غودفري.. هل أنت وصي على السودان؟!

النذير إبراهيم العاقب
الثلاثاء الماضي، وفي تصريحات غاية في السخافة وتنم عن جهل دبلوماسي كبير، حذر غودفري الحكومة السودانية من التداعيات في حال سمحت بإقامة منشأة عسكرية روسية على البحر الأحمر شرقي البلاد.
وقال في مقابلة مع صحيفة التيار، تابعنا تقارير إخبارية تكشف عن سعي روسيا تنفيذ اتفاقية سابقة مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير في عام 2017 لإقامة منشأة بحرية في بورتسودان.
وفي لهجة آمرة، وكأن غودفري وصي على السودان، جدد تحذيره بالقول: (إذا قررت حكومة السودان المضي قدماً في إقامة هذه المنشأة أو إعادة التفاوض حولها سيكون ذلك ضاراً بمصالح السودان)، وذكر أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من عزلة السودان في وقت يريد معظم السودانيين أن يصبحوا أكثر قرباً من المجتمع الدولي.
والغريب في الأمر أنه عاد للتأكيد على تمتع جميع البلدان بالحق السيادي في اختيار البلدان الأخرى التي تنشئ شراكات معها، وعاد ليبين: (لكن هذه الخيارات لها عواقب).
وقال غودفري إن بلاده ترغب في أن تكون شريكاً للسودان، ويمكنها أن تكون شريكاً جيداً، لكن المفتاح الذي يفتح الباب أمام تعاون أكبر بين الحكومتين الأمريكية والسودانية هو تشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية وإطار انتقالي يعيد الانتقال الديمقراطي في السودان.
وللأسف الشديد لم تحرك الحكومة السودانية ساكناً حتى الآن لكبح جماح السفير الأمريكي وإيقافه عند حده، ولم تعقب على تصريحات السفير الأمريكي التي أقل ما يمكن أن توصف به (الرعونة والسذاجة والجهل الدبلوماسي بشأن مهام السفير والسفارات في البلدان المبعوث لديها.
وهاجمت السفارة الروسية في السودان الأربعاء الماضي السفير الأمريكي على خلفية تصريحات الساذجة تلك، وقالت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن غودفري المُعين حديثاً والذي وصل مؤخراً إلى الخرطوم، وهو يعوض سطحية معرفته بالسودان بمصادر مشبوهة، قرر في مقابلته الأخيرة مع صحيفة التيار، أن يتطرق إلى العلاقات الروسية السودانية،
وأضافت: على ما يبدو، وبسبب قلة خبرته وكذلك استنساخه لتعاملات وزارة الخارجية الأمريكية المتعالية، بعيداً كل البعد عن الملاءمة الدبلوماسية، يحاول السفير الأمريكي مثل أسلافه أن يتكلم مع الشعب السوداني بلغة التهديدات والإنذارات النهائية في شأن سيادة الخرطوم في سياساتها الخارجية، تظهر حججه حول النظام العالمي الحالي سخيفة، والأكثر سخافة تصريحاته حول ما يسمى بعزلة روسيا.
وتابعت من جانبها تؤكد السفارة الروسية في الخرطوم عزم بلادها على التطوير المتتالي للتعاون مع السودان على مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة والمتساوية التي للأسف تنساها أو تتناساها واشنطن دائماً.
وأوصت السفير الأمريكي باتخاذ كل هذا بعين الاعتبار أثناء عمله في منصبه العالي هذا، وفي التاسع من ديسمبر 2020م، وقعت روسيا والسودان اتفاقية بين البلدين بشأن إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
ونصت الاتفاقية على إقامة منشأة قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية واستيعاب 300 عسكري ومدني، ويمكنها استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية، بحسب الاتفاقية.
ولعل الغرابة في ما سبق أن الحكومة السودانية لم تحرك ساكناً حتى الآن، ولم يصدر أي تصريح صحفي للرد على السفير الأمريكي، سواء من القصر الرئاسي، أو من وزارة الخارجية، واللتان كان من المفترض أن يستدعيا السفير وتبليغه تحذير شديد اللهجة وتوجيهه الصارم بعدم التدخل لاحقاً في الشؤون الداخلية للسودان، بيد أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ولن يحدث لاحقاً، في تأكيد جازم على انصياع الحكومة السودانية لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية وسفارتها المريبة في الخرطوم.
من جانبنا، وعقب تأكدنا التام من جهل السفير الأمريكي الجديد بالمواثيق الدولية في ما يختص بالتعامل الدبلوماسي، وأنه يتعامل منذ مجيئه إلى الخرطوم، وكأنه وصي على السودان، نذكره هنا ببعض فقرات من إعلان عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول، الصادر والمعتمد من قبل الأمم المتحدة، ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمؤرخ في التاسع من ديسمبر1981م، والذي نص على أن الجمعية العامة إذ تؤكد من جديد، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، أنه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، وإذ تضع في اعتبارها أن عملية إحلال السلم والأمن الدوليين والمحافظة عليهما وتعزيزهما تقوم على أساس الحرية والمساواة وتقرير المصير والاستقلال واحترام سيادة الدول، فضلاً عن السيادة الدائمة للدول على مواردها الطبيعية، بصرف النظر عن نظمها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو مستويات نموها.
وإذ ترى الأمم المتحدة أن التقيد التام بمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية والخارجية للدول هو أمر ذو أهمية عظمى للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين ولتحقيق مقاصد ومبادئ الميثاق، وإذ تؤكد أنه لا يمكن بلوغ أهداف الأمم المتحدة إلا في ظروف تتمتع فيها الشعوب بالحرية وتتمتع فيها الدول بالتساوي في السيادة وتفي تماماً بمتطلبات هذين المبدأين في علاقاتها الدولية، وإذ ترى أن أي انتهاك لمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية والخارجية للدول يشكل تهديداً لحرية الشعوب ولسيادة الدول واستقلالها السياسي ولسلامتها الإقليمية، وتهديداً لتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعرض أيضاً السلم والأمن الدوليين للخطر، وإذ ترى أن صدور إعلان بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول يسهم في تحقيق مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وإذ تضع في اعتبارها أحكام الميثاق ككل، وإذ تأخذ في الاعتبار القرارات المتصلة بالموضوع التي اتخذتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بمضمون هذا المبدأ، لا سيما القرارات المتضمنة الإعلان المتعلق بتعزيز الأمن الدولي وإعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها، وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وتعريف العدوان، تعلن رسمياً أنه، لا يحق لأية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأي سبب كان في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى، وأن يشمل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الحقوق والواجبات المتمثلة في، سيادة جميع الدول واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية وأمنها، فضلاً عن الهوية الوطنية والتراث الثقافي لسكانها، وحق الدولة السيادي غير القابل للتصرف في تقرير نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بحرية، وفى تنمية علاقاتها الدولية وفى ممارسة سيادتها الدائمة على مواردها الطبيعية وفقاً لإرادة شعبها دون تدخل أو تداخل أو تخريب أو قسر أو تهديد من الخارج بأي شكل من الأشكال، فضلاً عن واجب الدولة في ضمان عدم استخدام إقليمها على أي نحو فيه انتهاك لسيادة دولة أخرى ولاستقلالها والسياسي وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية أو زعزعة لاستقرارها السياسي والاقتصادى والاجتماعي.
ولا شك أنه ومما سبق، وعقب تصريحات السفير الأمريكي الأخيرة بشأن العلاقات السودانية الروسية، وتحذيره وتوجيهه المبطن للحكومة السودانية بعدم التعاون والتعامل بأي شكل من الأشكال مع الحكومة الروسية، يؤكد تماماً جهل جودفري بإعلان عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول.
وعلى الحكومة السودانية، إن كانت جادة بالفعل في الحفاظ على سيادة السودان الوطنية، التحرك العاجل لحسم فوضى تدخلات السفراء الأجانب، وبدون تحديد، من التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، وخاصة تدخلات السفارات الأمريكية والسعودية والإماراتية المريبة، وفي كل صغيرة وكبيرة في الشأن السياسي والاقتصادي السوداني، والحفاظ على وإيقاف إهدار ماء وجهها المتبقي، والذي سكبحه تلك الدول دون أي مراعاة للسيادة الوطنية السودانية، وإن لم تعمل الحكومة السودانية على كبح جماح هؤلاء السفراء وهذه السفارات، واليوم قبل الغد، فاستبشروا مستقبلاً بفوضى سياسية عارمة، وتدخلات أجنبية غاية في الخطورة في الشؤون الداخلية السودانية، ومن ثم إنفاذ مخطط برنارد لويس والمصادق عليه من قبل الكونغرس الأميركي في 1981م والقاضي بضرورة إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ابتدءاً بالسودان الذي يعلم الغرب أجمع أنه متى ما استقر تماماً واستغل موارده الذاتية والبشرية والاقتصادية المدفونة في باطن الأرض، سيقفز إلى أعلى مستويات النماء الاقتصادي والذي سيضعه في قمة دول العالم الأول بلا شك، فهل يعي البرهان ومجلسه السيادي هذه الحقيقة قبل أن نندم على وطن ضيعناه بأيدينا؟!


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب