مهند عوض محمود – اليوم التالي
لم أتغيّب عن الكتابة إلا مُكرَهًا؛ فازدحام الأسفار وضغط الارتباطات خطفا مني بضعة أيام لم أتواصل فيها مع القارئ الكريم كما اعتدت. لكن ما خفّف وطأة هذا الانقطاع هو تلك الرسائل والاتصالات الراقية التي وصلتني من قرّاء وأصدقاء أوفياء، يسألون عن المقال قبل أن يسألوا عن صاحبه. لهم جميعًا خالص الشكر والتقدير؛ فالكلمة تحيا بمتابعتهم، والقلم يشتدّ بوفائهم.
غير أن للغياب القصير حسناته؛ فهو يمنح المرء مسافة للتأمل يرى منها المشهد السوداني بأبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية، بعيدًا عن تعقيدات اللحظة اليومية وحرارة الاصطفافات.
فنحن أمام مرحلة مفصلية تتشابك فيها تحدّيات الاقتصاد في ظل الحرب مع اهتزاز بعض المؤسسات الاقتصادية؛ وتتقاطع فيها التدخّلات والأطماع الخارجية مع مقاومة واصطفاف داخلي يحاول صون ما تبقّى من القرار الوطني، في وقت تتكاثر فيه المؤامرات في الداخل والخارج، من بعض بني جلدتنا قبل غيرهم.
مرحلةٌ لا بدّ فيها من خطابٍ عقلاني يعيد ترتيب الأسئلة الكبرى:
من يملك القرار؟
إلى أين تتّجه البوصلة؟
ومن يدفع ثمن هذا الاستنزاف الذي صار الملمس اليومي لحياة الناس؟
وسأعود إلى هذه الأسئلة قريبًا، مستندًا إلى متابعة دقيقة وقرب مباشر من تفاصيل المرحلة، لتقديم قراءة أعمق لمسارات الحرب، وخريطة التوازنات الإقليمية، ومآلات الاقتصاد، وما يمكن أن يفتح بابًا لحلٍّ شاملٍ لا يُقصي أحدًا ولا يُبقي السودان رهينة لمشاريع الآخرين.
أجدد شكري لكل من تواصل وسأل واهتم، وأعدُ القارئ الكريم بأن القلم سيظل حاضرًا، مهما أثقلت الأيام بخطواتها.
