ثورة التعليم.. شريان الحياة وبوابة تطور الاقتصاد الكبرى

الخرطوم: أمين محمد الأمين
طالب أكاديميون ومهتمون بالشأن الاقتصادي المنظمات الأجنبية بالعمل في معالجة مشكلة التسرب من المدارس، وقالوا إن أي فجوة في التعليم سيكون لها أثر سلبي على الأسرة والمجتمع ككل، موضحين أن التعليم واحد من القضايا التي ترتبط بالتنمية ارتباطاً وثيقاً.

تحذير منظمات
ونقلت مصادر صحافية أن منظمات إغاثية حذرت من أن حوالي (7) ملايين طفل أو ما يعادل ثلث الأطفال في السودان لم يلتحقوا بالمدارس ويحصلوا على فرصتهم في التعليم، ما يهدد بـ”كارثة جيلية”، وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في بيان مشترك مع منظمة رعاية الطفولة إن “واحد من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة، لا يذهبون إلى المدرسة في السودان”، وأوضح أن دراسة 12 مليون طفل آخرين “ستتقطع بشكل كبير بسبب نقص المعلمين ووضع البنية التحتية”، ونقل البيان أن “عدم بذل التركيز الطموح لمعالجة هذه القضايا الحاسمة، سيجعل المزيد من الفتيات والفتيان يفقدون طفولتهم بسبب العمل والزواج وانتهاكات الحقوق الأخرى”، وقالت ممثلة يونيسيف في السودان مانديب أوبراين، إنه “لا يمكن لأي بلد أن يتحمل عبء عدم معرفة ثلث أطفاله الذين في سن الدراسة، مبادئ القراءة والكتابة، فالتعليم ليس مجرد حق، إنه أيضاً شريان حياة”. وفي يونيو حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن ثلث سكان السودان “يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي”.

مهن هامشية
وترى الأكاديمية د. سهير صلاح أن البيان جاء في ظرف سياسي واقتصادي معقد، موضحة أن الإحصاءات المقدمة ربما تكون غير حقيقية، وقالت في حديثها لـ”اليوم التالي” إن البيان جرس إنذار وإن هذه المنظمات تحصل على تمويل من الأمم المتحدة نتيجة للتقارير والظروف التي تعانيها شعوبنا، مضيفة أن عدم الاستقرار السياسي واحد من الأسباب التي تتسبب في التسرب من الدراسة للأطفال في بلادنا، إضافة إلى الظروف الاقتصادية الضاغطة التي كان لها تأثير كبير على الأسر وبالتالي الأطفال في سن الدراسة، مشيرة إلى أن هذه الفئة اتجهت إلى سوق العمل في مهن هامشية للمساهمة في أعباء المعيشة للأسرة وتركت مقاعد الدراسة حتى أصبحت ظاهرة واضحة خاصة في المدن.

مساهمة المجتمع
وتوضح أن لحل هذه المشكلة هنالك مطلوبات مهمة تكمن في تحقيق استقرار سياسي ينتج عنه استقرار في مؤسسات الدولة كلها ومن ضمنها مؤسسات التعليم، مبينة أن المطلب الآخر يكمن في رفع أي رسوم دراسية عن التعليم الأساسي وتحقيق مجانية التعليم، إضافة إلى دعم وجبة الإفطار بالمدارس كافة، مع ضرورة المساهمة من المجتمع المحلي والمنظمات الوطنية في عمل مشروع وطني يعالج مشاكل التسرب من المدارس.

آثار سالبة
وطالبت د. سهير المنظمات الأجنبية بالعمل عبر المنظمات المحلية للمساعدة في معالجة مشكلة التسرب من المدارس، وقالت إن أي فجوة جيلية في التعلم ستكون لها آثار سالبة على مستوى الأسرة والمجتمع ككل، وبررت ذلك لأن التعليم واحد من القضايا التي ترتبط بالتنمية ارتباطاً مباشراً، وتابعت: وعلى مستوى الدولة كلما زادت نسبة الأمية زادت مشاكل التنمية الاقتصادية وربما زادت معدلات الجريمة والمشاكل الاجتماعية التي ترتبط بالفقر.

تردي الأوضاع
ويقول القيادي بحزب الأمة القومي يوسف الصادق الشنبلي إن عدم الاستقرار السياسي والفراغ الدستوري في البلاد تسبب في الكثير من المشاكل ومنها تردي الأوضاع في قطاع التعليم، مضيفاً أن قطاع التعليم لا ينمو ولا يزدهر إلا في ظل استقرار سياسي وأمني واقتصادي وتنموي وخدمي، مبيناً أن هذه الأمور مرتبطة مع بعضها البعض ولا ينصلح حال البلاد إلا بتحقيقها جميعاً.

فترات عبور
وأوضح الشنبلي أن فترات الحكم الانتقالية هي فترات معقدة وشائكة وصعبة جداً، معتبراً أنها فترات عبور إلى رحاب الشرعية الانتخابية ولذلك لا تهتم كثيراً بقضايا الإصلاح الجذري لمشاكل التعليم، موضحاً أنها مشاكل موروثة وتركة تسبب فيها النظام البائد وتفاقمت وتردت وانهارت في حكومة الفترة الانتقالية، وتابع: كلما طالت مدة الفترة الانتقالية زادت مشاكل التعليم، وبرر ذلك لأن الفترة الانتقالية فترة مؤقتة وخلافاتها كثيرة والإدارات فيها غير ثابتة وشهدنا تغييرات كثيرة في إدارات التعليم فاقت الأربع مرات في ظل حكومة انتقالية عمرها لم يتجاوز الثلاث سنوات.

ضغط شعبي
ويضيف الشنبلي أن العملية التعليمية شهدت تردياً مريعاً في ظل حكومة الفترة الانتقالية، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إنها بدأت بالخلاف حتى في المنهج والمقرر الدراسي وتغييره أكثر من مرة حتى بعد طباعة المناهج والكتب المدرسية، مؤكداً أن ذلك كبد الدولة خسائر مالية فادحة نتيجة لنقل الخلاف السياسي والأيدلوجي وإقحامه في المناهج وقامت الدنيا كلها مطالبة رئيس الوزراء السابق بإعفاء وزير التربية والتعليم ومدير المركز القومي للمناهج وقد استجاب لهذا الضغط الشعبي وقام بإعفائهم، وزاد: كذلك تغيير السلم التعليمي والرجوع إلى المرحلة المتوسطة بدلاً عن النظام القديم لتصبح مراحل ما قبل الجامعة ثلاثاً (أساس _ متوسط _ ثانوي) هذه بعض الأمور الخلافية والتي تسببت مع عوامل أخرى في تردي وتعطيل العملية التعليمية في البلاد.

دولة جبايات
ويرى أن من المشاكل التي أثرت على الأوضاع التعليمية في البلاد أن حكومة الفترة الانتقالية تخلت عن مسؤولياتها تجاه تقديم الدعم اللازم للتعليم وأصبح التعليم ليس من أولويات الدولة المهمة، قائلاً إنها أصبحت دولة جباية لا دولة رعاية، وتناقص الصرف على التعليم بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان، لافتاً إلى أن ذلك انعكس على البيئة المدرسية من مدارس غير مؤهلة وانعدام الكثير من المعينات والمقومات كالبنيات التحتية والمعلمين والكتاب والإجلاس وغيرها من ضروريات مهمة في هذا الجانب.

فراغ دستوري
ويشير الشنبلي إلى أنه في فترة الحكومة الانتقالية توقفت المسيرة التعليمية طويلاً وتعطلت الدراسة وأغلقت المدارس بسبب المظاهرات اليومية وتسبب ذلك في ضياع مستقبل الكثير من الطلاب في كافة المستويات واضطرت الكثير من الأسرة المقتدرة من نقل وابتعاث أبناءها للدراسة في خارج البلاد، وبين أن غياب النقابات والأجسام التي تمثل التعليم وتدافع عن الحقوق ولا توجد مؤسسات تمثل قطاع التعليم وقال إن الأمر أصبح في يد اللجان التسيرية والمكلفة وانعكس هذا الفراغ الدستوري في الدولة على قطاع التعليم حيث لا يوجد وزير تربية وتعليم مركزي ثابت، ولا وزراء تربية وتعليم في الولايات، وإضافة إلى عدم وجود نقابات منتخبة للمعلمين لا في المركز ولا في الولايات، كما أنه لا توجد مؤسسات محترفة تدير العملية التعليمية في البلاد، وأصبح أمر التعليم نهبا للصراع اليميني واليساري في الدولة والكل يحاول أن يخدم أجندته ويطبق مشروعه السياسي والحزبي الضيق دون مراعاة لمستقبل الطلاب.

تحسين أوضاع
واستبعد الشنبلي عودة عافية التعليم وإعادته إلى سابق عهده إلا بالاستقرار السياسي وسد الفراق الدستوري من خلال حكومة منتخبة ونقابات منتخبة وقوانين من برلمان منتخب وأن تنتخب لجنة للتعليم في البرلمان المركزي ومجالس الولايات وتكون جهة إدارية معنية بقضايا التعليم مع عمل الورش الفكرية المتخصصة لإصلاح القطاع وتنفيذ توصياتها وتخصيص ميزانية للتعليم لا تقل من 25% من ميزانية الدولة، ويرى أن التعليم مرتبط بتحسين الأوضاع الاقتصادية لأن الطالب يحتاج إلى المسكن المريح وتوفير المأكل والمشرب والعلاج والترحيل ولذلك يجب إصلاح الحالة المعيشية ووقف الانهيار الاقتصادي وحفظ الأمن والاستقرار من أجل النهوض بقطاع التعليم وحل جميع المشاكل التي تقف عائقاً أم تقدم وتطور واستقرار التعليم في البلاد.

ضوابط ومعايير
ومن جهته اعتبر الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي وعضو وحدة ثورة ديسمبر مالك عابدين أن البيان تركيزي من حيث المبدأ، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إن هناك علاقة وطيدة بين الوضع الاقتصادي وما يحدث للأطفال، بسبب الإهمال والفساد الذي ظل على الدوام يتسلط على موارد الدولة، وقال: “الفساد على عينك يا تاجر نهاراً جهاراً دون خجل أو وازع أخلاقي”، وأوضح أن النمو والتطور يحتاج قوانين رادعة وإعادة وتنظيف الخدمة المدنية، إضافة إلى محاربة الأمية للذين يعتلون المناصب ذات الأهمية، وقال: يجب وضع ضوابط ومعايير، وطالب بضرورة تحسين التعليم بتفعيل دور الرقابة الإدارية والمالية لضمان قومية مفاصل الدولة، وسيادة حكم القانون، والشفافية الحاكمية والمواطنة الحقة، إلى جانب هيكلة التعليم والاستعانة بذوي الخبرة في مجال التعليم بمواصفات عالمية وتشجيع المدارس الحكومية بالاهتمام بالعلم، كما طالب الدولة بالاستثمار في التعليم والصحة، بدلاً عن الصرف البذخي على أشياء لا تهم المواطن السوداني.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب