الدستور الانتقالي، الذي أعدته على القوى السياسية والمدنية للتشاور حوله، بعد أن سلمت نسخة منه إلى الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد.

وتوصلت لجنة تسيير نقابة المحامين إلى مشروع الدستور الانتقالي من خلال توصيات ورشة عمل نظمتها في أغسطس الماضي، بمشاركة سياسية ودولية واسعة.

ورحبت 9 سفارات غربية في الخرطوم، بالمبادئ التي تضمنها مشروع الدستور الانتقالي، الذي يهدف إلى تكوين حكومة مدنية.

ومن المقرر أن تعقد لجنة تسيير  نقابة المحامين لقاءات مكثفة مع القوى السياسية والاجتماعية تشمل القوى الثورية والحزب الشيوعي للتشاور لوضع ملاحظاتهم حول مشروع الدستور، بعين الاعتبار.

ويشهد السودان منذ نحو عام مظاهرات احتجاجية بعد أن فض المكون العسكري الشراكة مع المكون المدني في إجراء اعتبره قائد الجيش عبدالفتاح البرهان تصحيحاً لمسار الثورة في البلاد، ومنذ ذلك الحين تعثرت الجهود الدولية والإقليمية لإعادة بناء التوافق في البلد الأفريقي، وسط أزمة اقتصادية متنامية.

تحديات وعقبات

ويرى المحلل السياسي د. محمد محي الدين، في حديثة لـ(اليوم التالي) أن مبادرة لجنة تسير نقابة المحامين تواجهها أكثر من مشكلة حسب المعطيات المتوفرة، وأول هذه المعطيات أن النقابة ليس حولها إجماع، مشيراً إلا أن هنالك حديث كثير عن شرعيتها ما يخلق إشكالاً، واستطرد بالقول: “الأمر الثاني يمكن أن يتم التعامل مع الوثيقة الدستورية باعتبار أنها تأتي لتحقيق رغبة جهة محددة من أطراف الصراع وأن ذلك ابتثار للقضية”.

وأشار محي الدين إلى أن الأزمة السودانية سياسية وليست أزمة دستورية بمعنى أن هنالك خلافات تحتاج إلى توافق وهذا التوافق تعبر عنه وثيقة دستورية أو دستور أو إعلان دستوري، ويمضي محي الدين بالقول: “إذا لم يحصل توافق سياسي لن يكون هنالك توافق على الوثيقة الدستورية وكأن وضعت العربة أمام الحصان” وتابع: لا بد من توافق سياسي شامل يؤطر للإعلان السياسي في إطار دستوري وأضاف: الجميع يريد التحدث مؤكداً أن هنالك نقطتين أساسيتين شرعية لجنة التسيير منقوصة وحتى الآن لا يوجد توافق بالإضافة إلى أن لجنة المحامين التسييرية ينظر لها على أساس أنها واجهة من واجهات قوى الحرية والتغيير، جازماً بأن هذا يحول الخلاف ما بين الحرية والتغيير وبقية القوى السياسية ويضعها أمام الأطروحة التي تقدمت بها لجنة نقابات المحامين التسييرية، لذلك لن يتم قبولها، كما أن هنالك بعض المؤشرات التي تجعل هذا الإعلان الدستوري غير مقبول خاصة أن هذه المؤشرات تقول هنالك قوى خارجية ساعدت في صياغة هذا الإعلان المقدم من لجنة المحامين وتابع: هذا يزيد من حالة التباعد بينه وبين مبادرات أخرى مطروحة في الساحة السياسية لذلك في اعتقادي أن هذه المبادرة لن تجد حظها من القبول ويصعب تسويقها لدى القوى السياسية الأخرى، وزاد: “أكرر الأمر يحتاج إلى توافق سياسي، ثم صياغة دستور بمشاركة الجميع حيث لا يمكن تصور هذا المشهد المتشظي الذي به أربع كتل كبيرة أن تقبل الكتل الثلاث الأخرى لتباين المواقف بين أطراف العملية السياسية”، ونوه إلى أنه داخل المبادرة الدستورية المقدمة من لجنة المحامين مواد بدء القدح فيها قبل أن تعلن خاصة التي تتحدث عن القضاء أو إعطاء مجموعة صلاحيات خاصة الحرية والتغيير بأن تختار هياكل الحكم وغيرها من الأدوات التفصيلية المتصلة بهذا الإعلان الدستوري، لذلك هنالك عوامل كثيرة تجعل من الصعب تصور أي قبول لهذه الأطروحة في الفترة القادمة من قبل القوى السياسية الأخرى.

فيما أشارت الآلية الثلاثية إلى أنّ السودان يواجه أزمات أمنية اقتصادية وإنسانية بعد اقتراب الذكرى السنوية لاستيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر الماضي، مشددة على “ضرورة مشاركة جميع الأطراف السودانية بما في ذلك الجيش السوداني بشكل بنّاء، في عملية سياسية لاستعادة الانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية”.

مبادرة منقوصة

من جانبه قال القيادي بالحرية والتغيير التوافق الوطني السنوسي محمد كوكو لـ(اليوم التالي) إن مبادرة الإعلان الدستوري المقدمة من قبل لجنة التسيير الخاصة بالمحامين في الأصل هي مبادرة المجلس المركزي للحرية والتغيير والحزب الشيوعي تحت غطاء اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، فيما يرى أن المبادرة أيضاً لا تحمل جديداً يذكر، وتابع: “أي مبادرة لا تستصحب معها اتفاق جوبا للسلام والقوى السياسية الأخرى منقوصة تماماً”، وزاد: لكن لا بد من وضعها من ضمن المبادرات المطروحة على الساحة، بالإضافة لا بد من وجود آلية وطنية تجمع كل المبادرات المطروحة على الساحة لتخرج بمبادرة واحدة يجتمع عليها جميع المكونات السياسية السودانية في مائدة مستديرة دون إقصاء لأحد ما عدا المؤتمر الوطني للخروج باتفاق وطني سياسي يخرج بهذا الوطن من حالة الانسداد السياسي وحالة اللادولة التي يعيشها السودان الآن.

 

حجر أساس

فيما قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد علي في حديثه لـ(اليوم التالي) إن مبادرة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين تقرأ في سياق الأدوار التي يمكن أن يقوم بها المجتمع المدني في دعم الانتقال الديمقراطي في السودان من خلال المشاركة في صنع الدستور الانتقالي من خلال الورش واللقاءات المختلفة، وتابع: أيضاً مطلوب من اللجنة إشراك كل القوى السياسية لتحقيق توافق يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان بالذات فيما يتعلق بالإعلان السياسي لأن مشروع الدستور يمكن أن يواجه انتقادات من قوى سياسية، وزاد: “يمكن القول إن ما قامت به اللجنة التسييرية يمكن أن يشكل حجر أساس في إعادة تعريف المجتمع المدني السوداني والأدوار التي يمكن أن يؤديها”.

وبعد جمود شهدته الساحة السياسية أشعلت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، الساحة بعد أن أعلنت طرحها مشروعاً للدستور الانتقالي ينصّ على تشكيل حكومة مدنية ومجلس سيادة مدني وهياكل أخرى للسلطة الانتقالية، دون مشاركة العسكر، وتشكيل مجلس للأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء. وسلّمت اللجنة نسخة من الدستور إلى الوسطاء الدوليين.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب