مبادرة مزارعي الجزيرة.. مساع لجبر الضرر في ظل فشل الإدارة

الخرطوم : علي وقيع الله

لا يزال مزارعو مشروع الجزيرة يواجهون قسوة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فالمشروع بحالته الراهنة تشوبه كثير من المخاطر، نسبة لتجاهل وتقصير جهات الاختصاص؛ ممثلة في وزارة الزراعة، وركبها في تقليل تكاليف الإنتاج بشكل عام، بجانب غياب الأجسام التي تمثل المزارعين من اتحادات لوضع معالجات بصورة مطلوبة للتخفيف على المنتجين المتضررين من الآثار التي خلفتها السيول والأمطار مؤخراً ، إلى أن تصدرت مبادرة مزارعي مشروع الجزيرة للطوارئ المشهد لمساندة ومساعدة المنتجين المتضررين والذين تقع على عاتهم مديونيات واجبة التنفيذ والسداد، فماذا قدمت المبادرة من أجل المتضررين في ظل عدم وجود جسم رسمي لمناقشة قضايا المزارعين، وهل ستصمد المبادرة حتى تصل إلى نهايتها، أم ماذا..؟ فبعض الاقتصاديين المهتمين بالشأن يصفون أن القطاع الزراعي بوجه خاص؛ وضعه متأزم نسبة لعدم وجود ترتيب أو سياسات واضحة للموسم الزراعي مع توقف التمويل، وتشير ملاحظات هم إلى أنه لم تكن هناك أسعار مجزية للمزارعين، بل دخلوا في ديون متراكمة، ويرى البعض أن هذه المبادرة غالباً لا تمتلك فرصة للنجاح، بالرغم من وجود الفراغ الكبير الحالي في الأجسام النقابية والتي تمثل المزارعين.

التزامات وديون
في وقت أوصت فيه مبادرة مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل للطوارئ في اجتماع، بود مدني، قدم فيه رئيس المبادرة، سفيان النعمة، تعريفاً حول المبادرة وأهدافها وكيفية بحث سبل جبر الضرر للمزارعين، وذكر أن المزارعين المتضررين لديهم التزامات وديون واجبة التنفيذ، لدى البنوك وشركات التمويل الأصغر بحلول شهر نوفمبر القادم، مؤكداً أن غياب الجسم الرسمي للمزارعين للتحدث بأسمهم أثر على عدم انتباه الجهات الرسمية لهم.

العروة الشتوية
كما قدم رئيس المبادرة تنويراً حول أن المبادرة اجتمعت في بدايتها مع محافظ مشروع الجزيرة، عمر مرزوق، وبحثت كيفية مساعدة المزارعين المتضررين ودعمهم بالأسمدة والمبيدات، وهي ماغفلت عنه كل الجهات المانحة التي ساهمت في دعم المتضررين جراء السيول و الأمطار في المناقل، بالإضافة إلى كيفية تمويل الدولة للعروة الشتوية حتى يعوض المزارعين المتضررين.

مساند ومساعد
كما اجتمع رئيس المبادرة بوزير الري، الذي بدوره تحدث عن أن هناك دراسات معدة مسبقاً للمصارف ومواعين الري الأخرى، بيد أنها تتطلب التمويل اللازم من وزارة المالية، من جانب رئيس المبادرة طالب بإعفاء رسوم الري لهذا الموسم، بيد أن وزير الري لم يرد، كما التقى رئيس المبادرة بوالي ولاية الجزيرة، موضحاً له أن المبادرة ليست جسماً مطلبياً بل مساند ومساعد لتكملة العمل بالمشروع، بينما والي الجزيرة بدوره ذكر أن غياب الجسم الرسمي للمزارعين هو سبب تغييب المزارع، مؤكداً رعايته لمبادرة مزارعي الجزيرة والمناقل للطوارئ.

مخرجات الاجتماع
وأوضح مسؤول الإعلام بالمبادرة، محمد عبدالعظيم كاوير، استعجال الجهات الرسمية لجبر الضرر، بجانب مناقشة رسوم الإدارة والري التي تم تحديدها مؤخراً، وأكد معالجة العطش الحالي للخروج بمتبقي محاصيل العروة الصيفية حتى لا يتضرر مزارعون جدد، وطالب بتوفير المال اللازم لمزارعي إكثار البذور، وحث على ضرورو استنفار كافة المزارعين للمطالبة بفائض التأمين، وناشد بدعم البنك الزراعي وشركات التمويل ورفع سقف التمويل للمزارعين؛ مع تبسيط الإجراءات و تحديد سعر تركيزي للقمح، مع التزام الدولة به؛ مع عمل ضمانات بذلك.

مرحلة حرجة
يقول المزارع بمشروع الجزيرة، كمال ساري، إن الإدارة في الوقت الحاضر لا يوجد لها دور ملموس؛ مع إحجام الحكومة الممثلة في وزارة ماليتها عن دعم القطاع الزراعي، وبالأخص مشرع الجزيرة، مشيراً إلى أن المشروع يمر بمرحلة حرجة ومعقدة وانهيار تام، داعياً إلى أنه يحتاج إلى ترتيب أوضاع وأولويات في الصرف على صيانة البنى التحتية بالكامل، وأكد أن هذا يحتاج إلى موارد مالية بدعم مباشر من المزارعين أنفسهم؛ لأن الحكومة أعلنتها صراحة.. لا دعم للزراعة، وأمن على أنه يجب توجيه صرف الرسوم التي يقرها المزارعون، وتجمع وتوجه إلى الصيانة الدورية، وقال إن كان لابد من إدارة؛ يجب أن تكون إدارة رشيقة لا تتعدى العشرين موظفاً فقط لكل المشروع؛ مع وجود جسم رسمي يمثل المزارعين لإعانتها على أداء واجباتها اذا كانت هناك حوجة.

نسبة المستغل
بينما يصف الباحث الاقتصادي الدكتور، هيثم محمد فتحي، بأن الاقتصاد السوداني عموماً يمر بأزمة والقطاع الزراعي بوجه خاص وضعه متأزم، مستبعداً عدم وجود ترتيب أو سياسات واضحة للموسم الزراعي مع توقف التمويل، لجهة أنه لم تكن هناك أسعار مجزية للمزارعين، ودخلوا في ديون متراكمة، وبحسب حديثه.. فإن المساحات المزروعة لهذا الموسم لاتتجاوز 30% وفي بعض المناطق 15% فقط، ونوه دكتور فتحي – عبر تصريح ل(اليوم التالي) – إلى أن القطاع المروي يواجه مخاطر عديدة؛ أبرزها عدم جاهزية الري وعدم تطهير القنوات وصيانة الطلمبات وتجهيز السماد والبذور، مضيفاً.. الوقت المحدد للزراعة انتهى الآن ومساحات كبيرة أصبحت خارج دائرة الإنتاج، وقال.. يسهم القطاع الزراعي بشقيه بنحو 44 في المئة من إجمالي الناتج القومي، فضلاً عن كونه المحرك الأول للصناعات الزراعية، وتابع: على الرغم من أن السودان يمتلك نحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة، فإن نسبة المستغل منها لا تتجاوز 25%، وأشار إلى زراعة المساحات الأكبر سنوياً في القطاع المطري بحكم المحدودية النسبية للمساحات المروية، لافتاً إلى أنها من دون أي خطط للتوسع الأفقي أو الرأسي.

قضية التمويل
وأوضح د. هيثم : لقد ظلت دائماً الجهود تصطدم في كل عام بقضية التمويل والمدخلات من مبيدات وأسمدة وخلافه، وذكر أن العام الماضي استوردت البلاد مواد غذائية بقيمة مليارين ونصف المليار دولار، ومنها القمح والسكر واللبن المجفف وزيوت طعام ومواد أخرى مثل الخضروات، قائلاً : هذا لا يتناسب مع الموارد الهائلة التي يذخر بها السودان، مشيراً إلى أن المساحات المزروعية – حسب آخر إحصائية لبنك السودان المركزي – لا تتجاوز 45 مليون فدان، أي نحو خُمس المساحة الصالحة للزراعة في البلاد والمقدرة بنحو مائتي مليون فدان، وبالتالي المزارعون يعانون ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لسياسات الدولة، برفع أسعار كثير من السلع والمدخلات وعدم توفيرها في موعدها المحدد.

تراجع الإنتاج
وبذلك يتوقع د. فتحي حدوث تراجع كبير في الإنتاج الزراعي والصناعي خلال المرحلة المقبلة، ويلفت النظر إلى أن 80% من العاملين فى الوسط النقابى المسؤولين عن حقوق العمال، ليس لهم علاقة بالعمل النقابى من الأساس، وأبان أن كل سياسيي السودان لا يحتاجون للعمال ولا يقتربون منهم إلا أوقات الانتخابات، ويعتبر أن حالة الخوف من المستقبل والقدرة على تأمين لقمة العيش بعد مسلسل الارتفاع في الأسعار وتضرر كثير من المزارعين جراء السيول والأمطار والفيضانات، كلها تجعل هؤلاء المزارعين يعيشون الخوف من شكل الغد وما يحمله من صعوبات اقتصادية ومفاجآت.

الفراغ الكبير
فيما قال المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب، إن اتحاد مزارعي السودان واتحاد مزارعي الجزيرة؛ أجسام فضفاضة تعود بالنفع للقيادات ولا فائدة منها قط للمزارعين، ويرى أن مزارعي مشروع الجزيرة بحاجة ماسة لإنشاء تكتلات أو روابط لمنتجي كل سلعة على حده؛ للتعاقد على أفضل أنواع البذور المحسنة والسماد والمبيدات والإرشاد الزراعي الجيد، بجانب أنهم بحاجة للحصول على أفضل تسويق ممكن لكل سلعة على حده، وهي أشياء لا يستطيع جسم باسم مزارعي الجزيرة أن يساعد عليها، وأوضح أن تجربة جسم مزارعي الجزيرة أكدت أنه جسم سياسي، وأنه فرصة للثراء بالقيادات على حساب المزارعين، ولذلك يجب إقفال الباب أمام هذا النوع من الكيانات غير المفيدة، وحث بالمضي قدماً نحو إنشاء تكتلات وروابط لكل سلعة زراعية على حده، للحصول على أفضل العروض للمدخلات الزراعية، وأيضا أفضل تسويق ممكن للسلع وأفضل أنواع التمويل الذي يتناسب مع كل سلعة على حده، وقال عبر إفادته ل(اليوم التالي) إن هذه المبادرة غالباً لا تمتلك فرصة للنجاح، بالرغم من وجود الفراغ الكبير الحالي في الأجسام النابية؛ لأن المزارعين باتوا الآن أحراراً خاصة بعد قانون 2005، مشيراً إلى أنه لا يوجد دعم لكل العمليات الزراعية من أسمدة ووقود، و بالتالي باتت معظم أدوات اتحاد مزارعي الجزيرة التي كان يسيطر بها على المزارعين غير موجودة.