كتابات
ياسر سليم
في ليلة مولده، نقف أمام سيرة سيدي رسول الله عليه الصلاة و السلام العطرة مع الأطفال ، حيث نرى مواقف كثيرة تبين لنا مدى رحمته و حبه لهم . كان أرق الناس و مع الأطفال، وكان يحنو عليهم ويمازحهم لايعرف وجه الكريم العبوس..ها هو عليه السلام يعزي و يواسي طفلاً مات عصفوره و يخفف حزنه ويداعبه و يناديه بلقب جميل يجعل الطفل يفرح فرحاً شديداً (أباعمير) حتى نسي حزنه. نجد العديد من الفوائد الكبيرة من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – حول هذا الأمر ، وقد سبق إلى التنبيه على فوائد قصة أبي عمير أبو حاتم الرازي، ثم الترمذي ثم ما ذكره ابن القاص تؤكد أن في هذا الحديث من وجوه الفقه و فنون الأدب و الفائدة ستين وجهاً .
كان النبي عليه الصلاة و السلام يطبق شعار الأطفال أولا، قبل أن تعلنه الأمم المتحدة ، وكذلك مبدأ مصلحة الطفل الفضلى Best interest. وهاهو عليه الصلاة و السلام، في صلاة الفرض، يحمل طفلة (أمامة) و يصلي بالناس، فاذا ركع وضعها و إذا رفع من السجود أعادها. ويدل ذلك على أنه لا حرج في حمل الأطفال حال الصلاة. وها هو يطيل السجود و هو يصلي بالصحابة رضوان الله عليهم حتى خشوا أن يكون قد أصابه مكروه، وكل ذلك بسبب طفل كان على ظهره يلعب و تركه يلعب ويمرح ولم يقطع عليه لعبه حتى انتهى من لعبه (كرهت أن اعجله حتى يقضي حاجته) الإمام أحمد والنسائي). و ها هو عليه الصلاة و السلام يقول إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كما جاء في الصحيحين كان يخفف الصلاة ولم يزجر الناس ولم يأمرهم ألا يحضروا أطفالهم معهم إلى المسجد كما يحدث الآن. وها هو على المنبر يخطب، فأقبل الحسن و الحسين – رضي الله عنهما – فنزل من على المنبر فأخذهما، وصعد بهما المنبر ثم أكمل خطبته.
كان يداعب الأطفال، وها هي أم خالد بنت خالد بن سعيد تقول: أتيته – عليه الصلاة والسلام – مع أبي، وعليْ قميص أصفر، فقال لي (سنه سنه) وهي بالحبشية : حسنة. كما جاء في صحيح البخاري. وها هو تفيض عيناه بالدمع عند وفاة ابنه إبراهيم، و كذلك عند وفاة ابن ابنته، فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله؟ فقال: “إنها رحمةٌ، جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” (متفق عليه) . لقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يضرب طفلاً في حياته قط. فهذا هو سيدنا أنس بن مالك – رضي الله عنه – يخدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنوات والعجيب أن النبي وخلال كل هذه المدة، لم يوّبخه ولو مرة واحدة ! ولم يقل له: لماذا فعلت كذا، أو لماذا لم تفعل كذا، بل كان يعلمه ويرفق به . قال أنس بن مالك – رضي الله عنه – (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالصبيان) وكما قال إنه اذا مر على الأطفال كان يسلم عليهم .
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث عن السيدة عائشة – رضي الله عنها-: إن الله رفيق يحب الرفق ، و يعطي عليه ما لا يعطي على العنف، و ما لا يعطي على سواه) (رواه مسلم) و أيضا عنها أنه قال:( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، و لاينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم، قال ابن بطال : (في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم، ومؤمنهم، ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب، ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفي كل حيوان) . يقول الشيخ الصرصري :
أما كان أوفى الناس حلماً و عفة، و حسن ثبات لا يزلزله غضب،
أما كان في نصح و لطف و رحمة، لأمته كالوالد المشفق الحدب.
بين الله تعالى أن من مظاهر فضله على الناس أن أرسل إليهم نبيه – صلّى الله عليه وسلّم – ليكون رحمة لهم بقوله: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، كما قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) .من أين أتينا بالقسوة و العنف ضد أطفالنا، قطعاً لم نجعل رسول الله – عليه الصلاة و السلام – قدوتنا، ولم نلتفت لقوله تعالى :
( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) صدق الله العظيم