سجال السفيرين .. هل أصبح السودان مسرحاً لتصفية الحسابات؟

تقرير: الخواض عبد الفضيل
هاجمت سفارة روسيا في الخرطوم، السفير الأميركي في السودان جون غودفري؛ وقالت إنه يتعامل مع السودانيين بلغة التهديد، وقال غودفري ـ الثلاثاء ـ إن العزلة الدولية على الرئيس الروسي وبلاده تتزايد بسبب الغزو غير المبرر من روسيا لأوكرانيا، محذراً من عواقب إقامة قاعدة بحرية عسكرية لموسكو على ساحل البحر الأحمر في السودان، وقالت سفارة روسيا، في بيان تلقته “سودان تربيون”، إن ” غودفري يحاول أن يتكلم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة السودان في سياساته الخارجية”، وأرجعت ذلك إلى قلة خبرة السفير جون غودفري واستنساخه لتعاملات وزارة الخارجية الأميركية المتعالية، بعيداً عن الملاءمة الدبلومسية. واعتبرت حجج غودفري عن النظام العالمي الحالي سخيفة، خاصة حديثه عن عزلة روسيا .وأشارت سفارة موسكو إلى أنها تعتزم تطوير علاقة روسيا مع السودان للتعاون على مبادئ الاحترام والمنفعة المتبادلة والمتساوية التي لـ“الأسف تتناساها واشنطن دائماً”.

محمد محي الدين: مثل هذا الصراع لديه تداعيات وتأثيرات على الأمن القومي السوداني
يقول المحلل السياسي محمد محي الدين خلال حديثه لـ(اليوم التالي) إن السجال الروسي الأمريكي بين سفيري الدولتين هو دليل التنافس الدولي على السودان وتقاطع المصالح الدولية، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التسابق لديه أبعاد خطيرة على الأمن القومي السوداني سينقل السودان الى بؤرة للصراع الدولي وأن الصراع أنواعه مختلفة يمكن أن يكون صراعاً اقتصادياً، سياسياً، استخباراتياً، ومن المؤكد مثل هذا الصراع لديه تداعياته وتأثيراته على الأمن القومي السوداني ويمضي بالقول: في بعض المناطق أدى هذا الى صراع مسلح وحروب بالوكالة مثل سوريا، مشيراً الى أن مثل هذا الحديث من الناحية الدبلوماسية، السفيران الروسي والأمريكي يتحدثان بهذه الطريقة في قضايا الداخل السوداني هذا دليل على وجود هشاشة في الأوضاع السياسية، كل طرف من الأطراف أنه يتدخل في الشأن الداخلي السوداني لافتاً إلى أن مثل هذا الحديث يساعد في فرز المجتمع السوداني بين مؤيدي أي طرف من الأطراف ويسمح لتغلغل الأجندات الخارجية في المشهد السياسي السوداني مما يزيد المشهد تعقيداً، وأضاف أن هذا الصراع والتنازع الأمريكي ـ الروسي لديه شواهد، أمريكا لا تريد لروسيا أن يكون لها وجود في المنطقة خاصة وجودها في البحر الأحمر وتحركها في مجال الاستثمار الاقتصادي في أكثر من مجال في السودان، ونوه الى أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد تعين سفيرها تريد إقصاء الدور الروسي من السودان خاصة وأن روسيا متواصلة مع أكثر من جهة، وهنالك مصالح للسودان مع روسيا، وهذا يحتاج من الدولة حنكة في التعامل مع هذه القضية، والسودان ليس أول دولة يكون بها تنافس ما بين القوى الدولية على الصالح فيها، لذلك يجب على السودان أن يدير علاقاته بما يتسق مع المصالح القومية بسياسة خارجية تنأى بالانتماء الى محور من المحاور، لكن تبحث عن المصالح في أي علاقة مع أي دولة من دول العالم، وإذا تحدد هذا الأمر بالوضوح الكافي في التعامل مع الجانبين الأمريكي ـ الروسي، فيمكن أن نحجم من تأثيرات الصراع ونحدث توازناً في مصلحة السودان بالاستفادة من علاقات السودان مع كل دولة على حده من الدولتين، وتابع: أما أن يدعم محور من المحاور ودولة من الدول على حساب الثانية، فربما يزيد من حدة الصراع ويجعل السودان عرضة للضغوطات لأي طرف من الأطراف الذي يتم إقصائه من المشهد السياسي السوداني.

مصعب محمد علي: السجال بين السفير الأمريكي والروسي هو امتداد للصراع بين الدولتين
وقال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد على لـ(اليوم التالي): أعتقد أن السجال بين السفير الأمريكي والروسي هو امتداد للصراع بين الدولتين في العالم في هذه الفترة، وأيضاً يقرأ في سياق تنافسهما على السودان ومحاولة إيجاد موطئ قدم لهما في السودان، ويمكن القول أيضاً إن الصراع بينهما حول مصالحهما في السودان، باعتبار أن السودان دولة تحاول الدولتان كسبهما لما له من تأثير في المنطقة، وبالتالي فإن هذا السجال يمكن أن يتطور مستقبلاً في محاولة كل دولة دعم أطراف سودانية ضد الأخرى، وزاد: وهذا غير مستبعد.. الصراع بينهما في هذه الفترة متعلق بموضوع القاعدة الروسية في البحر الأحمر لذا أشار السفير الأمريكي في حواره مع صحيفة سودانية الأمر الذي جعل السفير الروسي يرد عليه وهذا يوضح طبيعة الصراع بينهم في السودان.

معتذ صالح: هذا الحديث تجاوز لخصوصية الأوضاع في السودان
أما القيادي في الحرية والتغيير المجلس المركزي يري خلال حديثه لـ(اليوم التالي): مثل هذا الحديث المتبادل ما بين سفراء روسيا وأمريكا داخل أطرهم السياسية بين والدبلوماسية في أنفسهم وأن هذا الحديث تجاوز لخصوصية الأوضاع في السودان وقال: إذا كانت هنالك وجهات نظر دبلوماسية بين الدولتين، فمن المفترض تحل بعيداً عن السودان لأن ذلك فيه مشكلتان، عدم مراعاة السيادة الوطنية للسودان بالإضافة الى أنه مدعاة لإحداث جدل سياسي حول مواقف الطرفين، ومن المؤكد مواقف الطرفين به مؤيد وضد من ناحية أخرى قد يرون تصريحاتهما هذه فيها نوع من الوضوح خاصة الأمريكان يرون تصريحاتهم بها شيء من الوضوح في موقفهم حيال الأوضاع في السودان، ونوه الى أن الطرفين لم يراعيا حساسية الموقف في السودان وتصفية الحسابات تكون بعيداً عن قضايا السودان ومضى بالقول: على الأجهزة الأمنية والعسكرية يجب أن يكون لديهما موقف من هذا الأمر ببيان حتي يحفظوا سيادة الدولة ولفت معتز الى أن على القوى السياسية أن يكون لها دور بأن تحث الطرفين على احترام خصوصية السودان، والانضباط الدبلوماسي جازماً بأن الشفافية مطلوبة، خاصة وأن هذه الصراعات في بعض الدول الأخرى لها أشكال مختلفة قادتها مثل هذه الصراعات بين الدول الكبرى.

أحمد عابدين: ما فعله السفيران الأمريكي والروسي تجاووز للأعراف الدبلوماسية
من ناحيته قال الباحث في العلوم السياسية أحمد عابدين في حديثه لـ(اليوم التالي): هذا السجال يختصر الطريق أمام الباحثين عن وصف حالنا اليوم، ضعف وهوان وتنافس علناً على السيطرة علينا وتجاوز للأعراف الدبلوماسية والقوانين التي تنظم العلاقة بين الدول، بل تعدٍ صريح على سيادتنا، فالسفير الأمريكي نصب نفسه حاكماً مستعمراً يردع من يشاء ويوجه ويلتقي بمن يريد ويوصف علاج أمراضنا بوصفته دون تردد، فهو يثق تماماً أن حكومتنا غارقة في الصراعات لأجل الامتيازات وأنه ـ أي السفير الأمريكي ـ لديه حاضنة سياسية وطنية تأتمر بأمره، وتوفر له التبرير، تابع: السودان يعيش اليوم أرذل أيام عمره، ولا بواكي عليه، فلك أن تتخيل أن حضرة السفير يدعي أن نقابة الصحفيين الحالية شرعية، وأن دستور لجنة المحامين هو الحق كاملاً، والسفير يذهب ليلتقي اعتماد أوراقه ببعض أسر الشهداء ويوعدهم بنصر قريب، ثم ينقل علناً الصراع مع روسيا من أوكرانيا للخرطوم ويهدد ويحذر، فماذا بقي لنا من سيادة ومن تعريف كدولة مستقلة وزاد: الحقيقة والملاحظ الفرق الكبير بين سياسة نظام الإنقاذ بالذات في هذه الجزئية (قوة وسيادة القرار الوطني)، وبين سياسة الأحزاب والسياسيين الذين ورثوا الوطن بعد تغيير سبتمبر فستجد أن أخذ صورة مع مسؤول سفارة هي قمة الفرح لدى هؤلاء الناشطين وتمثل لهم نصراً عظيماً على الكيزان فهم الوطن عندهم فقط أن تغيظ الكيزان وبعدها فليحكمنا المتحدث باسم البيت الأبيض، ما فرقت وليذهب القرار الوطني ليدار بواسطة الخارجية السعودية، ما فرقت، بل فليتقاتل الروس والأمريكان في شوارع الخرطوم ما فرقت، وأردف: هذا الوضع يجب أن يصححه الشعب والقوى الوطنية الحقيقية وأهل الوجعة وعلى قادة القوات المسلحة الانتباه أن هذا الشعب سينفجر قريباً ليس جراء غلاء المعيشة وضيق الحال، وإنما لإيقاف هذا الاستعمار العلني فإما أن يضعوا لهذا العبث حدود، وإما سيضعهم الشعب في كوبر.
من ناحيته قال المحلل السياسي دكتور أزهري بشير في حديثه لـ(اليوم التالي): الحكومة الأمريكية أرسلت سفير أمريكي الخرطوم بعد انقطاع دام ثلاثين عاماً، وهذا يعتبر فتح باب جديد العلاقات السودانية الأمريكية، مما يعتبر تعزيزاً لتقوية العلاقات، ويبدو أن حكومة بايدن أكثر حرصاً على تطوير العلاقات الأميركية الأفريقية عبر السودان لاعتبارات سياسية واقتصادية في المستقبل القريب.
علماً بأن هنالك علاقات قوية بين الشعوب، وخاصة أن في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد بها جالية سودانية محترمة وكبيرة، بعكس روسيا، وتابع: أما العلاقات السودانية الروسية، فموجودة في فترة حكومة البشير، ثلاثون عاماً، ولكن لم يستفد الشعب السوداني ولا الحكومات من العلاقات الروسية، وحتى عدد السودانيين في روسيا قليل، وزاد: وبالتالي المرحلة الجديدة الآن تتطلب فتح العلاقات مع كافة الدول، وبخاصة أمريكا، وذلك لعدة أسباب، أولاً: عاش السودان عزلة دولية ثلاثون عاماً، بدون فائدة جنتها حكومة الإنقاذ، التي قطعت علاقتها مع كافة دول العالم، حتى إيران الحليف القوي للإنقاذ، قامت حكومة الإنقاذ بقطع العلاقات مع إيران، بجانب أمريكا. وبالتالي أصبح السودان دولة معزولة دولياً، وبدون أسباب واضحة.
الآن يجب على حكومة البرهان أن ترمم ملف العلاقات الخارجية وأردف: أمريكا دولة عظمى، وتحسين العلاقات السودانية الأمريكية مهم جداً في هذه المرحلة، والشعب السوداني يحتاج إلى استقرار اقتصادي أولاً، وسياسي ثانياً، ومجئ سفير أمريكي يعتبر إعادة العلاقات وبقوة، حيث أن أهمية العلاقات السودانية الأمريكية،
تكمن في تطوير وتحسين العلاقات مع البنك الدولي، وإعفاء ديون السودان بشكل عملي، وفتح ملف صادرات السودان مباشرة الى أمريكا، علماً بأن أمريكا محتاجة للعديد من السلع والموارد السودانية، مثل الصمغ، القطن، المعادن، اللحوم، الغاز والبترول..
استشراف مستقبل العلاقات
مضى قائلاً: يتطلب ذلك أن يكون هنالك دستور دائم، لحفظ هذه العلاقات الخارجية وفق قانون ونظام ثابت، متوقع إجراء تغييرات واسعة، وانفتاح في العلاقات الخارجية، والسودان يحتاج الى توسيع دائرة العلاقات والصداقة مع الشعوب والحكومات المختلفة، ويمكن أن يلعب السودان دوراً محورياً واستراتيجياً في منطقة الشرف الأوسط وأفريقيا خاصة، بما يميز السودان من مقومات الدولة العظمى.. فقط على الفرقاء والنخب السياسية في السودان أن تجلس وتتواضع ليكون هنالك قاسم مشترك يجمع الجميع، وهذا القاسم المشترك هو السودان ومصالحه، وحفظ الأمن، وتحقيق السلام الشامل والتنمية المستدامة وطالب أزهري الحكومة القادمة أن تضع استراتيجية واضحة لبناء علاقات خارجية مبنية على مصالح السودان العليا والاستراتيجية، أولها استقلالية القرار والسيادة وكرامة الإنسان السوداني، واحترام الدول بشكل عام، والاستفادة من خبرات الدول العظمى، فسياسة الاحترام المتبادل مع الدول يساعد على تطوير وتقدم البلاد والعباد..