زهير السراج – اليوم التالي
لعبة الأمم في السودان !
• يصف (مايلز كوبلاند) احد مؤسسي جهاز المخابرات الامريكية واشهر قادتها وكبار عملائها في منطقة الشرق الاوسط في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ومؤلف الكتاب الاكثر رواجا في العالم منذ صدوره لاول مرة في عام 1969 وحتى اليوم (لعبة الأمم)، والذي يكشف فيه ادق اسرار عمل المخابرات ودهاليز الحكم …إلخ، السياسة الدولية بأنها “مسرح دُمى يعتقدها الجمهور حقيقةً”. ويقول: “ومن السذاجة تفسير أي تصريح رسمي حول السياسة الخارجية بحُسن نيَّة، لأنَّ المناورة شرط أساسي لأيِّ زعيم في اللعبة، فهو يُظهر ما لا يُبطن، ويقول شيئًا وهو يعني به شيئًا آخر”.
• تتلخص لعبة الامم في نقطتين: الأولى، أنَّ الكل خسران منذ البداية، فلا أحد من الحكام دائم في الحكم، ولكن تكمن اللعبة في عدد السنوات التي سيظل فيها الحاكم جالسا على كرسي السلطة، وكيف سيخرج منه عندما يحين وقت الخروج.
• النقطة الثانية، إن علاقة الحاكم مع القوى العظمى تلزمه باتخاذ قرارات لا تُمثِّل صالح شعبه، وعليه إقناع شعبه بأنها لصالح الوطن والشعب وتخدير مشاعر الجماهير بالوعود وهو يبطن عكس ذلك تماما، فإذا خرج عن الخط فهو على يقين إن القوى الكبرى ستتخلص منه بأي وسيلة سلمية أو غير سلمية، وهناك بديل دائم سيحل محله فورا بدعم من القوى العظمى، وهنالك العديد من الأمثلة على ذلك.
• يخطئ الكثيرون إذا اعتقدوا أن قادة الجيش بما في ذلك العناصر التي تنتمي للحركة الاسلامية والقوى الإقليمية التي تسانده سيتخلون عن السلطة للحركة الاسلامية تديرها كما تريد عند انتهاء الحرب، سواء بالانتصار العسكري أو بانقسام السودان الى دولتين أو أكثر، وهنالك من السوابق في السودان وفي العديد من الدول ما يثبت ذلك!
• تخطط بعض القوى الإقليمية لترث خيرات السودان وتحقيق مطامعها الشخصية، وللأسف الشديد فإن الحظ السيئ للسودان جعل منه الضحية الأولى لتعويض بعض الخسائر التي فقدتها تلك القوى لاسباب ليس للسودان يد فيها، وإنما بسبب طموحات دول اخرى تعمل على تحسين اوضاعها، كما تسعى بعض القوى الأخرى لتنويع مصادر دخلها تحسباً من المخاطر التي قد تصيب مصدر دخلها الحالي مستقبلا فوجدت في السودان الضحية التي تعوضها عن ذلك بما له من موقع جيواستراتيجي وفقا لمصادر الجريده
* وكان من الطبيعي أن تستغل هذه القوى الحرب التي نشبت في السودان، وتعمل على تأجيجها بغية الوصول الى (نقطة اللا عودة) بانهيار السودان وتقسيمه لتحقيق مآربها على طريق المثل السوداني الشعبي المعروف (لو دار ابوك خربت، شيل ليك منها شلية)، رغم أن السودان لم يكن في يوم من الأيام دارا لاب أحد غير أهله الحقيقيين، أفارقةً أو عرباً منذ دخول الموجات الاولى للعرب الى السودان عام 31 هجرية (651 م) في عهد الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) رضى الله عنه !
• لن تعود الحركة الاسلامية الى السلطة مرة أخرى في السودان مهما فعلت، ليس لأن السودانيين لن يسمحوا بذلك، ولكن لأن القوى الاقليمية التي سيؤول إليها السودان لن تسمح بذلك ابدا، وما يعتقده البعض الآن من تحالف بين (الاخوان) وتلك القوى ما هو الا إستغلال للاخوان المسلمين لتأجيج الحرب وتقسيم السودان ليكون جاهزا لفرض سلطة الآخرين عليه والانتفاع بخيراته، ونفس الشئ ينطبق على الطرف الآخر في الحرب الذي سيجد نفسه بعد انقسام السودان وسط اقليم معزول يعج بالحروب والارهاب والمشاكل والاختلافات والفقر والجوع بما يجعله لقمة سائغة للآخرين !
• المؤامرة التي يتعرض لها السودان اخطر بكثير من التقسيم الى دولتين او اكثر (دولة النهر والبحر) و(دولة غرب السودان)، أو كما يطلق عليه البعض السيناريو الليبي، فهى تتعلق بوجود السودان نفسه الذي يتم التخطيط والعمل لأيلولته الى بعض القوى الاقليمية، تحكمه وتتحكم فيه كيف تشاء وتتصرف في جغرافيته وخيراته كما تريد، بينما يتحول كل شعبه بمن في ذلك الذين يحلمون بالحكم او بالعودة الى الحكم إلى سلعة في سوق الرقيق !