“البرهان” في نيويورك.. هل يفتح الأبواب المغلقة؟

صديق تاور: الزيارة تقوية لنفوذ الجيش وإضعاف الثورة
أبو هاجة: بعد الزيارة ظلام الأمس سينقشع ولن يعتب على أبوابنا
محلل سياسي: الزيارة ستأثر على الأوضاع السياسية وتدعم المكون العسكري
الخرطوم: مهند بكري ـ محجوب عيسى
توجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان ـ أمس الأربعاء، إلى مدينة نيويورك على رأس وفد السودان المشارك في أعمال الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويرى المعارضون أن مشاركة البرهان تُقرا على أنها “مباركة دولية لإجراءات 25 أكتوبر والتي يعدونها انقلاباً على السلطة”، وبحسب خبراء ومحللين مختصين في ملف العلاقات الدولية تحدثو لـ(اليوم التالي) فإن مخاطبة البرهان الجمعية العمومية للأمم المتحدة بعد الإطاحة بسلفه المخلوع عمر البشير تعد انفتاحاً وقبولاً من المجتمع الدولي.

اهتمام وتعاون مشترك!
مستشار القائد العام للقوات المسلحة، العميد د. الطاهر أبو هاجه، قال في تدوينة له ـ أمس: “بمشاركة البرهان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تطوى صفحة ماضية في علاقاتنا مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وأن ظلام الأمس سينقشع ولن يعتب على أبوابنا بإذن الله”.
فيما أشار الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية السفير د. علي يوسف، إلى أن مشاركة السودان بوفد رفيع المستوى برئاسة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تأتي تأكيداً لاهتمام السودان للتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وبحسب يوسف فإن توقيت الزيارة يأتي والسودان يمر بظروف استثنائية سياسياً واقتصادياً وهناك جهود كبيرة مبذولة من قبل الوسطاء الدوليين وعلى رأسهم الأمم المتحدة والتي تلعب دوراً مهماً جداً في السودان من خلال بعثة اليونتاميس والتي من أهم مهامها المساعدة في إنجاح الفترة الانتقالية والوصول بها الى أهدافها متمثلة في إقامة انتخابات حرة ونزيهة تأتي بحكومة منتخبة.
وأضاف يوسف أن الزيارة وخطاب السودان في الدورة لا بد أنه سيعكس رؤية القيادة الموجودة الآن في الساحة السياسية والمسؤولة عن الأوضاع في السودان وأهدافها في التوصل إلى تسوية سلمية ووفاق وطني يخرج بالبلاد من الأزمة الحالية، وأضاف: “من المتوقع أن خطاب السودان سيتطرق إلى تقييم أداء بعثة الأمم المتحدة اليونتامس”.

إضعاف الثورة!
المعارضون للزيارة وصفوا الخطوة على أنها تقوية لنفوذ الجيش وإضعاف الثورة، وبحسب القيادي بحزب البعث عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق صديق تاور فإن آراء المجتمع الدولي حول انقلاب 25 أكتوبر لم يحدث حولها مستجد، وقال في إفادته لـ(اليوم التالي): إذا حدث فهذا تطور يتطلب تفسيره من الدوائر الدولية للشعب السوداني الذي لم يغير موقفه من البرهان وانقلابه وأفعاله طيلة أشهر الانقلاب، وتابع: “بغض النظر عن تغير موقف هذه الدولة أو تلك، فقد ظل معزول شعبياً وإقليمياً ودولياً بسبب ممارساته الانقلابية ومواقفه المعادية لإرادة ألشعب السوداني”، ويضيف تاور: لم يتغير شيء يدعو لتغيير النظرة إليه وإلى انقلابه، لذلك فهذا شأن من يتخذ الخطوة ويتحمل نتائجها السياسية والأخلاقية.

أمر واقع!
بدوره يرى الأكاديمي والمحلل السياسي د. راشد محمد علي الشيخ في إفادته لـ(اليوم التالي) أن زيارة رئيس مجلس السيادة إلى نيويورك ومشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفه رئيساً لمجلس السيادة ويمثل سيادة الدولة في السودان، خاصة أنه هو غير مطلوب دولياً لدى العدالة الدولية، مشيراً إلى عدم وجود مآخذ في المسار القانوني في تمثيله للدولة ويكون حاضراً عنها في الجمعية العامة.
وتابع الشيخ: “بطبيعة الوضع القائم الآن وعدم وجود رئيس وزراء من الطبيعي أن يمثل رئيس مجلس السيادة الدولة رسمياً في الحافل والفعاليات الدولية، وأن التمثيل ليست له علاقة بما يدور حول دعم المجتمع الدولي للإجراءات التي قام بها قائد الجيش في 25 أكتوبر، وإنما هو أمر واقع على السودان يستوجب على المنظمة الأممية أن تتعامل معه باعتبار أن السودان عضو فيها”.
وبحسب الشيخ فإن الزيارة ستؤثر بشكل مباشر على الأوضاع السياسية بالبلاد وستضيف في رصيد المكون العسكري فيما يتعلق بمجال التفاوض في مسألة التعامل مع الأزمة السياسية، بيد أنه رأى أن الخطوة لن تفتح أي مجال من الناحية الاقتصادية، وبرر حديثه أن الإجراءات التي تم بموجبها تعليق الدعم والمساعدات نتجت عن تغيير العملية السياسية في السودان، وأضاف: “لا يمكن أن يعود الدعم الدولي إلا عن طريق الحكومة المدنية”.
ويقول الشيخ إن أبرز الملفات التي يحملها رئيس مجلس السيادة تتمثل في فك الخناق الدولي الذي تعرضت له البلاد عقب إجراءات 25 أكتوبر، والترويج للمفاوضات السياسية القائمة الآن في السودان إعادة السلطة للمدنيين وهو ما يدعم اتجاه التعامل مع الموقف السياسي في السودان في ما يتعلق بابتعاد الجيش عن مسار العملية السياسية.

اعتراف دولي!
فيما قال القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن الخطوة لا تمثل اعترافاً دولياً، فالبرهان تسبب في تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وكثير من الدول الأفريقية ودول المنطقة ستثير مسألة وجوده كزعيم عسكري انقلابي في أروقة الأمم المتحدة، وليس أمام الحكومة الأمريكية إلا الإيفاء باتفاقية المقر لاستضافة الأمم المتحدة ووكالاتها واجتماعاتها، وفي سبيل ذلك تمنح جميع المدعوين للاجتماعات وممثلي الدول تأشيرة الدخول للولايات المتحدة.
وتابع: “إلا أن البرهان سيواجه واقعاً جديداً في الجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان على وجه الخصوص، إذ أن المفوض السامي لحقوق الإنسان الجديد النمساوي فولكر تورك أمامه ملفات موروثة من سلفه ميشيل باشليت مثقلة بانتهاكات البرهان لحقوق الإنسان في السودان، وفولكر هذا ليس كفولكر بيريتس، لأنه من الذين عملوا على تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وله رأي أشد وضوحاً وصرامة فيما يخص الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية”.
وبحسب عروة فإن الذين يعتقدون أن المشاركة ستكسر الطوق وتحجم الأصوات الرافضة للانقلاب هو إمعان في الجهل بطبيعة الأشياء وسيرها.

تنصل وتشبث بالسلطة!
وفي ما يتعلق بزيارة البرهان إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلقاء خطاب السودان، يقول المحلل السياسي عبد القادر محمود في إفادته لـ(اليوم التالي) إن هذه المشاركة تتصل بشكل مباشر بسيادة جمهورية السودان وبما أن البرهان هو رأس السلطة العسكرية الحاكمة الآن، وتابع: “تمثيله للسودان سيفتح فرص جديدة لكيفية معالجة الأزمة الراهنة خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية عبرت في أكثر من مرة بضرورة نقل السلطة إلى المدنيين، فزيارة البرهان ستكون سانحة بالنسبة لمتخذي القرار في الولايات المتحدة لمزيد من الضغط على البرهان لإثناء تشبثه بالسلطة”.
ويضيف محمود: أعتقد أن البرهان ليس استثناءً مقارنة بعشرات الرؤساء غير المنتخبين ذوي الخلفية العسكرية والآن يشاركون بخطابات بلدانهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أن يرف لرعاة الحرية والديمقراطية جفن.
واستبعد محمود أن ترتبط الزيارة باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالانقلاب العسكري أو عدم الاعتراف به، وبرر حديثه بأن الزيارة عادية تأتي في كل عام تعقد فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة للاستماع للتقارير الفنية المتصلة بالقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تهم جميع بلدان العالم، وكذلك يتم فيها إلقاء خطابات الرؤساء وممثلين الدول جميعهم على قاعدة المساواة السيادية، وأضاف: وبما أن البرهان الآن يمثل رئاسة المجلس السيادي الانتقالي بالضرورة يمثل السودان في سيادته التي تتساوى وسيادات الدول الأخرى، لكن هنالك رمزية أخرى يمكن أن تكون نعمة بالنسبة للسلطة الانقلابية الراهنة وهي أن زيارة البرهان ستكسب السلطة الراهنة زخماً معنوياً ورمزياً في احتفالية الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستضم العديد من الدول المؤيدة لوجهة نظر الانقلاب، وهذا سيعطي القيادات مزيداً من الثقة والدعم المعنوي لمواصلة نهج الحكم السلطوي والديكتاتورية في السودان.

غير موضوعي
وفي السياق قال الملحق الإعلامي السابق بسفارة السودان بواشنطن مكي المغربي إن المنظمات الدولية والدول الكبرى مثل أمريكا تتعامل مع السودان كدولة مهمة، مبيناً أن ذلك يتم حسب تقديرات السلم والأمن الدوليين ومصالح الدول، وأشار مكي المغربي المتخصص في العلاقات الأمريكية السودانية في إفادة لـ(سونا) إلى وجود اجتهاد من البعض في تصوير النظام الموجود حالياً والمؤسسة العسكرية باعتبارها امتداد للنظام السابق وهو أمر غير موضوعي. وأبان المجتمع الدولي أصلاً كان يتعامل مع النظام السابق وأن البشير هو من كان يعتمد سفراء أوربا للعمل في السودان، بينما تذخر أوروبا بالناشطين المناوئين له، وأضاف: “حتى التفاوض مع أمريكا بدأ في عهد البشير ولم يكن هنالك إطلاقاَ تباطوء من الطرف الأمريكي. وأشار المغربي الى أن الموقف الأمريكي من البشير تبدل بعد أن اتخذ من هم حول البشير الموقف بعزله استجابة للشارع واتفقوا على البرهان بعد تباين مواقف، وزاد: “وعليه أصلاً لا توجد هنالك سنين ضوئية بين البرهان وأمريكا، لا يوجد سوى زمن الرحلة العادي الذي يستغرقه أي راكب لأي طائرة” . وقال المغربي: إذا حدث احتجاج أو تجمهرات مهما كانت فذلك أمر متوقع وينسجم مع البيئة الداخلية من الحريات والانقسامات الأمريكية وهو أمر لن يتوقف مع السودان ولا أي دولة في العالم، ولا يتعرض له البرهان وحده، وليس هو ما يحدد العلاقات الأمريكية السودانية، وقال: “هنالك محددات أخرى”.

خطوة للأمام
وقال الأستاذ مبارك أردول الأمين العام لقوى الحرية والتغييرالتوافق الوطني إن مشاركة عبدالفتاح البرهان في اجتماعات الدورة (77) للجمعية العامة للأمم المتحدة ومخاطبته لهذه الاجتماعات يعتبر خطوة للأمام ومهمة.
وقال بحسب (سونا) إن هذه المشاركة ستفتح آفاقاً للسودان مع المجتمع الدولي كما أنها تمثل خطوة مهمة باعتبارأن الحكومة لها اعتراف دولي.
وأشار إلى دور السودان الإقليمي والمحوري وأن تعاون السودان مع المجتمع الدولي أمر مهم في ظل الظروف الحالية.