اتفاق جوبا.. الوقوف على الرصيف

تقرير: أمنية مكاوي
في ظل تعثر حلول الأزمة السياسية السودانية المستفحلة مع كل تعقيداتها وطول أمدها، بدأت تطفو في الآونة الأخيرة تجاذبات جديدة كانت متوارية خلف كواليس التفاوض فجرتها المطالبات بمراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان، وسرعان ما انفتح على إثرها باب لخلاف جديد بين شقي قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، والتوافق الوطني الذي يضم معظم الحركات المسلحة، من بعد إرهاصات عدة بتقارب الطرفين وتوافقهما، وبرغم مضي أكثر من عامين على توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان، إلا أنه ما تزال العديد من البنود تقف على الرصيف وأهمها بند الترتيبات الأمنية عالقاً، ولم يحدث فيه أي تقدم على الأرض، وتبرر الجهات الرسمية تأخير تنفيذ هذا النص بشح في الأموال المطلوبة لإكمال هذه العملية التي تُعتبر عصب الاتفاق، ومن دونها يصبح الاتفاق حبر على ورق ومهدداً بالنسف بسبب التعقيدات السياسية التي تمر بها البلاد، وهناك سؤال: الى متى هذا الوضع وكيفية التعامل مع تعالي الأصوات بإلغاء الاتفافية؟ تعد حركة العدل والمساواة من أكبر الحركات التي وقعت على هذا الاتفاق، لكنها كانت صامتة طيلة فترة العامين والآن تقر بعدم تنفيذ الاتفاق!!

التزامات متكررة:
انتقدت الحركة العدل والمساواة بطء تنفيذ الاتفاق ورفضت في ذات الوقت الهجوم الذي وصفته بغير المسؤول على اتفاق السلام وأطرافه، واعتبرت الحركة سلام جوبا أحد المحطات المهمة التي شكلت منعطفاً دقيقاً وحساساً في مسيرة السودان نحو السلام والتنمية المستدامة والديمقراطية، والتزام أطراف السلام جميعاً بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وإسكات صوت البندقية بين الشعب وقواته المسلحة وتشكيل جبهة موحدة مع القوات المسلحة تقوم بمهامها في حماية الحدود والمواطن والوطن وتوجه سلاحها نحو العدو الخارجي.
وأكدت الحركة في بيان لها تجديد التزامها وتعهداتها للنازحين واللاجئين ولأسر الشهداء والأسرى والمفقودين في تنفيذ الاتفاق لا سيما على صعيد عودة النازحين واللاجئين وتأمين قرى العودة والكشف عن مصير المفقودين والأسرى وتهيئة الظروف الملائمة للعودة والعدالة الانتقالية، وتشدد الحركة على أنه لا يوجد بديل لتنفيذ اتفاق السلام سوى تنفيذه بمضاعفة الجهود وتهيئة الظروف اللازمة.
وجددت الحركة دعوتها للرفاق القائد عبد الواحد محمد نور والفريق عبد العزيز الحلو الى التسريع في إنجاز الحوار والسلام لبناء دولة المؤسسات والمواطنة بلا تمييز، وأكدت الحركة أنها تتفاعل بإيجابية مع كل المبادرات وأي جهد يهدف إلى تحقيق الوفاق، والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعدل والمواطنة المتساوية، كما تدعو جميع السودانيين للانخراط في حوار لحل أزمات الوطن.

مراجعة الاتفاق:
ويقر رئيس جبهة تمازج محمد علي قرشي بوجود أخطاء وصفها بالكبيرة في الاتفاقية، مشدداً على ضرورة مراجعتها وتقييمها.
واتهم قرشي، الذين جاءوا باسم الاتفاقية باختطافها والعمل لمصالحهم ولتنظيماتهم رغم مخاطبتها لقضايا، وأضاف في تصريح سابق بأن الموقعين هم 14 حركة مسلحة ومطلبية، لكن المستفيدون (6) تنظيمات موضحاً (5) في دارفور وواحدة تنشط في إقليم النيل الأزرق ودارفور وما تبقى من الحركات أصبحت خارج الساحة السياسية.
وأوضح قرشي أن الحكومة السودانية لا تملك الإرادة السياسية تجاه إنفاذ وثيقة جوبا مشيراً إلى أنها أهملت تمازج رغم توقيعها على بروتكول أمني خاص بها ورأى أن السلام بالنسبة لهم خط استراتيجي لن يتنازلوا عنه كاشفاً عن تململ وسط قواتهم بسبب الانتظار الطويل دون النظر لتوفيق أوضاعهم.
إسعاف عاجل:
واتفق رئيس تحرير حركة السودان مصطفى تمبور مع الأصوات التي تقول إن اتفاقية جوبا لم تنفذ وأنها في غرفة الإنعاش وتحتاج الى إسعاف عاجل مؤكداً اختلافه جملة وتفصيلاً مع الذين ينادون بضرورة فتحها ومراجعتها، بل إلغاءها بالكامل، وجزم تمبور أثناء حديثه لـ(اليوم التالي) أن أغلب الذين يطالبون بمراجعة أو إلغاء الاتفاق ساهموا في صناعتها منذ لحظة إعلان المبادئ وحتى لحظة التوقيع النهائي وبسبب فقدهم للسلطة بعد ٢٥ أكتوبر قرروا مهاجمة الاتفاق وتشويهه ويقطع أن إلغاء الاتفاق ضرب من ضروب المستحيل ولا يستند على منطق سليم.

تجاهل عبد الواحد والحلة:
وفي السياق يرى المحلل السياسي د. الفاتح عثمان الذكرى الثانية لتوقيع اتفاقية جوبا للسلام مناسبة للتوقف حولها وإعادة تقييمها وقال عثمان لـ(اليوم التالي) إن اتفاقية جوبا للسلام عقدت بين أهم أطراف الحركات المتمردة عدا حركتي الحلو وعبد الواحد محمد نور، ما يعني أنها اتفاقية مهمة لاستقرار البلاد بالرغم من أنها لا تضمن حلول السلام بسبب غياب حركتين مؤثرتين جداً، ومع ذلك لا يقلل من أهميتها،
وتابع: إن مشكلة الاتفاقية تكمن في صياغتها بتعجل الأمر الذي أدى إلى وجود نصوص يصعب تطبيقها على أرض الواقع، مستشهداً بتجاهلها حركتي الحلو وعبد الواحد محمد نور في إطار تقسيم السلطة والثروة، وينوه عثمان إلى أن أي اتفاق جدد يتم مع الحركتان يعني فعلياً إلغاء اتفاقية جوبا للسلام.

قنبلة موقوتة
ويبين الفاتح أن مشكلة تمويل المستحقات المالية لاتفاقية جوبا للسلام التي قررت إعطاء سلطة دارفور مبلغ 750 مليون دولار سنوياً لمدة عشر سنوات، مبالغ لا تستطيع الحكومة الوفاء بها ولم تتمكن من إيجاد جهة دولية تقبل بتمويلها وهذا يجعل اتفاقية جوبا للسلام عبارة عن قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت بجانب ظهور مشكلة تطبيق بند الترتيبات الأمنية في ظل التوترات السياسية والأمنية في الخرطوم والتي جعلت أولويات القوات المسلحة تتوجه إلى العاصمة وليس دارفور والنيل الأزرق.
وطبقاً للمحلل السياسي أن اتفاقية جوبا في مهب الريح ما لم يتم إيجاد جهة خارجية تقبل بتمويلها أو تنازل أطرافها عن أغلب بنود الاتفاقية خاصة المالية.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب