التسوية السياسية… نهاية أزمة أم بداية؟

 

فولكر: أشارك السودانيين في الجو التفاؤلي بقرب حل الأزمة السياسية

المؤتمر السوداني: التسوية فرصة أخيرة للخروج من الأزمة

الشيوعي: نرفض التسوية، ولا تحل القضايا الأساسية التي يواجهها السودان

محلل سياسي: التسوية لن تحل الأزمة؛ بل بداية نهاية لفوضى المشهد السوداني

الخرطوم: محجوب عيسى

الكل يتحدث هذه الأيام عن اقتراب التسوية السياسية بين الفرقاء السودانيين، دزن وجود أي معلومات يستند عليها سوى تسريبات من هنا وهناك عن لقاءات تتم في الظلام بين عسكريين ومدنيين، ومع اقتراب تلك الأطراف من التوصل إلى التسوية، في أعقاب انقلاب 25 اكتوبر من العام الماضي، أقرت قوى الحرية والتغيير، بوجود مفاوضات غير مباشرة مع المكون العسكري للتوصل إلى حل للأزمة السياسية، وجاء ذلك بعد إعلان كل من رئيس مجلس السيادة والآلية الثلاثية بشأن السودان لتقدم يحدث من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة، حيث تباينت آراء متحدثين لـ(اليوم التالي) حول تلك التسوية.

يرى البعض أن التسوية فرصة أخيرة للخروج من الأزمة، عبر تفاوض غير مباشر لجعل أساس الاتفاق مبنياً على مبادرة نقابة المحامين السودانيين، فيما أكد آخرون أنها لن تحل الأزمة ، إنما بداية النهاية لفوضى المشهد السياسي السوداني، عبر تصعيد النضال وتشكيل حكم مدني ديمقراطي، وفي غضون ذلك أعلنت تيارات سياسية وحركات مسلحة رفضها للتسوية، وحذرت من عواقب ذلك.

تفاوض غير مباشر

تقول القيادية بالحرية والتغيير وعضو المكتب السياسي في حزب المؤتمر السوداني، عبلة كرار، ل (اليوم التالي) إن مايجري الآن محاولات لحل الأزمة الراهنة عبر وساطة الآلية الرباعية عبر تفاوض غير مباشر لجعل أساس الاتفاق مبنياً على مبادرة نقابة المحامين السودانيين، مؤكدة حدوث تقدم لاباس به، فضلاً عن أن هنالك قضايا لم تحسم بعد.

إلا أن مستشار رئيس الوزراء السابق أمجد فريد؛ يرى – في تغريدة على (تويتر) – أن استمرار قوى الحرية والتغيير في مسك العصا من المنتصف والحديث عن اتصالات غير رسمية واستمرارها في التفاوض السري غير مفيد، ويضعف موقفها التفاوضي وينزع عنها الدعم الجماهيري.

وتوضح كرار – في تصريح لـ(اليوم التالي)- أنهم يعتمدون على ثلاث أدوات رئيسية لهزيمة الانقلاب؛ أبرزها المقاومة السلمية والحل السياسي، بجانب ضغط المجتمع الدولي، وتضيف.. كل هذه الوسائل ستحاصر الانقلاب وتؤدي إلى إنهائه.

واستدركت، قائلة: إن مساحات الثقة المتبادلة ضيقة جداً، فمازالت السلطة الانقلابية تمارس البطش وترتكب الجرائم ضد السودانيين، بالإضافة إلى تسلل النظام المباد إلى داخل أروقة الدولة وهياكلها.

فرصة أخيرة

واعتبرت عبلة مجهودات التسوية فرصة أخيرة للخروج من الأزمة، وأردفت، نأمل أن يتحقق لها النجاح لأنها ستنقذ البلاد من مآلات غاتمة. محذرة من فشلها؛ لجهة أنه في حال فشلت يمكن أن تنهار البلاد، وذلك لأن السلطة الانقلابية الموجودة عبارة عن متناقضات وأن اتفاقها الوحيد في الإمساك بالسلطة، وتشير إلى انفجار التحالف الانقلابي من داخله في حال اتجه لأي خطوات إلى الأمام.

جبهة شعبية

وفي السياق ذاته؛ أكد الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي م. عادل خلف الله، إسقاط التسوية ومقاومتها من قبل القوى الحية، وفضحها وتعرية أطرافها عبر أوسع جبهة شعبية سلمياً، وبحسب عادل أن الحل في إسقاط الانقلاب وإقامة بديل ديمقراطي.

ولم يذهب الحزب الشيوعي بعيداً، ويؤكد على لسان فتحي الضو في حديثه ل اليوم التالي: أن التسوية التي تجري الآن لا تحل القضايا الأساسية التي يواجهها السودان، ويشرح.. قضايا (الاقتصاد، الحريات، سلام جوبا، السياسة الدخلية، الحكم المحلي، التعليم والصحة، العلاقات الخارجية)، وأرجع ذلك لأن القوى التي تسعى إلى الحل لم تأتِ بحل جديد، وأن الحل يكمن في تصعيد النضال وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي وفق ميثاق استرداد الثورة.

إلا أن المبعوث الأممي فولكر بيرتس أعرب عن أمله بقرب الحل، لافتاً إلى وجود اتفاق بين الأطراف على فترة انتقالية لا تتعدى العامين.

وقال: في مقابلة مع (قناةالحدث) أمس، أشارك السودانيين في الجو التفاؤلي بقرب حل الأزمة السياسية.

و أضاف: إن الأجواء أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر، مشدداً على أهمية التوصل لحل بتوافق كافة المكونات بما فيها العسكريين.

إلى ذلك.. أكد فولكر أن هناك تقارباً في وجهات النظر بين كافة الأطراف بشأن الخروج من الأزمة، وأوضح أن محادثات تجري بين المكونين العسكري والمدني بشأن الحلول.

إنقاذ سلطة

ويقول: خلف الله – في تغريدة على موقع التواصل (تويتر)- إن التسوية التى يجرى التسويق لها وإشغال الرأى العام بها، بالتزامن مع ذكرى انتفاضة اكتوبر، وبعد مرور عام على أسوأ الانقلابات، مشروع لرعاية مصالح وامتيازات، قوى ليست على نقيض مع الدكتاتورية والفساد.

ويضيف خلف الله، إنها بدعم قوى دفع إقليمية ودولية، تنشط قواها، المحلية والخارجية، دوماً حينما تؤشك السلطة الانقلابية للسقوط.

واعتبر، التسوية مشروعاً لإنقاذ السلطة الانقلابية من السقوط وتمطيط لأمدها، كما أنها نجاح لخطة البرهان وإرضاء لقوى إقليمية ودولية، بما يتناقض مع تطلعات الشعب ومعاناته وتضحياته، علاوة على أنها بديل استباقي زائف.

ما قبل 25 أكتوبر

وينوه الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي الفضل – في إفادة لـ(اليوم التالي) – إن التسوية ليست بجديدة وهي محاولات تجري منذ انقلاب 25 أكتوبر إلى الآن، وأضاف.. أن القوى التي تعلن قبول التسوية سرعان ما تصطدم بطموحاتها، التي قد لا تلبي رغباتها، ما يؤدي إلى تغيير مواقف الأحزاب، والقوى السياسية والحركات المسلحة والجنرالات.

ويتفق الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي فتحي الفضل، مع الناطق باسم البعث حول وجود قوى دولية تسعى للتسوية، ويقول إن الآلية الرباعية تسعى لجر القوى السياسية إلى التسوية، فضلاً عن أن تسريب مسودة التسوية وتشكيل حكومة كفاءات برئاسة رئيس وزراء مدني ليس جديداً.

وتساءل الفضل عن سلطات مجلس الأمن والدفاع، وتابع إن انسحاب الجنرالات من السلطة “ضحك على الدقون” سيما وأن القضية الأساسية الآن تتمثل في وقف التدهور الاقتصادي الذي في حال استمر يكون نهاية محتومة للنظام كاملاً.

وطبقاً لفتحي أن التسوية المطروحة رجوع إلى ما قبل انقلاب 25 اكتوبر، وفي الوقت ذاته؛ أكد رفض الحزب الشيوعي لها، وأضاف.. هي محاولة شبيهة بفرض عودة حمدوك للحكومة.

رفض تسوية

ومن جهتها.. أعلنت قوى الحرية و التغيير التوافق الوطنى، رفضها التام للتسوية الثنائية بين الحرية و التغيير – مجموعة المركزى و المكون العسكري في السودان.

وقالت التوافق – في بيان – إن ما يجري لا شك يضع ظلالاً سالبة على الوضع الدستورى لقومية القوات المسلحة وقيادتها، و ضرورة وقوفها على مسافة واحدة من أطراف الأزمة، و يقدح فى مصداقية إعلانها الابتعاد عن العمل السياسى.

فيما جزم القيادي بالحركة الإسلامية، أسامة توفيق بأنّه لن تكون هناك تسوية سياسية دون ضمّ الإسلاميين.

ورأى أسامة بحسب صحيفة (الانتباهة)، أنّ الحرية والتغيير المجلس المركزيّ الخاسر من التسوية القادمة، لرفضهم التوافق الشامل بين جميع المكوّنات السياسية وقيام الانتخابات. واسترسل ساخراً “هاتان النقطتان 4 طويلة ما ناسه، اسم الانتخابات يصيبهم بالشلل الرعاش”. واعتبر توفيق قبول الحرية والتغيير الجلوس مع المكوّن العسكري أفقدهم نصف قاعدتهم الجماهيرية.

التمسك باتفاق جوبا،

وبدورها أعلنت الحركات المسلحة التمسك بحصتها من السُّلطة الواردة في اتفاق السلام، وقالت إنها ترفض أي تسوية سياسية ثنائية بين قادة الجيش والحرية والتغيير.

وقال مساعد رئيس حركة تحرير السودان لشؤون الإعلام نور الدائم طه، وفقاً لـ(سودان تربيون) إن الحركات تتمسك بنصيبها من السُّلطة بموجب اتفاق السلام، وعلى جميع الأطراف الالتزام بها من أجل مصلحة التحول الديمقراطي.

وأشار إلى أن أي تسوية سياسية بين قادة الجيش والحرية والتغيير ستقود إلى عواقب وخيمة وفترة انتقالية فاشلة وحكومة ضعيفة لا تحظى بدعم شعبي، وقال: “إننا لن نكون طرفاً في أي اتفاق ثنائي”.

 

تحديات كبيرة

فيما أشار المحلل السياسي، عبدالقادر محمود، لتحديات كبيرة تواجه التسوية التي تجري في البلاد في حال توصلت أطرافها إلى صيغة سياسية تعمل على حل أزمة الحكم الراهنة، ويضيف.. ربما لم تنجح وتنتج مزيداً من التعقيد للأزمة الراهنة.

وأرجع محمود ذلك، في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى رفض وعدم الترحيب بالتسوية التي تحدث الآن بين المكون العسكري وقحت، وشركاء اتفاق جوبا، من قبل جهات عديدة أبرزها تحالف ميثاق سلطة الشعب والتيار الإسلامي العريض وقوى الوسط.

ويعتقد أن التسوية تخلق مناخاً جديداً لديكتاتورية جديدة في السودان بموافقة القوى الإقليمية والدولية وتشهد البلاد أسوأ حكم استبدادي في عهد دكتاتورية التسوية القادمة.

إلا أنه عاد، وقال ربما تشهد الساحة السياسية تحالفاً تكتيكياً بين قوى اليمين واليسار لإجهاض هذه التسوية قبل حدوثها، وأن اليمين واليسار في السودان لا يستهان بوزنهما الجماهيري وتأثيرهما على العملية السياسية في السودان، وغياب الرغبة في المتغيرين الإقليمي والدولي في أي عملية سياسية قادمة.

ووفقاً لمحمود أن التسوية حققت للمكون العسكري ما لم يكن يحلم به، حيث لم يأتِ ذكر أي إجراءات جنائية ضد مرتكبي مجزرة القيادة ومجازر ما بعدها طيلة الحراك الثوري.

واتفق محمود مع الآراء السابقة، وقال إن التسوية لن تحل الأزمة الراهنة، بل تكون بداية النهاية للفوضى الماثلة في المشهد السياسي السوداني، ووصفها بأنها فوضى خلاقة صنعها لاعبون محليَون وإقليميون ودوليون لهم أجندة في تصفية الثورة السودانية وإعادة رسم خريطة المشهد السياسي وفق هوى النيوليبرالية العالمية والنخب السياسية الفاشلة وأصحاب الامتيازات الموروثة.

وتابع، إن قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي سوف تكتب نهايتها إذا مضت في طريق التسوية الصفري الذي لا يؤدي إلا إلى ديكتاتورية جديدة ومزيد من الاستبداد السياسي.

وقطع بأن المخرج الوحيد من خلال مزيد من النضال الثوري الذي أصبح يتصاعد يوماً بعد يوم في سلم النصر والظفر ببناء الدولة المدنية، وأن الأيام القادمة وحدها تكشف مصير الواقع السياسي الراهن بكل تجلياته السالبة على استقرار الدولة وتماسك سيادتها.

وثيقة تسوية

وفي وقتٍ سابق، كشفت تقارير إعلامية بحسب (الشرق) عن وثيقة اتفاق وشيك بين العسكريين والمدنيين في السودان، وتنص الوثيقة على تشكيل حكومة كفاءات برئيس مدني، على أن تختار القوى المدنية رئيس الوزراء، والوزراء، وتشكيل مجلس للأمن والدفاع يتبع رئيس الوزراء، على أن يكون البرهان القائد العام للقوات المسلحة، وحميدتي قائداً لقوات الدعم السريع.

وطبقاً للتقارير، توصل العسكريون مع قوى الحرية والتغيير إلى اتفاق بشأن الكثير من القضايا، فيما لا يزال النقاش مستمراً بشأن النقاط الخلافية، في أول تحركات جادة نحو اتفاق شامل بين الجانبين، منذ 25 أكتوبر 2021.

وكانت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي اشترطت في الدستور الانتقالي الذى صاغته لجنة المحامين؛ على أن يكون هناك مجلس سيادة مدني وأن يخضع مجلس الأمن والدفاع لسلطة رئيس مجلس الوزراء.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب