لا نريد تكرار فصل الجنوب مع دارفور
مزمل موزارت
● دائماً ما يعيد التاريخ نفسه لتوفر نفس أسباب الأحداث، ومن يشك في هذه المقولة عليه بالابحار في كتب التاريخ البعيد والحديث ليرى تشابه أحداث وروايات تتفق كلها بأسباب متشابكة مع بعضها البعض ومن النادر جدّاً حدوث نتيجة غير متوقعة في ظل عوامل ومعطيات تؤدي الى نتيجة حتمية لحدث في السابق .
● بعيداً عن الحديث الفلسفي والنظري؛ إذا تفكرنا في هذه الحرب الدائرة في السودان فبكل تأكيد هناك اثمان دفعت ( دفعها الشعب من حياته وامواله ) وهنالك اثمان اتية سوف تدفع نتمنى فقط ان نعي الدروس السابقة لكي لا نكرر نفس الأخطاء فنحن شعب نتفنن في إعادة الوقوع والتقهقر بمختلف الوضعيات !!
● لا نريد ان نفقد دارفور كما فقدنا الجنوب وغصة فقده باقية في حلوقنا الى اليوم؛ لذلك لا نريد تكرار التجربة وقد خبرنا نفس هذه الظروف في فترات سابقة .. خطة تقسيم السودان الى دويلات قديمة جدّاً وكنا نراها كالأحجية ولكنها دخلت حيز الحقيقة والتنفيذ بانفصال الجنوب ولا ندري من هي القطعة صاحبة الترتيب الثاني !!
● بعد فشل الدعم السريع في خطته المحكمة بالاستيلاء على السلطة؛ انتقل الى خطة بديلة وهي سياسة الأرض المحروقة وتخريب كل مظاهر الدولة السودانية وتحطيم البنية التحتية وهدم الإقتصاد وتشريد المواطنين وكل ذلك بإيعاز من الداعمين المباشرين للمليشيا وبعد النجاح في هذه السياسة نسبياً؛ تبلورت لهم افكار أكثر خطورة بعد الفشل العظيم في الخطة الرئيسية وهي اسقاط الخرطوم وحكومتها المركزية واعلان دولة جديدة لا علاقة لها بأي حكومة سابقة حكمت السودان بوجوه جديدة يصحبها تغيير ديموغرافي شامل وصنع وطن جديد لمجموعات مهجرة من دول غرب افريقيا .
● معروف ان دارفور كانت تحكم حكماً مستقلاً في فترة ما قبل حكم المهدية الى ان تم ضمها الى دولة المهدية وبعد سقوطها عادت دارفور للحكم الذاتي وحكم السلاطين كان اخرهم علي دينار اشهر سلاطين دارفور على الاطلاق وفي العام 1917م تم ضم دارفور رسمياً الى السودان بواسطة الإنجليز بعد التخلص من السلطان على دينار الذي جاهرهم بالعداء والمقاومة .
● يعد إقليم دارفور من اغنى الأقاليم في السودان لما تكتنزه ارضه من خيرات لا حدود لها بداية بالبترول واليورانيوم والذهب مروراً بالأراضى الزراعية الشاسعة التي تتميز بالخصوبة العالية وانتاج المحاصيل الاستراتيجية كالصمغ العربي والدخن والذرة الرفيعة؛ لذلك نستنتج بصورة بديهية لماذا دارفور بالذات غارقة في بحور الدم والتشظي القبلي منذ سنوات طويلة لأن من يشعل فيها فتيل الأزمات يعرف تماماً قيمتها ويقوم بتأجيج نار الفتن والحروب ليحتفظ بها بوراً الى اجلاً مسمى لحين الحوجة اليها والالتفات لها .
● الآن خطة من يدبر للدعم السريع هو اعلان حكومة في دارفور بعد فشل السيطرة على السودان كاملاً تمهيداً لادراج بند يعد له الآن في المفاوضات وهو تقرير مصير شعب دارفور؛ يجب الانتباه لذلك من الآن وتجربة جنوب السودان ليست ببعيدة عن الأذهان؛ فإذا انفصلت دارفور لا قدر الله سيختلف الوضع هنا كثيراً عن انفصال الجنوب لآن التشظي القبلي داخل دارفور سيكون كبيراً خصوصاً اذا كان الدعم السريع هو المسيطر على المشهد وفق الرؤية الحالية؛ إضافة الى تجدد الحروب مجددا بين الدولة الوليدة في دارفور وجارتها القديمة إذا ما وضعنا في الاعتبار امتلاك الدعم السريع قوات اكثر تنظيماً وسلاح جو وما الى ذلك !!
● لذلك علينا ان نقطع الطريق على هذه الأحداث متوقعة الحدوث ونسبقها عبر الزمن وذلك بواسطة عدة حلول ناجعة اهمها الحسم العسكري للقوات المسلحة ومحاولة اضعاف قوات الدعم السريع الى اقصى درجة ومن ثم فرض شروط المنتصر عليها ودحرها وتقليص دورها على أرض المعركة وهذا لن يحدث مالم يتم الضغط أولاً على الداعمين الإقليميين !!
● ثانياً يأتي الحل السياسي وهو لا يقل أهمية عن حل الحسم العسكري بتوافق كل القوى المدنية كما ظللنا نكرر قبل بداية هذه الحرب اللعينة ولكن تعنت الجميع وعنادهم بالانفراد بالسلطة كان سبب ما نحن به الآن .
● اعجبتني جداً مقولة الصحفي الأردني فؤاد حسين في حديثه عن المشهد السوداني من بعد فترة الاستقلال أن السودان ورث الدولة الكولونيالية بحدودها الإدارية واقتصادها وطريقة حكمها دون أن يحولها الي دولة حديثة تحقق الاندماج القومي أو الوحدة في التنوع الثقافي بحيث يمكن الثقافات المختلفة التي يضمها السودان من أن تعيش إنتماء قومي موحد .
● حديث فؤاد حسين كان حديث العالم بالشيء متبحراً بكل تفاصيله وهو على عكس ما يصدعنا به انصار الدعم السريع وبعض داعمي احزاب (قحت) من اطلاق مصطلحات كدولة 1956 وطمس هوية الدولة السودانية تماماً والاستعانة بقوانين مسخ مشوهة ما بين قوانين غربية تالفة تنتهجها بعض أحزاب قحت اليسارية لهدم النسيج الاجتماعي السوداني بالإضافة للقوانين القبلية والاجتماعية بعد التغيير الديموغرافي الذي كان مخططاً له بإتقان شديد .
● الحل الذي يريد ان يبعدنا عنه الغرب دائماً هو حل الدولة الفيدرالية والذي كنا به قد نتمكن بالاحتفاظ بالجنوب ضمن الدولة السودانية الكبرى ويمكن ان ندير به كل اقاليم بلادنا المختلفة بثرواتها العظيمة وفصل الربط عن الدولة الكولونيالية التي ورثناها من الاستعمار الأجنبي .