مزمل موزارت يكتب .. تراجيديا التعليم في السودان

 

تراجيديا التعليم في السودان

مزمل موزارت

● إذا اردنا معرفة مدى تطور الأمم وازدهارها فلابد من قياس جودة التعليم واستقراره فيها؛ لأن التعليم هو العماد المتين للحضارة والثقافة منذ قديم العصور .. فلا توجد دولة متقدمة بدون تعليم والعكس صحيح كذلك فالدول تتخلف عن ركب الريادة بسبب تخلفها الأكاديمي والمعرفي ..

● وكدأب دول العالم الثالث نحن لسنا ببعيدين عن تراجع التعليم وتخلفه رغم الطفرة (الكمية) وليس (النوعية) التي حدثت في فترة حكم الإنقاذ بما كان يعرف بثورة التعليم العالي؛ شهد السودان وقتها انتشار لعدد كبير من الجامعات والكليات الحكومية منها والخاصة في ربوع البلاد وعلى الرغم انها كانت خطوة جادة نحو الرقي بالتعليم في السودان ولكنها للأسف كانت ثورة تستهدف الكم كما اسلفت وليس الجودة في التعليم .. فالاستثمار في التعليم أصبح مغري جدًّا لأصحاب رؤوس الأموال .. فاصبح افتتاح جامعة أشبه بفتح مصنع دقيق فالهدف واحد وهو التربح دون المراعاة لأن للتعليم وضع حساس واستراتيجي للدولة .. والنتيجة أصبحنا نرى الاف الخريجين من مختلف الجامعات والتخصصات قليلي الإمكانات وهذا وضح جلياً في فترة الحرب الحالية فكل من ذهب للعمل خارج البلاد اكتشف حقيقة امكاناته ومستوى تواضع دراستنا في السودان فيما عدا المجالات الطبية !!

● وفي هذه الأثناء يخوض طلاب وطالبات الشهادة السودانية غمار الامتحانات بعد سلسلة تأجيلات وتراكم دفعات في ظروف أقل ما يقال عنها أنها في غاية الصعوبة ولا نريد الحديث عن اشكالية خروج المناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع عن خارطة امتحانات هذا العام فرؤية وزارة التعليم في هذا الموضوع وجدت جهات دعمتها كما قابلت الرفض من قبل الكثيرين .. وموضوع اقامة امتحانات اخرى كمعالجة لمن لم يتمكن من الاتحاق بالامتحانات الحالية تظل وجهة نظر ايضاً من وزارتنا المؤقرة .. !!

● يجب أن تضع الجهات المسؤولة عن وضع التعليم في السودان بأن الأغلبية اصبحت خارج نطاق الدراسة سواء بسبب التشريد أو عدم القدرة المادية أو سوء إدارة المنظومة التعليمية ككل في السودان .. كيف سيلحق طالب في نيالا أو الجنينة بصنوه في عطبرة أو بورتسودان إذا ما استمرت المعارك مشتعلة بين الجيش والمليشيا المتمردة ؟

● حجم المأساة في وضع التعليم في السودان كبير جداً ولا يكفي مقال واحد لاختصاره أو تلخيصه فالموضوع ضخم ومتشعب وللحكومات المتعاقبة نصيب الأسد في هذه الفوضى العارمة .. كما ان العقلية المجتمعية للمواطن السوداني تلعب دوراً محورياً في اضمحلال التعليم وتركزه فقط في دراسة محددة كالعلوم الطبية على سبيل المثال فهي وسيلة الفقير لبلوغ درجة الغنى وسبيل الغني لكي يحافظ على مستواه المادي والاجتماعي وكأنه لا توجد سُّبلُ اخرى للنجاح والتميز الاجتماعي والمادي ؟!

هل ستيف جوبز مؤسس شركة ابل اكبر شركات الهاتف المحمول والحواسيب كان طبيباً ؟ وهل ايلون ماسك احد اغنى اثرياء العالم ومالك شركة سبيس اكس كان صيدلانياً ؟ وهل كان جيف بيزوس مؤسس أمازون طبيب مختبرات ؟ ؟ ؟

لماذا في السودان وبعض الدول العربية نربط نجاح الأبناء بدراسة العلوم الطبية فقط ؟ هل الطيب صالح نال نجاحه وشهرته بالحقل الطبي ؟ وبروف عبد الله الطيب وغيرهم من فطاحلة السودان بختلف مجالاتهم ..

● العيش في وهم القطيع بارغام ابنائنا بدراسة أشياء لا يرغبونها بحجة التفاخر والكسب المادي لهو أمر محزن ومخزي في ذات الوقت؛ قد يرى كثير من اولياء الأمور ان دراسة الطب أو الهندسة على سبيل المثال لها القدرة على توفير مستقبل أفضل لأبنائهم ولكن ليس في كل الأحوال تكون النتيجة كما هو متوقعاً لها .. فتعريف النجاح ليس مقتصراً على دراسة كليات محددة أو ممارسة مهن بعينها ؟ فكما ذكرت سابقاً اغنى شخصيات في العالم لم تكن من الحقل الطبى اذا اعتبرنا الثراء وجه من أوجه النجاح ؟ واشهر ١٠ الف شخص على مستوى العالم لا اظن ان تذكر لنا فيهم شخصية طبيب واحد حتى وان وجدت في القائمة !! .. ومع ذلك للأطباء وصنوهم في باقي مجالات الحقل الطبي كل الاحترام والإجلال والشكر فهي مهنة الإنسانية قبل كل شيء .

● نريد بعد توقف هذه الحرب ان نرى ثورة تعليمية بحق وحقيقة في السودان تشمل كل المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى الجامعات؛ تأهيل كل الكليات وعلى رأسها كلية التربية .. لماذا لا نرى نسبة القبول في كليات التربية والعلوم تضاهى نسبة القبول في كليات الطب والهندسة ؟ فالمعلم هو أساس نهضة التعليم في البلاد .. تأهيل المعلم ورفعة شأنه من واجب الدولة؛ المعلم أولاً ثم البقية .

● أخيراً :

العلامة المصري المعروف الدكتور مصطفى محمود كان طبيباً جراحاً متفوقاً في مجاله ومع ذلك ترك المجال وتفرغ للكتابة فرأينا مصطفى محمود الكاتب والمفكر والأديب والفيلسوف والمتصوف وقد نال ما ناله من شهرة ونجاح بعيداً عن مشارط العلميات وغرف المستشفيات الكئيبة .. فالنجاح الحقيقي هو العمل فيما نحب لنحقق التفوق والابتكار وليس ان نجبر على فعل أشياء لإرضاء نوازع النقص في نفوسنا أو من أجل وضع اجتماعي أو مادي نزيل به فوارق متوهمة بيننا وبين الآخرين .

mozaart87@gmail.com


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب