المعاقون وحق العمل .. (وادي النيل) نموذجاً

مفوضية حقوق الإنسان: تجربة منتجع وادي النيل تستحق التقدير
المعاقون : ما فعلته الإدارة عجزت عنه الدولة
الرئيس التنفيذي للمشروع: استيعابنا لهذه الشريحة شكل جديد من أنواع المسؤولية المجتمعية تجاه هذه الفئة
مدير التشغيل: شريحة المعاقين أكبر بالمنتجع أكبر عدد من غيرهم وأداؤهم ممتاز
تحقيق : النذير دفع الله
ذوو الاحتياجات الخاصة أو (المعاقون) هذه الشريحة التي ظلمت مرتين؛ من المجتمع من جانب و الدولة من اتجاه آخر، فما زال المجتمع ينظر إلى هؤلاء بأنهم ضعفاء وغير قادرين على العطاء والنجاح، ولكن جميع التجارب الماثلة أثبتت جهل جزء كبير من المجتمع ونظرته المتأخرة والدونية تجاه هذه الفئة التي تستطيع أن تفعل ما لا يفعله غيرهم من الأشخاص العاديين، حيث أكد ذوو الاحتياجات الخاصة أن الإعاقة لا تعني بأي شكل من الأشكال عدم الحركة أو فقدان طرف من الأطراف، بل الإعاقة هي في عقول المجتمع الذي تنمطت عقليته فأصبح ينظر لذوي الإعاقة، تلك الشريحة التي تحتاج للدعم والمساعدة والتعاطف، وهو بالتأكيد سلوك غير مقبول من المجتمع، أما الدولة فهي التي حاولت وتحاول أن تجعل من هذه الفئة مجموعة دائماً ما تطلب المساعدة والمساندة والعطف، ولكن أصحاب القضية يرفضون هذه النظرة التي لا تتجاوز (كلمة عطف او نظرة إشفاق) ولكنهم أثبتوا بأن المعاق مثل غيره من الناس، له حقوق وعليه واجبات، وفقاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أعطت هؤلاء حقوقاً واضحة تم تجاهلها وعدم الاهتمام بها. في هذه المساحة نقف على تجربة منتجع وادي النيل، في كيفية توظيف المعاقين ليصبحوا منتجين وفاعلين في المجتمع.
إجادة العمل
أسماء جبر الدار المعاقة حركياً (شلل أطفال ) منسق المعاقين بمنتجع وادي النيل قالت ل(اليوم التالي) إن إدارة منتجع وادي النيل أتاحت لنا الفرصة في التوظيف والعمل كمجموعة من المعاقين من محليات ومناطق مختلفة، وأضافت أن وجودنا ضمن طاقم العمل في المنتجع يطرح سؤالاً واقعياً؛ هل نحن جديرون بالتوظيف ونستطيع أن نثبت بأننا لسنا مختلفين عن الآخرين؛ بل ونوضح للمجتمع بأن ذوي الاحتياجات قادرون على العطاء، وأشارت أسماء لطريقة عملنا في المنتجع وفقاً للإعاقة، والكل هنا يجيد العمل، وشددت.. أن المجتمع السوداني ينظر دائماً للمعاق بأنه ضعيف لا يستطيع أن يضيف أي شيء للمجتمع، ونحن في إطار عملنا بالمجتمع نريد أن نثبت العكس، وأننا لسنا روبوتات أو آلات يتم تحريكها فقط دون أن تتحرك لوحدها، أما الجانب العاطفي والشفقة التي يتعامل بها المجتمع قد تؤثر سلباً في المعاق وتحد من عطائه، ونحن لا نحب العاطفة، نريد أن يتعامل معنا المجتمع بطريقة عادية، ماذا يعني إذا فقد الشخص طرفاً من أطرافه، والعقل مازال يعمل ويفكر ويبتكر، وهو جزء من المجتمع لماذا حقوقنا مهضومة، والمؤلم أن الحكومة أعطتنا نسبة 5% من الوظائف في دواوين الحكومة، لماذا هذه النسبة الضعيفة، وما الفرق بيننا والآخرين؟ بينما ثلاثة أرباع المجتمع معاقون، وأوضحت.. نحن لا نستسلم ولا نغلق علينا الأبواب ونتباكى، بينما النظرة السلبية للمجتمع والشارع محبطة، وتجاوزنا هذه النظرات والعبارات وأصبحت بالنسبة لنا مرضاً أصاب المجتمع، ويجب أن يتعافى المجتمع منه، وليس نحن.
وأكدت أسماء أن جميع العاملين بالمنتجع تعاملوا معنا بأفضل طريقة، أصبحنا أسرة واحدة، ولا ينظرون إلينا بأننا معاقون، بالإضافة للطريقة المبتكرة والجديدة في التعامل مع هذه الفئة بحيث قدمت لنا دورات تدريبية مكثفة في كل المجالات، الأمر الذي جعلنا نؤدي مهامنا بكل معرفة وإجادة، كما أن وجودنا في هذا المنتجع جاء بناء على رغبة صاحب المشروع، وهو ما أدى لانسجام تام بينه وبيننا. وكشفت اسماء أنها لأول مرة تعمل في مكان سياحي، وهي نقطة تحول، بينما التساؤلات التي ترسم على جبين الزوار هو أكثر ما يجعلنا في راحة تامة. وأصبحنا نعطي ونقدم لأسرنا بدلاً من أن نأخذ.
إحساس مختلف
ست البنات موسى يوسف من جبل أولياء قالت ل(اليوم لتالي).. تم استيعابنا من اتحادات مختلفة للمعاقين، وأضافت أن إعاقتها حركية – حادث حركة أدى لبتر اليد اليمنى – مؤكدة.. بعد وجودي في المنتجع وحصولي على الوظيفة التي أعمل فيها أحسست أنني لست معاقة، لأني أتعامل تعاملاً طبيعياً، وأشارت إلى أن إدارة المنتجع تعاملت معنا بطريقة راقية، بل طبيعة عملي هنا (خلط العصائر وإعداد القهوة) وأوضحت أنها فرصة جديدة تمنح الأمل، ونتمنى من جميع مؤسسات الدولة أن تهتم بهذه الفئة واستيعابهم.
آمال جديدة
الهادي محمد مرحوم، نوع الإعاقة حركية (شد في العصب) أوضح ل(اليوم التالي) أن سعادته لا توصف بوجوده في هذه الوظيفة التي أحبها لأنني متخصص في برامج الحاسوب، وحالياً أعمل في وظيفة (كاشير) بالمنتجع، بل حالياً أصبحت أمتلك وظيفة في مكان سياحي، وأمتلك وسيلة نقل مريحة وفرتها لنا إدارة المنتجع، بالإضافة لأنني قبل هذه الوظيفة كنت أعمل (فريش) أمام الجامعة والمدارس وغيرها، وأشار الهادي إلى أن الفكرة والطريقة التي تعاملت بها إدارة المنتجع مختلفة وجديدة وجديرة بالنشر والتعميم.
تجربة جديدة
الرئيس التنفيذي لمنتجع وادي النيل قال ل(اليوم التالي): إن المنتجع تم اختياره للتمثيل في (اكسبو2022) كتجربة فريدة وجديدة في السودان بواسطة جامعة الدول العربية ووزارة التنمية الاجتماعية بالسودان، ومجلس الأشخاص ذوي الإعاقة، مضيفاً أن التجربة تعكس وجهاً مشرقاً للسودان، وتمنح السودان وضعية متقدمة في مشروع الأشخاص ذوي الإعاقة عالمياً، مضيفاً أن المشروع تعرض لبعض المضايقات من بعض الجهات التي لا تعرف هذه القيمة مثل محلية ولاية الخرطوم وهو جهل بالحقوق لبعض الشرائح، وسنعمل وقفة احتجاجية أمام محلية الخرطوم ضد إجراءاتها التعسفية ضد المنتجع، وعلى الدولة أن تحمي الاستثمار للمحافظة على الوجه المشرق للدولة بالإضافة لمراقبة الأشخاص الذين يستغلون مناصبهم في قضايا شخصية بطريقة مباشرة، وفي نهاية المطاف تتحمل الدولة السودانية أخطاء هؤلاء الأشخاص عبر التعويضات وغيره، عليه نطالب بضبط التصرفات غير المسؤولة من البعض الذين يتصرفون بطريقة غير مهنية ومخالفة للقوانين، وشدد أحمد على أن أي خلل يصيب المشروع سيتضرر منه هؤلاء الشباب.
وأوضح أحمد أن الفكرة من استيعاب هذه الفئة المهمة جاء وفقاً لـ(لاستاندر) العالمي لكل المنظمات والاتفاقيات حول المسؤولية المجتمعية، والذي هو جزء لا يتجزأ من أي مشروع استثماري، وهو (لا تفضل ولا منة) وإنما هو حق ملزم، ولكن في السودان الاهتمام بهذا الأمر ضعيف أو جزئي ضمن السياسات الكلية للدولة، ولكن نحن منذ بداية المشروع وضعنا معه موقفاً يتعلق بالمسؤولية المجتمعية، ولكنها بشكل مختلف بعد أن قمنا بدراسة في السودان؛ قررنا خلق تجربة جديدة فريدة لاستيعاب هذه الفئة بعد تدريبهم تدريباً جيداً، ومن ثم منحهم وظائف ووسائل حركة . ووجدناهم الأكثر التزاماً وعملاً وأخلاقاً .
وكشف أحمد.. نريد تحويل هذه الفئة من متلقين إلى داعمين في المجتمع، من خلال صندوق اجتماعي.
مجتمع قاسٍ
هبة إسحاق ومعاقة حركياً (شلل) قالت إن منتجع وأدي النيل أصبح حياة بالنسبة لي، لأنه حقق جزءاً كبيراً من حلمي وتغيير نظرة المجتمع السلبية، خاصة وأن البعض كان ينظر لنا بأننا لا فائدة منا مهما بلغنا من العلم والاجتهاد، لأنه لا توجد أي مؤسسة في السودان تستطيع استيعابنا في وظائف، ولكن إدارة منتجع وادي النيل غيرت هذه النظرة، وأضافت أنها تقدمت كثيراً لوظيفة، وكان رد بسيط جداً (ما عندنا ليك وظيفة) أو (الوظيفة ما بتتناسب معاك)، ووجهت هبة رسالة لكل مؤسسات الدولة العامة والمؤسسات الخاصة بأن الإعاقة ليست عجزاً أو ضعفاً أو عائقاً يمنعنا من الحياة، ولككنا أصبحنا مهزومين من اتجاهين؛ من الدولة ومن المجتمع، عليه نطالب الدولة بتنشيط القوانين والاتفاقيات الدولية وإلزام جميع المؤسسات بها، وكشفت.. كنا نتوقع خلال تواجدنا هنا أن (يكش) المجتمع منا، ولكن وجدنا التعامل طبيعياً، المعوق يستطيع أن يبدع .
بيئة عمل
مدير التشغيل بالمنتجع الشيخ عبدالله قال ل(اليوم التالي) إن ذوي القدرات الخاصة بالمنتجع يفوق عددهم 15 شخصاً يعملون بالمنتجع، جاءوا من اتحادات مختلفة يعملون في عدد من الوظائف منها (الوتير والضيافة، والكاشير ، والوستس)، موضحاً أن هذه الشريحة غير موجودة في جميع الأماكن السياحية والفنادق على الإطلاق، بالإضافة لأن جميع أصحاب العمل لا يقبلون فكرة أن يكون معاق ضمن الاصطاف العامل، بل حتى الجمهور أحياناً لا يتقبل فكرة أن يقوم لهم معاقٌ بأي خدمة، ولكن إدارة منتجع وادي النيل حاولت بقدر الإمكان كسر هذا الحاجز، ومن خلال مهنتي في الفندقة السياحية لمدة عشر سنوات لم أجد أي معاق ضمن أي تيم عامل، كاشفاً أن المدير التنفيذي لمنتجع وادي النيل أصر أن يكون ضمن العاملين هذه الشريحة، بل ونسبتهم في المنتجع أكبر من الآخرين، مبيناً أنهم نجحوا نجاحاً كبيراً في أداء المهام، وقال.. كنت أشك في نجاحهم في العمل، لكنهم أثبتوا العكس وأجادوا الأعمال خير إجادة، بل خلقوا عدداً من الزبائن بطريقتهم الخاصة، وهم يعملون في بيئة معافاة تماماً وجيدة.
الحلم يتحقق
خالدة عبدالله قالت ل(اليوم التالي) أن التجربة جديدة وفريدة أولها الدورة التدريبية المتقدمة في مجال الفندقة والسياحة، وأضافت أن أصحاب الهمم فئات مختلفة منهم (الصم والحركيون وجزء من المكفوفين والقزم) وهم حالياً يعملون في وظائف مختلفة داخل المنتج، وأشارت خالدة إلى أن التجربة تعني لي الكثير، وفريدة في نوعها، ومنحتنا دفعة معنوية كبيرة، بل لم يخطر على البال في يوم ما أن يتم استيعابنا في هكذا مكان للعمل، سيما وأن هذه الوظائف كانت محصورة على فئة محددة وإدارة المنتجع كسرت هذه القاعدة، ومضت في تجربة جديدة تحسب لها . وطالبت خالدة المؤسسات الخاصة بتنفيذ التجربة لديها، خاصة وأن أصحاب الهمم لديهم إرادة قوية، ولديهم معجزات كبيرة وطاقات يمكن الاستفادة منها. وعزم أصحاب الهمم على عدم الاستسلام، والمضي للأمام طالما توجد عقول تفكر وتستوعب هذه الفئة .
تجرية وتقدير
رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان دكتور رفعت قال ل(اليوم التالي) السودان صادق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبموجب انضمامه لها يكون بذلك ملزماً باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم بدون تمييز أو إقصاء، وبخاصة الحق في فرص العمل المتكافئة شأنهم شأن الآخرين،
وأضاف.. بكل أسف نلاحظ تمييزاً وأضحاً يمارس ضد الأشخاص ذوي الإعاقة فيما يتعلق بالحق في العمل، كاشفاً عن ورود عدد من الشكاوى في هذا الشأن، وخاطبنا الجهات المختصة بهذه الشكاوى، ونأسف لأننا لم نتلق أي رد أو تعليق مما يشير إلى أننا بحاجة لأن نضع مسألة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن الأولويات.
وأوضح رفعت؛ أن فكرة استيعاب وتوظيف منتجع وادي النيل لعدد من الأشخاص ذوي الإعاقة تستحق التقدير والاحترام، ولكن مطلوب تدابير من قبل الدولة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحق في العمل، بما في ذلك إلزام المؤسسات والشركات بنسبة توظيف محددة لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة.

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب