الخرطوم: اليوم التالي
مساء هذا اليوم يهبط مطار الخرطوم محمد طاهر أيلا كأول عائد من المنفى الاختياري من قادة نظام الإنقاذ الذين غادروا البلاد عقب سقوط نظامهم في ١١ أبريل ٢٠١٩. اللافت في الأمر ليس العودة، بل الجهات التي نظمت له استقبالاً شعبياً وملأت الشوارع بصوره، رغم أنه أحد قيادات نظام الإنقاذ البائد والذين كانوا حتى وقت قريب متخفين حتى في وسائل التواصل الاجتماعي.
محمد طاهر أيلا أحد أذرع الرئيس المخلوع التي كان يفاخر بها ويعتمد عليها ويثق فيها لذا حينما أعلن البشير فرض حالة الطوارئ و«حل الحكومة» في 22 فبراير ٢٠١٨، وأبدى رغبته في تكوين حكومة مهام ذات كفاءة، لم يكن يتصور أحد أن يأتي حاكم ولاية الجزيرة السابق محمد طاهر أيلا، رئيساً جديداً للوزارة محل معتز موسى، الذي لم يكمل أربعة أشهر في المنصب مفجراً مفاجأة كبيرة وسط الطاقم الحاكم نفسه، ناهيك من الدهشة التي أصابت كثيراً من المراقبين.
وبحسب بروفايل سابق أعدته صحيفة الشرقة الأوسط فإن أيلا عرف بأنه «خلافي» و«غير وفاقي» داخل «المؤتمر الوطني» نفسه، بل سبق له أن خاض صراعات مع قياداته في الولايتين اللتان حكمهما وهما ولاية البحر الأحمر وولاية الجزيرة.
حينما كان عدد من قادة الإنقاذ يتحدثون عن من يخلف البشير ويطالبونه بالتنحي كان أيلا واحٌ من خيارات قادة الإنقاذ لخلافة البشير لأسباب كثيرة من بينها الكارزيما التي يتمتع بها.
إداري متسلط
لقد شغل أيلا من قبل عدداً من المناصب الدستورية والعامة، وخلال هذه المسؤوليات، يتردد أنه يستخدم نمطاً إدارياً «متسلطاً» في التعامل مع مرؤوسيه، بل ولا يتيح حتى لـ«قيادة الحزب» التدخل في قراراته، ما أدخلهم في صدامات معروفة ومعلنة معه في كل من بورتسودان والخرطوم، بيد أنه كان يجد السند دائماً من المركزي الحزبي والبشير، على وجه الخصوص. إلا أن مؤيديه المقرّبين منه، يفسرون انفراده بالقرار بأنه «نوع من الكاريزما» التي يمتاز بها، فهو يمسك بالملفات كافة بقبضة حديدية، ولا يتيح إلاّ لدائرة ضيقة من المقربين منه الاقتراب من مركز القرار.
والحقيقة أنه من الشخصيات التي يتباين الناس في تصنيفها… يحبه كثيرون، مثلما يكرهه كثيرون.
من هو أيلا؟
ولد محمد طاهر أيلا النور عام 1951 في مدينة جبيت، بولاية البحر الأحمر بشرق السودان. وينحدر من أسرة ثريّة تنتمي إلى قبيلة الهدندوة، التي تعد واحدة من أكبر مكوّنات قومية البجا المنتشرة في عموم شرق السودان وعلى الحدود المشتركة مع دولة إريتريا.
بعد دراسة الاقتصاد في جامعة الخرطوم، وبعد تخرجه مباشرة عمل في هيئة الموانئ البحرية، ثم ابتعث إلى بريطانيا، حيث التحق بجامعة كارديف للحصول على درجة الماجستير، وسمي قبيل وصول البشير للحكم، وعلى أيام العهد الديمقراطي بقيادة الصادق المهدي، سُمّي وزيراً ولائياً في شرق البلاد، قبل أن ينتقل مديراً لهيئة الموانئ البحرية بعد انقلاب الإسلاميين في 1989.
ثم في «حكومة الإنقاذ» اختير وزيراً للتجارة، ووزيراً للنقل، ثم وزيراً للاتصالات. وظل يتقلب في الوظائف حتى عاد في 2005 إلى بورتسودان والياً على ولاية البحر الأحمر التي ظل يحكمها حتى عام 2015، وبعد 2015 نقله البشير والياً لولاية الجزيرة وسط البلاد، بسبب خلافات بينه وبين قيادات تشريعية وحزبية تابعة للمؤتمر الوطني في عاصمة الولاية، وهناك تباينت حوله الآراء؛ الموالون يرونه حاسماً وإدارياً صارماً، أما مناوئوه فيصفونه بأنه «إقصائي، متفرد برأيه، لا يعمل ضمن فريق».
حرب على الفساد
يقدم أيلا نفسه بأنه حرب على الفساد. ولتأكيد ذلك كتب بعيد تعيينه رئيساً للوزراء على صفحته في «فيسبوك» الكلمات التالية: «لأجلكم قبلت التكليف وبكم نجتاز الصعاب، وسأضرب بيد من حديد، وحربي سأعلنها من لحظة أدائي للقسم، هي ضد الفساد والمفسدين».
ثم إنه من المسؤولين القلائل الذين يعملون على «تسويق أنفسهم» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويحرص على علاقة تواصل مباشرة بين مؤيديه ومعجبيه. ومهتم بالتواصل بوسائل التواصل الاجتماعي، فعودته اليوم كانت في رسالة على صفحته حدد فيها زمن وأهداف العودة.
– صراعات أيلا
صراعات أيلا مع خصومه الحزبيين تدور عادة حول «الصلاحيات»، ما يكسبه العداء، لكنه كان ينتصر عليهم بـ«الضربة القاضية»، عادة، وكما سبقت الإشارة، درج البشير على الانتصار له، ففي صراعه مع المجلس التشريعي وقيادات المؤتمر الوطني، أصدر البشير مرسوماً حل بموجبه المجلس التشريعي، وفرض حالة الطوارئ لصالحه، وعندما حاول الوطني في الجزيرة «عزله» وقدم مذكرة للبشير بهذا المعنى، حسم البشير الصراع لصالحه بضربة قاضية ثانية حين قال في مخاطبة جماهيرية إنه يؤيد بقاءه حاكماً للجزيرة، وأضاف: «سيبقى في المنصب إلاّ إذا قدر الله ورفضه أهل الجزيرة»، وهو عادة ما كان يقول عنه دائماً إنه «هديته لأهل الجزيرة»، ولم تفلح كل محاولات حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية في ولاية الجزيرة في الإطاحة بالرجل.
ولم تكن المطالبات بعزل أيلا من قبل البعض في ولاية الجزيرة حالة وحيدة، فإبان ولايته على البحر الأحمر – نشطت حملة في 2014 لجمع «مليون توقيع» لإقالته من منصبه، وكوّنت لذلك لجنة حملت اسم «اللجنة العليا للمطالبة بسحب الثقة عن الوالي»، لكن النصر على خصومه الحزبيين، عادة ما كان يأتيه عاجلاً من القصر الرئاسي آنذاك في الخرطوم. وبحسب صحيفة «الصيحة» ، فإن الصراع بين أيلا وحزب المؤتمر الوطني – والغرابة أنه كان يترأس الحزب بحكم منصبه – مرحلة عظيمة، واستخدمت فيه مختلف الأساليب، ووجهت خلاله انتقادات حادة لـ«مشاريع أيلا في مدني»، وخاصة الطرق، التي كشفت الأمطار، بحسب الصحيفة، عن وجود أخطاء هندسية لافتة في تصميمها.
ونقلت الصحيفة عن عبد القادر أبو ضريس، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس – وهو من المؤيدين لأيلا – أن الحملة ضد الرجل لا تتعدّى كونها «ناموسة في أذن فيل»، وأنها لا يمكن أن تؤدي إلى إزاحة الرجل، لأن المجموعة التي تشن الحملة، تعمل ضد الرجل لأنه «ضرب مصالحها». وتابع: «ما يثيرونه من إخفاقات ومخالفات مالية ضد أيلا لا تتعدّى كونها محض إشاعات وافتراءات مغرضة»، مضيفاً: «كانت هناك مراكز قوى في الولاية، ضُربت بمجئ أيلا للولاية».
ويرى كثيرون في الجزيرة، أن أيلا نفذ مشاريع كثيرة خلال إدارته للولاية، وعلى وجه الخصوص، الطرق والسياحة، ويقللون من أخطاء هندسية صاحبت إنشاء طرق وأرصفة، باعتبارها أخطاء عمل، وأن تضخيم الأخطاء يقلل من العمل.
لكن مناوئي أيلا ينظرون إلى الرجل بعين السخط ويقللون منه. وفي هذا نقلت «الصيحة» عن وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق بالولاية الحارث عبد القادر، أن أيلا «يتخذ القرارات منفرداً ولا يشاور حولها»، وهو ما أنتج أخطاء دفعت أعضاء بالمجلس التشريعي لصياغة «مخالفاته» في مذكرة قدمت له، لكنه «صم آذانه» عنها ما أدى لتفجر الصراع. ويعرف عن أيلا بحسب الحارث، أنه ينشئ فرقاً موازية موالية له في كل الوزارات يدير من خلالها العمل بعيداً عن الوهو الشيء الذي جعل المجلس التشريعي يسقط قانون رقابة، «صندوق إنفاذ التنمية» المقدم من قبله.
عودة أيلا
اختلفت التفاسير حول عودة الرجل اليوم عدد من المتابعين للشأن السياسي وصفوا العودة بأنها مؤشر لعودة قيادات الإنقاذ المهاجرة وتمديد لعادتها إلى الحكم، فيما رأى آخرون أن أيلا لم يكن لديه انتماء كثير للمؤتمر الوطني أو الإسلاميين عموماً مستهدفين بالمشاريع السياحية التي أنشأها الرجل في البحر الأحمر والتي كانت تجد كثيراً من الاعتراضات من بعض الإسلاميين الذين يصفونها بأنها تهدم المجتمع وتتجاوز الحريات.
القيادي بالشرق أحمد موسى عمر المحامي قال إن عودة أيلا علامة فارقة في المشهد السياسي السوداني القومي ومحاولة حصره شرقاً” تغبيش لتأثير عودته.
وأضاف: استقبال أيلا الجهري غير المسبوق هو رسالة واضحة بأن للشرق خصوصية لا تهتم بما خطته قوى إعلان الحرية والتغيير بحبرها على صحائفها الخاصة.. وقال: الشرق لا ينظر لانتماءات قياداته بقدر ما ينظر لعطاء تلك القيادات.
قيادي بمؤتمر البجا قال إن عودة أيلا اليوم تؤكد أنه رجل قومي وليس به أي ملفات فساد مشيراً لـ(اليوم التالي) أن الاستقبال الذي سيحدث به اليوم يؤكد ذلك.