نهضة وطن
صوب فجر جديد بوحى العقل وضوء الأمل!!
د. الهادي عبدالله أبوضفآئر
عزيزٌ أنت في علاك نجمة لا تنطفئ، وفي الأرض شجرة خضراء لا تذبل أوراقها مهما اشتدّت حرارة الصيف، ومهما طال برد الشتاء. أنت أكثر من حدود تُرسم على الورق، بل أنت حكاية نرويها لأبنائنا، وأغنية نغنيها حين يعترينا الحنين. على أرضك عرفنا رائحة الدعاش حين تتسلل إلى أنوفنا، منذ الصرخة الأولى التي أبصرنا فيها نور الحياة حين صدحت على ترابك الدافئ. في كل قرية من قراك قصة تروى للأجيال، في كل بيت ذكريات لا تنسى، وفي كل شارع هتاف (بالدم بالروح نفديك يا وطن) .
وحين ننظر إلى علاك، نشعر بالسلام الذي لا يعرف الحدود مهما بعدت المسافات. تعلمنا في المهاجر انك أقرب إلى قلوبنا، وأنت الحياة، وأنت الأمان حين نتأمل وجهك.
فأي عشق أكبر من عشقك؟
وأي حنين يضاهي الشوق إليك؟ أنت الحلم والمأوى الذي نستظل به، والنسمة التي نتنفسها.
لك نكتب،
ولك نغني،
وإليك نعود مهما تفرقت بنا السبل، منك المبدأ وإليك المنتهى. أنت الحكاية التي تبدأ من القلب، وتنتهي فيه، كل الطرق التي نمشيها تنتهي إليك، وكل النجوم التي تضيء سماءنا تستمد نورها منك. من ترابك نُخلق، وإلى ترابك نعود، لا نستطيع العيش إلا في فلك حبك، ولا نسافر إلا بين تفاصيلك رحلة لا تنتهي، وكلما ظننا أننا وصلنا إليك، نكتشف أن الطريق لا يزال يمتد، حيث لا نهاية للحب، ولا حدود للانتماء.
رغم التحديات الكبرى، ترددت في الأفق أصوات تعلو بالآمال وتتشبث بالأحلام. الجميع يترقب الانتصار الذي يليق ببلد عظيم، وكل فرد يشعر بأن عليه أن يقدم شيئاً، وأن يكون جزءاً من تلك الملهمة الكبرى التي لا تهدأ. في سبيل الوطن، تصبح الأرواح رخيصة، تجد الشباب مندفعين بكل حماسة وشجاعة للدفاع عن ترابه المقدس. إنهم يتقدمون الصفوف بلا تردد، يحملون في قلوبهم إيماناً لا يتزعزع، ورغبةً جامحة لحماية الوطن من كل خطر يحدق به. في كل خطوة يخطونها، يرسمون معالم مستقبلهم، ويكتبون بأفعالهم قصة الوطن الذي يحلمون به، وطنٌ لا تهزه الرياح ولا تزعزعه العواصف، وطنٌ يظل شامخاً رغم المحن. في عيونهم، ترى وميض الأمل والتحدي، وفي صدورهم، تسمع نبضات قلوب لا تعرف الخوف، قلوب تتسابق نحو التضحية، متيقنة أن الوطن يستحق كل غالٍ ونفيس. فلا عجب أن ترى شباب الوطن يندفعون بحماس، حاملين أرواحهم على أكفهم، مستعدون لكل تضحية، لأنهم يؤمنون بأن الحياة دون كرامة الوطن لا معنى لها، وأن النصر لا يأتي إلا لمن يدفعون الثمن الأغلى في سبيل حريتهم وعزتهم.
بكل يقين وأمل، يا وطن، ستظفر بالنصر بإذن الله، وستظل شامخاً كالطود العظيم، تتربع على عرش العظمة فوق القمم. فالنصر والغلبة هما نبض كقسم مقدس، يتسلل برقة وعذوبة إلى أعماق القلوب قبل أن تصافح الآذان، حاملًا معه وعد السماء بالظفر والعزة، يسري فيها لهيب الحماسة، وتوقظ نار الإصرار. ليست مجرد عبارات عابرة، بل وعد يرفرف في الأفق كغيمة تحمل أملاً، يُرفع بقلوب مفتوحة وعقول متحررة، وأيدٍ تتشابك بروح ثورية لا تعرف التراجع. كل حروفها، تتلألأ أحلاما ساحرة لمستقبلٍ مشرق.
سنواجه التحديات بشجاعة نبيلة، حتماً نستعيد كل ما فقدناه، لنمضي قُدماً نحو بناء سودان جديد، نزرع فيه بذور العدالة والمساواة، ونعمره برؤى المحبة والتسامح. حتى يتحول الوطن إلى رقعة دافئة تنبض من أعماق الروح، تهتف بشغف صادق، وتنادي الجميع للوقوف جنباً إلى جنب من اجل هدف واحد. ومن أجل غدٍ مزدهر، يكتسي بألوان الأمل، ويشرق فيه نور الحرية بحب عميق وأمل لا ينتهي.
لم يكن الحديث عن الوطن مجرد شعار يرفرف في سماء الأمنيات، بل إيمان راسخ لا يضعف، ينبعث من قلبٍ آمن بأن هذه الأرض تستحق أن تعيش بكرامة. تتحدى مواكب الظلم وأحلام المليشيا، تخطو بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقًا، تضغط على الظالم المغتصب حتى ينحني أمام قوة الحق. طالما هناك شعب يقاوم، بلا رجعة تتحدى الموت عند المحن، كلما اشتدت الرياح وزادت العواصف، يغرس أقدامه في أرضك يا وطن، يستمد قوته وتتجدد عزيمته من صلابتك. أنتَ من علمتنا كيف ننهض كلما تعثّرنا، وكيف نبتسم في وجه الألم، وكيف نقاتل بالصبر والإيمان حتى آخر لحظة. عند الشدائد، تظهر المعادن الأصيلة، ويبدو الصمود بأبهى صوره. نحن أبناؤك يا وطن لا ننحني للعواصف، ولا نخاف من ظلام الليل، لأن شمسك دائماً تشرق من أعماق قلوبنا. نتحمل الصعاب، ونعلم أن كل تحدٍ يواجهنا يقوّينا ويصقلنا، ويجعلنا أكثر إصراراً على البقاء، وأكثر رغبةً في النصر. نقف كتفاً بكتف، يداً بيد، مع قواتنا المسلحة والقوات المشتركة والمستنفرين، نواجه كل المحن وكأنها مجرد فصلٍ عابرٍ في رواية طويلة من المجد والانتصار. لا ننهزم، لأننا نعلم جيداً أن الوطن الذي يحتضننا يستحق أن نحميه ونصونه، حتى آخر نفس. طالما في الروح عزة
وطننا محال ان تموت.
يقينا ستتعافى يا وطن، فلكل جرحٍ شفاء، ولكل محنةٍ درسٌ نتعلمه. في كل بيت، يتجدد النداء، كأغنيةٍ لا تنتهي، يرددها الجميع بأملٍ وإيمان. نعلم أن الطريق إلى التعافي يمر عبر الفكر المستنير والحوار الصادق، نحل مشكلاتنا بنور الفكرة وقوة المنطق، فنُضيء مساحات الظلام بتلك الأفكار التي تشرق كالشمس في كبد السماء. وفي كل كلمة تُقال، يتوهج الأمل من جديد، لأننا نعلم أن لكل رأي قيمة، ولكل صوت أهمية، ولكل إنسان عزة ما دمنا نسعى نحو هدفٍ واحد، وطن يسع الجميع، يرسخ الكرامة الوجودية للإنسانية. في تلك المساحة المشتركة، تتمركز القوة لننهض من جديد، لنُعيد بناء الوطن بحب، وإرادة، ووعي. نؤمن أن المستقبل يبدأ بفكرة، وأن الحضارة تُبنى على أسس العدالة، وأن الكرامة هي حق لكل إنسان. لذلك نواصل، بلا كلل أو ملل، نعيد ترتيب أحلامنا، نفتح أبواب الأمل ونبني جسور المحبة، حتى يتعافى الوطن، ويعود أقوى، وأكثر إشراقًا.
abudafair@hotmail.com