جلال الصمدي: اليمن – عدن
لا يزال تاريخ “اليمن السعيد” يكرر نفسه في القرن الحادي والعشرين على شكل سلسلةٌ متواليةٌ من المعاناة والحرمان لشعب يتيم لا يعرف معنى الفرح ولا يرون في بلادهم الأسيره للصراع المستمر ما يراه الآخرون في بلادناهم مما يضظرهم لاجترار همومهم الحياتية اليومية وهم ينتظرون المنقذ الذي يعيد الحياة إلى نصابها السوي بعزيمة صارمة وإدارة مخلصة، ولكن لا بوادر انفراج في الأفق القريب والاقتصاد اليمني يعاني انهياراً وتشهد العملة المحلية تراجعاً حاداً مقابل العملات الأجنبية ليتجاوز سعر صرف الدولار الواحد 1060 ريالاً، فيما بلغ سعر الريال السعودي 300 ريال، ويأتي هذا الارتفاع بعد إعلان السلطات الحكومية إغلاق عدد كبير من محلات الصرافة غير المرخصة المتهمة بالمضاربة بالعملة ليلقي ذلك بظلاله على المواطن البسيط من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمسلتزمات الضرورية بشكل جنوني، ويأتي ذلك بالتزامن مع صدور قرار إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى الذي خلال أول اجتماع له عبر الاتصال المرئي برئاسة رئيس الوزراء رئيس المجلس معين عبدالملك بتاريخ: 13/7/2012م عمل على تشكيل لجنة وزارية متخصصة من الوزارات ذات العلاقة لمراجعة الأوعية الإيرادية وتقديم المقترحات اللازمة لما يمكن اتخاذه من إجراءات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية عبر وضع ضوابط خاصة لاستيراد المشتقات النفطية وتقدير الاحتياجات الفعلية وضبط وترشيد الإنفاق العام وتشديد الرقابة على محلات الصرافة واتخاذ كل ما يلزم لتعزيز الإيرادات وضمان وصولها إلى الحساب الحكومي العام ومكافحة الفساد وانتهاج الشفافية ومعاقبة المقصرين والجهات التي لم تؤدِّ عملها على الوجه الأمثل.
وإلى ذلك أكد رئيس وزراء اليمن د. معين عبدالملك في مقابلة سابقة له مع قناة الشرق أن تجاوز سعر الصرف لحاجز الألف الريال مقابل الدولار لا يتفق مع حجم الكتلة النقدية المتداولة حسب مؤشرات البنك المركزي اليمني التي ترجح أن يكون السعر الحقيقي أقل من 800 ريال داعياً في الوقت نفسه الدول الشقيقة والصديقة إلى دعم عاجل للعملة الوطنية حتى لا يحدث انهيار كامل يصعب بعده أي تدخل لإنقاذ الاقتصاد اليمني مضيفاً أن آخر دعم مباشر تلقته الحكومة اليمنية كان الوديعة السعودية التي ساهمت في استقرار السلع الأساسية وأيضاً العملة منذ أواخر 2018 حتى 2020، لكننا الآن في وضع صعب نتيجة لإشكاليات كثيرة لا تتعلق فقط بالعملة والإنفاق والإيراد، بل أيضاً بعوامل أخرى بينها انعدام الاستقرار السياسي.
وتحدث أ/ أبو بكر باعبيد رئيس الغرفة التجارية محافظة عدن في حلقة نقاشية عبر منصة الزوم نظمها فريق مشاورات شباب عدن أن تأمين الاستيراد وتوفير رصيد دائم في البنك المركزي والعمل على الحد من المضاربة غير المشروعة بالعملة وتعزيز العلاقة بين البنك المركزي ورجال الأعمال عن طريق السماح لهم بالوصول إلى ودائعهم والسحب منها بحرية طالما السحوبات في الإطار المسموح به ومحاولة استعادة الثقة بالبنك المركزي من جهة والبنوك التجارية من جهة أخرى ستؤدي إلى خلق نوع من الاستقرار المعقول في سعر صرف العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية وأضاف أن عدم إعادة تنشيط المنظومة المصرفية تحت إدارة البنك المركزي سيؤدي إلى تدهور صرف العملة مؤكداً أن الوديعة السعودية كان لها أثر كبير في تحسن سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية إذ عملت على تغطية استيراد السلع الأساسية التي تمثل جزءاً كبيراً جداً من احتياج اليمن للعملة الأجنبية ولكن عدم قيام البنك المركزي اليمني بمهامه في مجال تحديد سعر الصرف وترك أمرها لصالح شركات الصرافة ستكون نتائجه سلبية وستؤدي إلى انهيار غير مسبوق للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
بينما تحدث المحلل الاقتصادي أ/ محمد الجماعي في الحلقة النقاشية التي نظمها فريق مشاورات شباب عدن عن “دور السياسة النقدية في الحد من تدهور العملة الوطنية” وقال إن غياب السياسة النقدية الصحيحة وأدواتها الخاصة في ضبط سعر الصرف ووقف تدهور الريال اليمني وعدم قيام الإدارة العليا في البنك المركزي في عدن بالمهام المناطة بها أثر بشكل كبير على تدهور صرف العملة، إلى جانب ذلك تخلي البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي لتمويل احتياجيات الاستيراد، وعدم قيامه بمهامه في مجال تحديد سعر الصرف وترك أمر تحديده لصالح السوق غير النظامية مثل محلات ومؤسسات الصرافة، مع ضعف التنسيق مع البنوك التجارية كل هذه الأسباب أدت إلى انهيار الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
وتحدث الخبير الاقتصادي أ/ فارس النجار في الحلقة النقاشية التي نظمها فريق مشاورات شباب عدن عن الحلول المقترحة لتفادي المزيد من انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية”وقال إن التراجع الكبير في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية يرجع إلى عدة أسباب رئيسية أهمها استمرار الحرب وتوقف تصدير النفط والغاز، وانخفاض تحويلات المغتربين للداخل في ظل طلب محلي كلي لتمويل استيراد السلع، ولجوء الحكومة إلى تغطية مواردها عن طريق طباعة العملة بدون وجود غطاء من العملات الأجنبية وعدم توجيه كافة الدعم المقدم من المجتمع الدولي إلى البنك المركزي ومصارفته عبر البنك ولأجل إيقاف الانهيار المتسارع للعملة يجب إعادة هيكلة البنك المركزي وتفعيل الربط الشبكي بينه وبيت جميع بنوك وشركات الصرافة والعمل على وقف استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية والعمل على تعزيز الرقابة المكتبية والميدانية ورفد وحدة جمع المعلومات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالكوادر المؤهلة وإغلاق جميع محلات الصرافة غير المرخصة وسرعة ضبط ومحاسبة المضاربين في السوق من أفراد وجماعات ومحلات تجارية لما من شأنه استقرار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
عوامل كثيرة أدت إلى تدهور صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية ومن أبرزها الحرب الظروس التي أفرزت وطنين متقابلين! وطن حقيقي ينعم فيه أطراف الصراع بكل شيء، ووطن مجازي يعيش فيه الغالبية العظمى من السكان البؤس والكفاف وليس أمام سكان اليمن إلا أن يموتوا جوعاً ومرضاً في بلدهم التي صنفت قبل هذه الحرب من أكثر بلدان المنطقة فقراً أو أن يموتوا تحت تخبط إدارة البنك المركزي اليمني في السوق بسبب ضعفه وتقسيمه بين عدن وصنعاء وانهيار الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية لتصبح الحياة بالنسبة لهم مجرد مناسبة لتعميق الجراح لا نكهة لها ولا طعم سوى أنها فتحت عليهم أبواب الهموم والغموم على مصراعيها راسمة في قلوبهم مشقة الزمان وصعوبة الحرمان.