السياسة المالية.. إيرادات ذاتية وفق بنود الموازنة العامة

الخرطوم: علي وقيع الله
على فترات متقاربة درجت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على الموافقة لكافة مقترحات مؤسسات القطاع الاقتصادي والخدمي في البلاد فيما يلي إيقاف التقسيط الجمركي وزيادة الضرائب بشكل عام ورسوم العبور والوقود والكهرباء والمياه، وكأنها بذلك حققت الرضا للهيئات والمؤسسات التابعة لها بحكم التحصيل الضريبي وتحقيق وصول عائدات لخزينة المالية، وبالمقابل أخفقت في تخفيف المعاناة في معاش الناس عبر اتخاذ القرارات الاقتصادية المنضوية تحت سياسات موازنة 2022 التي أعلنت عنها الوزارة مع بداية الموازنة بأن الإيرادات العامة للدولة ذاتية ومن موارد وثروات البلاد، لكن في الأصل لم تلجأ المالية وعبر قرار تلو الآخر إلا إلى (جيب المواطن)، مراقبون يرون أن وزارة المالية تعاني من تراجع كبير في الإيرادات بسبب تراجع حجم الاستيراد هذا فضلاً عن الصادر نتيجة لقلة الإنتاج والإنتاجية فتبدو أن ثمة مؤشرات تنبئ بنشوب الحرب الاقتصادية الداخلية ما بين القطاع الحكومي والخاص، ومن خلال ذلك يحسب من المستفيد ومن الضحية.

الشركات والمصانع
الأمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية أشرف صلاح قال: بالنسبة لقرار وزارة المالية الخاص بإيقاف التسهيلات الجمركية أعتقد أنه قرار غريب وفي توقيت غريب، وأضاف: معروف أن الأسواق في الآونة الأخيرة تشهد حالة من الركود وأقرب منها إلى الكساد، وعبر تصريح لـ(اليوم التالي) أكد أن صدور القرار في الأصل له آثار سالبة وسيقود إلى انكماش كبير فضلاً عن غياب السلع، منوهاً إلى أنه طالما القرار لم يستثنِ السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي، وقال إن الرسوم الجمركية تمثل جزءاً كبيراً من تكلفة السلع لجهة أن الرسوم الجمركية في السودان عالية جداً، وبحسب تقديره فإن ذلك سيؤثر سلباً على الشركات الكبرى والمصانع.

توقف التصدير
فيما كشف عضو غرفة المصدرين، بابكر محمد علي، عن توقف جميع شركات التصدير عن العمل، وقال: كانت هناك (1000) شركة متوقفة عن العمل مسبقاً، والآن توقفت جميع الشركات، وأرجع هذا التوقف نسبة لقرارات وزارة المالية التي أفضت بزيادة الضرائب من (5 – 30)% بجانب رفع رسوم الجبايات وجمارك الولايات، وأردف: الزيادة أعلى من الأرباح وهذا شيء غير منطقي، وقال إن قرار زيادة تعرفة عبور محطات الشاحنات أثر عليهم بصورة مباشرة، لافتاً إلى أن القرار تطبق اليوم بنسبة 600%، وتابع: إن عجلة الإنتاج توقفت تماماً، ومنذ إصدار هذا القرار لم تتحرك أي عربة، وطالب مدير شركة الماشية، الدولة بتخفيض الضرائب وفك قرار تقسيط الجمارك لتشجيع الصادر والوارد تجنبا لانهيار قطاع التصدير والاستيراد، بجانب إلغاء جميع قرارات وزارة المالية منذ توقيع اتفاق سلام جوبا – وفق ما قال.

السياسات والقرارات
المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي قال إن هناك تحذير مهم يدرس للاقتصاديين لأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر في صناعة أي قرار اقتصادي كان، وأضاف: هذا التحذير يفيد بأن الطريق إلى الجحيم (يمكن أن) تعبده حسن النوايا، وهو ما يتطلب دراسة علمية دقيقة للغاية في اتخاذ القرارات، خاصة الاقتصادية منها والتي ترتبط في نهاية المطاف بمعاش الناس الذي أوكل به الاقتصاديون على تحسينه باستمرار السياسات والقرارات التي تؤدي إلى تدهوره بدلاً عن تحسينه، ومضى قائلاً: بغض النظر عن النوايا الحسنة من وراء رفع رسوم العبور، خاصة على الحركة الدائمة والمتزايدة لمركبات نقل البضائع والركاب، معتقداً أن أثرها (المضاعف) على المستوى العام لأسعار السلع والخدمات لا يختلف عن تأثير رفع أسعار الوقود عليها (بغض النظر عن الانخفاض الداخلي بنسب لن تمتص الزيادة بنسبة 600%) سواء على المستوى الولائي أو القومي، وقال المحلل الاقتصادي: بغض النظر عن وعود غرفة النقل بالتصعيد وعدم تمرير الزيادة في التعرفة الجديدة بتلك النسبة المضاعفة بشدة إلى المواطنين (سواء أصحاب وسائل نقل أو غيرها)، وأردف: هذا ما يؤكد أن تجارب الاتحادات والغرف الأخرى في مواجهتها لزيادات سابقة لخدماتها في القطاعات الأخرى قد تمت ولم يتم التراجع عنها، ولهذا قال: نفترض أن تكون هي نفس النتيجة في حالة وعيد غرفة النقل في حالة رفع رسوم العبور حالياً، كما كان نتيجة موقفها في مواجهة رفع الدعم عن الوقود أو أسعاره، وذلك في ظل غياب المجلس التشريعي ممثل للكيانات الثورية القائمة الآن.
التدهور المستمر
وأوضح أن الشعوب تمر مرحلة تطور بيد أننا ما زلنا ومنذ الاستعمار نستهلك دون إنتاج أي أكثر اعتماداً على الواردات، كما ينتج ما لا يستهلك أي أكثر اعتماداً على عوائد صادراته من المواد الخام – على حد تعبيره، وواصل حديثه بما يفرض عليه أن يعتمد على مرور احتياجاته عبر بورتسودان وموانئها من وإلى كافة أنحاء السودان، ويعتقد أن تأثير هذه العلاقة التي لم تتم إضافتها، على سعر صرف العملة الأجنبية ذات القوة الشرائية المستقرة نسبياً في ظل استمرار تدهور القوة الشرائية للجنيه السوداني بسبب التضخم الجامح السائد حالياً بالاقتصاد السوداني، وعلى ذلك فيتوقع د. وائل أن يتحمل أصحاب مركبات النقل للبضائع والركاب الزيادة في رسوم العبور، نتيجة للرفع المضاعف في أسعار المنقولات خاصة بعد إيقاف التقسيط الجمركي الذي ربما أفضى إلى تفاقم اختلالات هيكلية في الاقتصاد السوداني، وذكر أن من أكبر أخطاء السياسيات المالية هي تلك التي فرضت فلسفة الاعتماد على الخارج والسياسات النيوليبرالية التقشفية والتي ما زالت تؤدي إلى التدهور المستمر في القوة الشرائية للجنيه بالنسبة لمثيلاته من العملات الأجنبية ذات القوة الشرائية الأعلى استقراراً التي يعتمد الشعب على توافرها لتلبية احتياجاته اليومية والصحية والتعليمية والحركية، وتابع: إن الأزمة المالية المترتبة على تزايد الالتزامات بالموازنة العامة، تحتاج لسياسات فوقية على سياسات (بريتون وودز) بما يحتمل معها التدرج واللاتدرج معاً في اتجاه الاستقرار الاقتصادي والانتعاش التي فشلت سياسات بريتون وودز في تحقيقهما، وبالتالي تزاداد توقعات المحلل الاقتصادي بزيادة الإضرابات وتوقف مشاريع وشركات الصادر والوارد وهروب رؤوس الأموال وتدهور أسعار صرف العملات بالرسمي والموازي، نتيجة لزيادة الرسوم والقرارات التي تفرضها الدولة، وانعكاسها المضاعف على أسعار السلع والخدمات، في الوقت نفسه مستبعداً معالجة عجز الموازنة العامة وبما يتوقع معه زيادات مستقبلية في أسعار الخدمات الحكومية بقطاعها العام.
إيقاف القرارات
إلى ذلك يعتقد المحلل الاقتصادي محمد النيل أن وزارة المالية تعاني من تراجع كبير في الإيرادات بسبب تراجع حجم الاستيراد ووقوع عدد من المستوردين في مصاعب مالية كبيرة بسبب العجز عن تصريف السلع التي استوردوها بحسب قيمة الدولار، وقال لـ(اليوم التالي): ينبغي على وزارة المالية أن تراعي ظروف الموردين وأن تتعامل وفق المرونة في إشارة منه إلى إعادة النظر في قضية التقسيط بدلاً عن السداد المباشر لجمارك السلع، وطالب وزارة المالية بضرورة التشديد على إيقاف القرارات التي تصدرها إلى حين الخروج من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ولفت إلى أن القرارات بحسب سياسات الوزارة يجب ألا تتجزأ.