الحقيقة الغائبة .. ملابسات إزالة الشريط الخدمي بسوق ليبيا

مئات التجار تضرروا وتشردوا بسبب إزالة الشريط الخدمي بسوق ليبيا
المدير التنفيذي: الأرض التابعة للشريط الخدمي ملك لمحلية أمبدة
المحلية: المستأجرون لا يملكون حق البيع
مسألة تغيير الغرض تحتاج لموافقة وقرار من حكومة الولاية
تحقيق: اليوم التالي
شهدت الأيام الماضية جدلاً كثيفاً، واتهامات متبادلة بين بعض التجار المستأجرين لبعض المواقع الخدمية بسوق ليبيا والحكومة، وبرز الجدل والاتهامات المتبادلة إلى السطح بعد إزالة الشريط الخدمي بسوق ليبيا والذي يحتوي على (٦) مواقع خدمية بمربع (٣) بسوق ليبيا ولمعرفة الملابسات اتجهنا إلى سوق ليبيا وسمعنا من المستأجرين والمتضررين من عملية الإزالة، وفي الضفة الأخرى سمعنا رأي ودفوعات حكومة الولاية ممثلة في الوالي والمدير التنفيذي لمحلية أمبدة التي يتبع لها سوق ليبيا، جلسنا مع كل الأطراف لنعرض للرأي العام ملابسات القضية ومعرفة الحقيقة الغائبة.

التجار يرفضون الإزالة:
أقدمت سلطات ولاية الخرطوم في الأيام الماضية على إزالة عدد كبير من المحلات التجارية بالشريط الخدمي بسوق ليبيا التابع لمحلية أمبدة، واشتكى مستثمرون بالشريط الخدمي من قيام سلطات ولاية الخرطوم بإزالة محلاتهم التجارية بالرغم من سريان عقوداتهم الموثقة مع المحلية منذ العام 2004 والتي تمتد لفترة 25 عاماً وفي السياق أكد ممثل لجنة المتضررين محمد إبراهيم آدم أنهم سددوا كل الرسوم المطلوبة منهم إضافة لقيمة الأرض وقتها واستصلحوها عبر عطاء رسمي منشور بالصحف اليومية، وأفاد محمد إبراهيم بأن سلطات ولاية الخرطوم أزالتهم متجاهلة العقود والإيصالات المالية، وكل المستندات الأخرى دون إنذار أو التزام ببنود العقد، وتمسك بمطالبتهم بحقهم بكل السبل المتاحة قانوناً وحمل والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة والمدير التنفيذي لمحلية أمبدة مستور أحمد عبدالماجد مسؤولية ما حدث.

قرار معالجة الشريط الخدمي:
وفي الضفة الأخرى وبتاريخ 9/11/ 202‪2م أصدر المدير التنفيذي لمحلية أمبدة مستور أحمد عبدالماجد قراراً إدارياً بالرقم (٦٠) لسنة ٢٠٢٢م عملاً بالسلطات المخولة له وبموجب قرار والي ولاية الخرطوم رقم (٦١) لسنة ٢٠١٩م وقرار الوالي رقم (٦٣) بتاريخ ٢٠٢٢/٩/١١ على مقترح تكوين لجنة معالجة الشريط الخدمي بسوق ليبيا، وقضى قرار المدير التنفيذي لمحلية أمبدة بتشكيل لجنة معالجة الشريط الخدمي بسوق ليبيا برئاسة مدير الإدارة العامة للشؤون الإدارية والخدمة المدنية، وعضوية كل من (مدير الإدارة العامة للتخطيط العمراني، ومدير الإدارة القانونية محلية أمبدة، ومدير إدارة الاستثمار، ومدير إدارة المخالفات، ومدير وحدة سوق ليبيا، ومدير جهاز حماية الأراضي الحكومية، ومهندس وحدة سوق ليبيا، وممثل الشرطة، وممثل جهاز الأمن، وستة من أصحاب المصلحة، والصحفي علم الدين عمر والصحفي عمر الجاك مراقبين، ورئيس لجنة التغيير والخدمات بسوق ليبيا).

مهام واختصاصات اللجنة:
وحدد المدير التنفيذي بحسب القرار مهام واختصاصات اللجنة، والتي تتمثل في الآتي: التأكيد على استمرار العقد حتى نهايته، والوقوف على تطبيق المواصفات الموجودة بالعقد على الطبيعة، والوقوف على أي إضافات متفق عليها بين الطرفين بشرط أن تكون موثقة، ومراجعة الإزالات التي تمت ومدى تطابقها مع العقد وأي إضافات قانونية تمت، وفي حالة ثبوت إزالة دكان أو مظلة مصدقة تقوم اللجنة بتقييم الضرر على أن تلتزم المحلية بتعويض المستأجر، وتستعين اللجنة بمن تراه مناسباً.

أضرار بالغة وتشريد:
ومن خلال الجولة التي قمنا بها، شاهدنا حجم الأضرار البالغة التي لحقت بالتجار المستأجرين، ولا نستطيع أن نرمي اللوم على أحد أطراف العقد، لكن الواقع الماثل يؤكد أن هناك العشرات، بل المئات من التجار والأسر تضرروا وتشردوا بسبب إزالة الشريط الخدمي بسوق ليبيا، وبلغت الأضرار مليارات الجنيهات، وربما تريليونات بحسب الإفادات التي ذكرها المتضررون والذين تقدموا بطعن للمحكمة الإدارية حول الإجراءات التي اتخذها الوالي بإزالة الشريط الخدمي والذي بدوره أكد أنه لم يأمر بإزالة الأماكن المصدقة والتي يمتلك أصحابها عقودات سارية، بل أمر بإزالة المخالفات التي لا توجد بها تصاديق أو عقودات.

شهادة بحث ملكية عين:
وبالنظر للمرافعة التي قدمها المدير التنفيذي لمحلية أمبدة مستور أحمد عبدالماجد فإننا نجده يمتلك مستندات تؤكد أن الأرض التابعة للشريط الخدمي هي ملك لمحلية أمبدة، وفي السياق تفيد شهادة بحث (ملكية عين) صادرة من مكتب تسجيلات أراضي أم درمان غرب بأن القطعة بالنمرة (1059) مربع 3/ ليبيا/ مدينة أم درمان والبالغ مساحتها (2600) متر مربع مسجلة ملكية عين باسم حكومة السودان، وخصصت نهائياً لمحلية أمبدة لقيام منطقة خضراء، والقطعة خالية من الموانع، فيما تفيد شهادة بحث (ملكية عين) صادرة من مكتب تسجيلات أراضي أم درمان غرب بأن القطعة بالنمرة (1061) مربع 3/ ليبيا/ مدينة أم درمان والبالغ مساحتها (2558) متر مربع مسجلة ملكية عين باسم حكومة السودان وخصصت نهائياً لمحلية أمبدة لقيام منطقة خضراء، والقطعة خالية من الموانع.

بنود عقد الإيجار:
وتحصل المحقق على عقد إيجار موقف وخدمات سيارات، بمربع (٣) سوق ليبيا الشريط الخدمي، العقد موقع بين المدير التنفيذي لمحلية أمبدة وقتها ويمثل الطرف الأول ومحمد إبراهيم آدم ويمثل الطرف الثاني، وتم توقيع العقد بتاريخ ٥/سبتمبر/ ٢٠٠٤م وأقر الطرف الثاني وهو المستأجر محمد إبراهيم في البند الأول من العقد بأن الطرف الأول هو المالك للمساحة المقام عليها الإنشاءات الموقف الشرقي رقم (١) بمساحة (٢٦٩٩) متر مربع، واتفق الطرفان على أن الإنشاءات تشمل على موقف وخدمات للسيارات، وأن يتم التنفيذ حسب الخطة المرفقة والمجازة بموجب العقد، واتفق الطرفان على أن فترة سريان العقد من تاريخ التوقيع عليه ولفترة (٢٥) سنة، كما اتفقا على قيمة الإيجار الشهري وهي (٢٠٠٠) جنيه شهرياً وتخصم منها مبلغ ٥٠٪ شهرياً.
الالتزام بالعقد:
وفي سياق متصل بالمسألة أوضح المدير التنفيذي لمحلية أمبدة مستور أحمد عبدالماجد أن الشريط الخدمي به (6) مواقع كل موقع تحول إلى(١٨٠) دكان دون علم المحلية وموافقتها، مؤكداً أن جهاز حماية الأراضي الحكومية قام بإنذار المستأجرين عدة مرات وبعدها قام بتنفيذ الإزالات وعبر وكيل النيابة المختص، وكشف مستور عن تكوين لجنة لمراجعة الإزالات وأضاف قائلاً: (نحن ملتزمين بالعقد وكل مظلوم سيأخذ حقه كاملاً).

ضياع حصاد السنين:
وكشف مستور عن دكاكين تم بيعها في الشريط الخدمي لبعض التجار دون الرجوع للمحلية، مبيناً أنه لم يتم تسليم أصحابها شهادات بحث لجهة أن المستأجرين لا يملكون حق البيع، مشيراً إلى مواطن يدعى عمر قال إنه هو وإخوانه الثلاثة قضوا في الاغتراب (14) عاماً وبعد عودتهم إلى أرض الوطن قاموا بشراء عدد (9) دكان قيمة الدكان الواحد (40) مليار جنيه من مستأجر يدعى محمد إبراهيم ودفعوا له مبلغ (360) مليار جنيه ولم يسلمهم شهادات البحث، وأكمل عملية البيع معهم عن طريق القرار التخطيطي الصادر في عام ٢٠١٧ والذي تم إلغاؤه، وناشد نائب المدير التنفيذي المواطنين الذين اشتروا دكاكين في الشريط الخدمي أن يتابعوا حقوقهم من الذين باعوا واشتروا منهم.
بين القانوني والتخطيطي:
وفي ذات المنحى قالت المستشار القانوني لمحلية أمبدة هدى يوسف إن والي الخرطوم أصدر قراراً بإزالة كل التشوهات والتعديات بسوق ليبيا وأبو زيد، وأكدت أن هناك إنذارات إدارية وقانونية من جهاز حماية الأراضي الحكومية تمت للمستأجرين، وأشارت إلى بناء أكشاك أمام الدكاكين خارج المساحة الممنوحة الأمر الذي اعتبرته مخالف للعقد، وكشفت عن عمليات بيع كبيرة تمت لدكاكين في الشريط الخدمي، موضحة أن الشراء يتم بالمستندات وبشكل رسمي وبشهادة بحث، وأكدت التزامهم بفترة العقد وتابعت: (كل من تضرر سيتم تعويضه إذا ثبت ذلك عبر المستندات.. وسنفتح بلاغات وسنذهب للمحاكم لتثبيت حق المحلية)، فيما طالب مدير التخطيط العمراني التجار بالالتزام بما جاء في العقد وشهادات البحث، مشيراً إلى وجود قرار صدر في عام ٢٠١٧ تجاوز قرار ٢٠٠٤ وتم إلغاء قرار ٢٠١٧م .

مراجعة وتحديد الالتزامات:
فيما قال نائب المدير التنفيذي لمحلية امبدة ورئيس لجنة المتضررين أبو القاسم آدم الطاهر إن المحلية تمتلك كل الأراضي التابعة للشريط الخدمي وعبر شهادات بحث، مؤكداً أن المرجعية بالنسبة لهم هي العقد وتابع قائلاً: (سنراجع العقد وتحديد الالتزامات) فضلاً عن التأكد من المساحة والتزام الأطراف بالعقد، مشيراً إلى وجود فقرة في العقد تتحدث عن أنه يجوز إضافة إنشاءات داخل الحرم بموافقة المحلية وعبر عقد بين الطرفين، وقطع أبو القاسم بأنه متى ما تم ثبوت إزالة عن طريق الخطأ ستلتزم المحلية بتعويض صاحبها وإعطاء كل ذي حق حقه.
الإخلال بالعقد وتجاوز المحلية:
وفي الفقرة (١٣) من العقد اتفق الطرفان على أنه يجوز للطرف الثاني إضافة إنشاءات أخرى خارج الخريطة مع إخطار الطرف الأول ويأخذ موافقة مسبقة.. وفيما يبدو أن هذه الفقرة هي التي قام بموجبها المستأجرون للمواقع بتغيير الغرض، ولكن بحسب متابعة الإجراءات وفحص المستندات تأكد أن المستأجرين تخطوا وتجاوزوا المحلية صاحبة الملك والحق الأصيل في الأرض وذهبوا إلى لجنة التخطيط العمراني بالولاية والتي بدورها قامت عبر الطرق الملتوية بتغيير الغرض وإصدار أمر تخطيطي متجاوزة في ذلك المحلية، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.

قرار لجنة التخطيط العمراني:
وبتاريخ 5/9/2022م قررت لجنة التخطيط العمراني التابعة لوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم إلغاء القرار التخطيطي رقم ١٠/ ٢٠١٧ والخريطة رقم ١٠/ ٢٠١٧ الخاص بتغيير غرض والتخطيط التفصيلي للقطع بالأرقام (١٠٥٩ – ١٠٦١ – ١٠٦٤ – ١٠٦٥) موبع ٣/ سوق ليبيا/ أمبدة/أمدرمان من خدمي إلى تجاري، وجاء قرار لجنة التخطيط العمراني بناءً على خطاب المدير التنفيذي لمكتب الوالي بتاريخ ٢٠٢٢/٤/٢٤ وتوجيه المدير العام والوزير المكلف بتاريخ ٢٠٢٢/٤/٢٧ وتقرير اللجنة بموجب القرار رقم (١) لسنة ٢٠٢٢ الخاص بدراسة الشريط الخدمي بمحلية أمبدة بتاريخ ٢٠٢٠/٢/١٥ وخطاب المدير التنفيذي لمحلية أمبدة بتاريخ ٢٠٢٢/٢/٢٤ وصورة من القرار التخطيطي رقم ٢٠١٧/١٠ والخريطة رقم ٢٠٢٧/١٠ وصور من القرار التخطيطي رقم ٢٠٠٤/٨َم.

إغاء القرار التخطيطي والخريطة:
وبناءً على ما ذكر صدقت لجنة الولاية للتخطيط العمراني في جلستها رقم ٢٠٢٢/٩ بتاريخ ٢٠٢٢/٩/٥ على إلغاء القرار التخطيطي رقم ٢٠١٧/١٠ والخريطة رقم ٢٠١٧/١٠ وإعادة تخصيص المواقع لمحلية أمبدة وفقاً للقرار التخطيطي السابق رقم ٢٠٠٤/٨ والخريطة رقم ٢٠٠٤/٨ وتلتزم المحلية بإزالة المخالفات واستخدام المواقع وفقاً لما جاء غرضها بالقرار التخطيطي رقم ٢٠٠٤/٨.

الحلقة المفقودة والحقيقة:
ومن خلال البحث والتقصي عن الحقائق اتضح أن هناك حلقة مفقودة وطرف ثالث ما بين المستأجرين والمحلية ولجنة التخطيط العمراني بالولاية، وبحسب المصادر فإن الطرف الثالث هم نافذون في النظام البائد سعوا إلى تغيير الغرض ونجحوا في ذلك وأصدروا قراراً تخطيطياً في عام ٢٠١٧م تجاوزوا فيه المحلية والعقد الذي تنص الفقرة (١٣) منه على أنه اتفق الطرفان على أنه يجوز للطرف الثاني إضافة إنشاءات أخرى خارج الخريطة مع إخطار الطرف الأول ويأخذ موافقة مسبقة، وهذا الأمر لم يحدث لجهة أن المحلية لم توافق على الأمر، بل تم تجاوزها.
وبعد أن تمت معرفة الحلقة المفقودة والطرف الثالث أكد المدير التنفيذي لمحلية أمبدة مستور أحمد عبدالماجد أن مسألة تغيير الغرض تحتاج لموافقة وقرار من حكومة الولاية، وكشف مستور عن تشكيل لجنة تحقيق في الملف داخل وزارة التخطيط العمراني لمعرفة المتورطين في عملية تغيير الغرض دون علم الجهات المختصة وصاحبة الشأن والحق الأصيل، فيما اعترف نائب المدير التنفيذي بوجود نافذين وراء تغيير الغرض وأضاف قائلاً: (هناك لجنة تحقيق تم تشكيلها لمعرفة النافذين الذين عملوا وسعوا لتغيير الغرض)، وبعد استعراض ملابسات إزالة الشريط الخدمي بسوق ليبيا ربما اتضحت للقارئ الحقيقة الغائبة.