قمة البحيرات العظمى… الطريق لتدويل إرهاب الميليشيا

السودان – اليوم التالي

مهند عوض محمود

انعقدت القمة التاسعة لمجموعة دول البحيرات العظمى في كينشاسا تحت عنوان: «تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى»؛ وهو عنوان يعكس منذ اللحظة الأولى أن القمة جاءت لمواجهة تهديدات مباشرة تمس استقرار الإقليم، لا لإطلاق دعوات عامة أو صياغات بروتوكولية؛ فمجرد اختيار هذا العنوان يعني أن المنطقة تواجه اختلالات أمنية فعلية تستدعي تدخلاً جماعياً؛ كما يعني أن الأمن لم يعد يُقرأ داخل حدود كل دولة بمعزل عن الأخرى، بل كوحدة مترابطة تتشارك المخاطر نفسها؛ وهو ما يجعل إدراج الحرب السودانية تحت هذا العنوان نقلة لافتة، لأنها تعني اعتبار ما يجري في السودان تهديداً لبنية الأمن الجماعي، لا أزمة محلية يمكن تركها لتفاعلات الداخل.

وقد جاءت القمة بجدول أعمال صريح يهدف إلى معالجة التهديدات الأمنية المباشرة التي تتجاوز حدود الدول وتؤثر في استقرار الإقليم بأكمله؛ فالإقليم يشهد حالة من التشابك بين النزاعات والحركات المسلحة وشبكات تهريب الذهب والسلاح؛ ما يجعل معالجة الأزمات محكومة بمنطق جماعي لا بمنطق الدولة المنفردة.

في هذا السياق برز ملف السودان كأحد العناصر الأكثر حضوراً؛ إذ تمكنت الدبلوماسية السودانية من انتزاع أول اعتراف إقليمي رسمي يصنف ميليشيا الدعم السريع كـ«منظمة إرهابية» مهددة للأمن الجماعي؛ وهو تحول نوعي يعيد وضع الحرب السودانية داخل إطار الأمن الإقليمي، ويمنح الخرطوم سنداً سياسياً وقانونياً غير مسبوق منذ اندلاع الصراع.

وقد لعب الوفد السوداني برئاسة الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم دوراً محورياً في هذا التحول؛ إذ قدم في الجلسة المغلقة عرضاً مفصلاً تضمن الفظائع التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر وغيرها؛ وربط بين جرائمها وبين شبكات التهريب التي تمتد من غرب السودان إلى ليبيا وتشاد والنيجر؛ موضحاً كيف أصبحت هذه الشبكات جزءاً من منظومة إقليمية تُغذي اقتصاديات الحرب وتتيح تدفقات بشرية وسلاحية لا يمكن فصلها عن المشهد الأمني الأوسع في البحيرات والساحل. هذه المقاربة جعلت تصنيف الميليشيا خطوة منطقية داخل أجندة القمة، ومنسجمة مع هدفها في تعزيز الأمن الجماعي.

وعليه اعتمدت القمة توصيات المجلس الوزاري ووزراء الدفاع والأجهزة الأمنية؛ بما في ذلك التصنيف الإرهابي للدعم السريع؛ ووجهت السكرتارية التنفيذية لحشد الدعم داخل الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن لإدانة الفظائع التي ارتكبتها الميليشيا؛ واعتمدت ضوابط جديدة لتنظيم تجارة الذهب والمعادن النفيسة لضمان عدم استغلالها في تمويل الجماعات المسلحة. وقد جاء هذا الربط بين العنف والاقتصاد الموازي ليعكس إدراكاً إقليمياً بأن تجارة الذهب أصبحت أحد أهم شرايين تغذية الفوضى في المنطقة.

ويتضاعف وزن هذا القرار حين يوضع في سياق تاريخ منظومة البحيرات العظمى؛ إذ سبق للمنظومة أن لعبت أدواراً محورية تحولت توصياتها فيها إلى قرارات دولية. ففي أزمة الكونغو عام 2013؛ حين تمردت حركة M23 وسيطرت على مناطق واسعة من شمال كيفو المحاذية لرواندا، انعقدت اجتماعات وزارية طارئة في كمبالا وبوجمبورا؛ توصياتها نُقلت لاحقاً إلى الاتحاد الإفريقي؛ ثم اعتمدها مجلس الأمن في القرار 2098 الذي أنشأ «لواء التدخل السريع» كأول تفويض هجومي في تاريخ عمليات حفظ السلام.

وفي بوروندي عام 2015–2016؛ حين تفجرت الاضطرابات عقب إعلان الرئيس بيير نكورونزيزا الترشح لولاية ثالثة في خطوة اعتُبرت خرقاً لاتفاق أروشا؛ أصدرت منظومة البحيرات توصيات لحماية المدنيين ووقف العنف؛ وتبناها الاتحاد الإفريقي؛ ثم تطورت إلى قرار مجلس الأمن 2279 الذي ألزم الحكومة البوروندية بتعاون موسّع.

انعقدت القمة التاسعة لمجموعة دول البحيرات العظمى في كينشاسا تحت عنوان: «تعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى»؛ وهو عنوان يعكس منذ اللحظة الأولى أن القمة جاءت لمواجهة تهديدات مباشرة تمس استقرار الإقليم، لا لإطلاق دعوات عامة أو صياغات بروتوكولية؛ فمجرد اختيار هذا العنوان يعني أن المنطقة تواجه اختلالات أمنية فعلية تستدعي تدخلاً جماعياً؛ كما يعني أن الأمن لم يعد يُقرأ داخل حدود كل دولة بمعزل عن الأخرى، بل كوحدة مترابطة تتشارك المخاطر نفسها؛ وهو ما يجعل إدراج الحرب السودانية تحت هذا العنوان نقلة لافتة، لأنها تعني اعتبار ما يجري في السودان تهديداً لبنية الأمن الجماعي، لا أزمة محلية يمكن تركها لتفاعلات الداخل.

وقد جاءت القمة بجدول أعمال صريح يهدف إلى معالجة التهديدات الأمنية المباشرة التي تتجاوز حدود الدول وتؤثر في استقرار الإقليم بأكمله؛ فالإقليم يشهد حالة من التشابك بين النزاعات والحركات المسلحة وشبكات تهريب الذهب والسلاح؛ ما يجعل معالجة الأزمات محكومة بمنطق جماعي لا بمنطق الدولة المنفردة.

في هذا السياق برز ملف السودان كأحد العناصر الأكثر حضوراً؛ إذ تمكنت الدبلوماسية السودانية من انتزاع أول اعتراف إقليمي رسمي يصنف ميليشيا الدعم السريع كـ«منظمة إرهابية» مهددة للأمن الجماعي؛ وهو تحول نوعي يعيد وضع الحرب السودانية داخل إطار الأمن الإقليمي، ويمنح الخرطوم سنداً سياسياً وقانونياً غير مسبوق منذ اندلاع الصراع.

وقد لعب الوفد السوداني برئاسة الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم دوراً محورياً في هذا التحول؛ إذ قدم في الجلسة المغلقة عرضاً مفصلاً تضمن الفظائع التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر وغيرها؛ وربط بين جرائمها وبين شبكات التهريب التي تمتد من غرب السودان إلى ليبيا وتشاد والنيجر؛ موضحاً كيف أصبحت هذه الشبكات جزءاً من منظومة إقليمية تُغذي اقتصاديات الحرب وتتيح تدفقات بشرية وسلاحية لا يمكن فصلها عن المشهد الأمني الأوسع في البحيرات والساحل. هذه المقاربة جعلت تصنيف الميليشيا خطوة منطقية داخل أجندة القمة، ومنسجمة مع هدفها في تعزيز الأمن الجماعي.

وعليه اعتمدت القمة توصيات المجلس الوزاري ووزراء الدفاع والأجهزة الأمنية؛ بما في ذلك التصنيف الإرهابي للدعم السريع؛ ووجهت السكرتارية التنفيذية لحشد الدعم داخل الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن لإدانة الفظائع التي ارتكبتها الميليشيا؛ واعتمدت ضوابط جديدة لتنظيم تجارة الذهب والمعادن النفيسة لضمان عدم استغلالها في تمويل الجماعات المسلحة. وقد جاء هذا الربط بين العنف والاقتصاد الموازي ليعكس إدراكاً إقليمياً بأن تجارة الذهب أصبحت أحد أهم شرايين تغذية الفوضى في المنطقة.

ويتضاعف وزن هذا القرار حين يوضع في سياق تاريخ منظومة البحيرات العظمى؛ إذ سبق للمنظومة أن لعبت أدواراً محورية تحولت توصياتها فيها إلى قرارات دولية. ففي أزمة الكونغو عام 2013؛ حين تمردت حركة M23 وسيطرت على مناطق واسعة من شمال كيفو المحاذية لرواندا، انعقدت اجتماعات وزارية طارئة في كمبالا وبوجمبورا؛ توصياتها نُقلت لاحقاً إلى الاتحاد الإفريقي؛ ثم اعتمدها مجلس الأمن في القرار 2098 الذي أنشأ «لواء التدخل السريع» كأول تفويض هجومي في تاريخ عمليات حفظ السلام.

وفي بوروندي عام 2015–2016؛ حين تفجرت الاضطرابات عقب إعلان الرئيس بيير نكورونزيزا الترشح لولاية ثالثة في خطوة اعتُبرت خرقاً لاتفاق أروشا؛ أصدرت منظومة البحيرات توصيات لحماية المدنيين ووقف العنف؛ وتبناها الاتحاد الإفريقي؛ ثم تطورت إلى قرار مجلس الأمن 2279 الذي ألزم الحكومة البوروندية بتعاون موسّع.

أما أزمة رواندا–الكونغو (CNDP) في 2008–2009؛ فقد أفضت قمم نيروبي وغوما إلى اتفاقيات نزع السلاح ودمج جزء من المقاتلين في الجيش الكونغولي وإطلاق عمليات مشتركة ضد ميليشيات الهوتو (FDLR)؛ واعتمدت لجان الخبراء الأممية تلك الوثائق كمرجعية لإعادة صياغة مهام حفظ السلام في الكونغو.

هذه السوابق تؤكد أن قرارات البحيرات قابلة للتحول إلى مسار دولي متكامل؛ وأن تصنيف الدعم السريع ليس نهاية في ذاته، بل خطوة أولى يمكن أن تتطور إلى عقوبات؛ مراقبة للحدود؛ تجميد للأصول؛ أو حتى آليات مساءلة داخل الهياكل الإفريقية والدولية.

ويمتلك السودان اليوم فرصة لتوسيع أثر هذا القرار عبر تفعيل منظومات إقليمية موازية؛ فالإيغاد ذات خبرة طويلة في إدارة أزمات القرن الإفريقي؛ والكوميسا تمتلك أدوات اقتصادية قادرة على تعطيل شبكات التمويل غير المشروع؛ والسادك تملك ثقلاً عسكرياً وسياسياً ظهر في عملياتها في الكونغو وموزمبيق. أما الإيكواس فهي الأكثر صرامة في آليات العقوبات والضغط الجماعي؛ إذ تمتلك سوابق واضحة في فرض حصار اقتصادي كامل خلال ساعات كما حدث في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر؛ وتملك بروتوكولاً إقليمياً يمنحها صلاحيات تجميد الأصول وإغلاق الحدود وتعليق العضوية؛ كما أنها المنظمة الإفريقية الوحيدة التي تمتلك قوة تدخل فعلية «ECOMOG» التي استُخدمت في ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو؛ ما يجعلها الإطار الأقدر على تحويل المواقف السياسية إلى إجراءات رادعة ذات أثر مباشر.

ويمتلك السودان إلى جانب هذه المنظومات الإقليمية منصة استخبارية فاعلة تتمثل في لجنة أجهزة الأمن والمخابرات الإفريقية (السيسا)، وهو أحد مؤسسيها؛ ما يمنحه قدرة على تقديم ملف مهني مفصل حول طبيعة ميليشيا الدعم السريع وارتباطاتها العابرة للحدود؛ كما تتيح السيسا للسودان الدفع نحو إدراج الميليشيا ضمن قوائم التهديدات الأمنية المشتركة، وهي القوائم التي تستند إليها تجمعات مثل السادك والإيكواس في تبني إجراءاتها حتى وإن لم يكن السودان عضواً فيها؛ فهذه المنظومات تتحرك عادة عبر ما يرفعه الاتحاد الإفريقي من ملفات، وعبر جلسات الإحاطة والزيارات الخاصة، وعبر الدول المؤثرة داخلها، ما يجعل تأثير الخرطوم ممكناً ومباشراً رغم عدم تجميد العضوية .

لقد أعادت قمة البحيرات العظمى رسم صورة الحرب السودانية داخل الوعي الإفريقي؛ فلم تعد الحرب شأناً داخلياً، بل تهديداً إقليمياً متشابكاً يتداخل مع تجارة الذهب والتهريب وحركة المجموعات المسلحة. وبنجاح السودان في فرض سرديته على منصة إقليمية بهذا الوزن؛ بات يمتلك قاعدة سياسية وقانونية يمكن البناء عليها لإطلاق مسار طويل يعيد تشكيل معادلة القوة؛ ويقود نحو محاسبة دولية وتجفيف لموارد الميليشيا؛ ويعيد للسودان موقعه الطبيعي لاعباً مركزياً في هندسة أمن الإقليم لا تابعاً لمجرى الأحداث وفقا لمصادر وكالة المحقق الإخبارية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب