*الطاهر ساتي*
:: بعد ستة أشهر من الحرب، قضيت منها سبعة أسابيع بالخرطوم، غادرت بلادي التي لم تغادرنا، ليس بحثاً عن ملاذ آمن، بل عن بيئة تمنحني شرف حماية ظهر من يطهّرون بلادنا من مليشيا آل دقلو و عُربان الشتات ولو بحرف و نصف كلمة.. !!
:: غادرتها حزيناً ثم عُدت اليها الأسبوع قبل الماضي مع وفد الاعلام السوداني المصري، داعماً لجيشنا وشعبنا بكل فخر، ومناصراً لقضية الوطن بكامل الانتماء له، وبغير ( حياد )، أو كما يصف بعض بني جلدتنا مواقفهم في معركة التحرير و المصير ..!!
:: فالبؤساء يعلمون بأن الحياد في معركة طرفها الوطن و الشعب (عمالة) و( خيانة).. يعلمون ذلك ولكنهم يؤسسون نهجاً صارت فيه الخيانة ( وجهة نظر) والعمالة ( رأي آخر ) والتستُر بمليشيا النهب والاغتصاب نوع من (النضال)..!!
:: على كل، عُدت بشوق ومحبة .. والعودة إلى الديار، لأي لاجئ أو نازح، ميلاد جديد..قبل الحرب، وبدليل الحرب أيضاً، لم نكن نحب بلادنا كما يجب، أو كنا نحبها وكأننا نكرهها كما قال الطيب صالح في غضبته الشهيرة( من أين أتى هؤلاء؟)..؟؟
:: فكيف العقول والقلوب بعد ويلات الحرب ومآسيها؟..هل يعود الجميع – بعد الانتصار الأكبر باذن الله – بصدق الانتماء أم بما مضى من اللامبالاة زيف الانتماء ؟.. وهل علمتنا الحرب أن نحب بلادنا كمايجب وليس لما يُرضي المستعمرين الجدد، عرباً وعجماً ..؟؟
:: نأمل ذلك .. كل شيء في بلادي يبدو جديداً وجميلاً، حتى وجوه الأهل والمعارف الذين تعرفهم منذ ميلادك تبدو أجمل مما كانت ..وهناك موجة حزن على أرض بلادي وغضب يغلي كالمرجل في صدور الناس..!!
:: ومصير بائس ينتظر مليشيا آل دقلو – وحلفائها – وراء ذاك الغضب..( لن تعود المليشيا الى المشهد )، كنت أظنه محض وعيد سياسي، ولكن هكذا تتحدث الشوارع أيضاً، و الأسواق والمجالس و ..و ..لاتسمعها من المواطنين فحسب، بل تراها في عيونهم ..!!
:: و الناس في بلادنا لا يسألون ( الحرب ح تنتهي متين؟)، بل يسألون ( ما قربنا نخلص من العفن ديل)، تأملوا الفرق .. إنهاء الحرب شئ و إنهاء التمرد شئ آخر..و لأن الشعب يعلم ذلك، يدعم جيشه لإنهاء التمرد، لتتوقف الحرب ويحل السلام..!!
:: نشطاء المنافي يعرفون الفرق بين إنهاء التمرد و إنهاء الحرب، ولكنهم – خوفاً من الكفيل- لايتحدثون عن انهاء التمرد و لو تلميحاً، فان أسطوانتهم المشروخة هي (إنهاء الحرب) ولو بالاستسلام لمن ينهبون ويغتصبون ..!!
:: التقينا بالمسؤولين.. وهم ليسوا من يتقلدون مناصب الدولة فحسب، بل كل مواطن صالح أصبح مسؤولاً بأمر وجدان سليم يُخاطبه على مدار اللحظة : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن تحرير بلاده).. !!
:: نعم،لسان الحال العام في بلادنا ( كلكم راع و كلكم مسؤول عن تطهير وطنه).. كلكم، ما عدا من قصدهم مارتن لوثر كينج بقوله : ( أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة) .. وصدقاً، بمواقفهم المخزية، حجزوا أماكنهم في جحيم الشعب ..!!