راهن العقارات في السودان.. البحث عن الحقيقة!!

سمسار: معظم الأسر غادرت السودان (….) رغم قدرتهم على البقاء
مستشار اقتصادي: أسعار العقارات في السودان غير حقيقية وتم التلاعب بها من خلال بنوك
أبو جنة: الأزمة الطاحنة أرغمت السودانيين على البحث الإجباري عن البدائل خارج الحدود
د. الفاتح: مئات الآلاف من السودانيين تخلوا عن عقاراتهم وأراضيهم واتجهوا نحو مصر وتركيا وماليزيا
الخرطوم: علي وقيع الله
ظهرت في الآونة الأخيرة وبصورة ملاحظة زيادة العرض لبيع العقارات والأراضي السكنية داخل السودان والخرطوم خاصة، مما انعكس مباشرة على انخفاض أسعارها، وتبدو أن أسباباً عديدة وراء عرض بيع العقارات والأراضي في ظل التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، مما فتح الباب واسعاً نحو زيادة معدلات الهجرة إلى الخارج نتيجة للسيولة الأمنية وتردي الخدمات والشعور بعدم الأمان الاجتماعي، وبالتزامن مع عدم الاستقرار في البلاد كشفت مجموعات عقارية عن تراجع أسعار العقارات الضخمة كالعمارات وبنايات الأسطح في الخرطوم، هذا نظراً لهجرة رؤوس الأموال الاستثمارية إلى تركيا ومصر إضافة إلى هجرة كثير من السودانيين إلى الخارج بعد أن أصبح العقار ملاذاً غير آمن في السودان، وجاءت بعض التوقعات وفقاً للراهن في سوق العقارات فإن مزيداً من الانخفاض أمر ترجحه عدم وجود رؤية واضحة في ظل فقدان السيطرة الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية.
نشاط مربح
يقول مصدر سابق بوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم: في الوقت الراهن أصبحت الأراضي والعقارات عبارة عن سلعة متداولة، تستثمر وتستغل، ويشير إلى أنها تقود إلى الثراء السريع بما تساهم في تحقيق الأحلام وتلبية الأشواق، وأوضح لـ(اليوم التالي) بعض الأسباب منها: هو أن الأرض ليست كبقية السلع لا تتطلب أي مجهود أو تخصم من الملاك شيئاً، وزاد: إن سعر الأرض لا ينخفض، بل في تصاعد دائماً، قاطعاً أن ذلك جعل الناس يهتمون بالأراضي والعقارات لكونه نشاطاً يدر أرباحاً سريعة.

المنازل والإقراض
بينما يعتبر لقمان حسين وسيط في مجال العقارات بالخرطوم، أن زيادة عرض بيع المنازل والقطع السكنية أمر حتمته الأوضاع الاقتصادية، وأشار إلى الواقع السياسي والتحديات الأمنية التي أصبحت تحيط بالخرطوم، ولفت إلى أن معظم الزبائن أصبحوا يختارون أطراف الخرطوم باعتبارها أحياء هادئة، وقال: أغلب المواطنين هاجروا إلى الخارج بعد قسوة الظروف الخاصة بالبلاد، وأضاف: معظم الأسر غادرت السودان نسبة لتردي الخدمات بصورة عامة رغم قدرتهم على البقاء، وأفاد: هناك أسر عرضت المنازل والأغراض للبيع بعد أن أتاحت لها فرصة الهجرة والاغتراب إلى دول أوروبا والدول العربية، وأوضح لـ(اليوم التالي) ضعف الإقبال على الشراء في هذا التوقيت نسبة للاختلالات وعدم التوازن والاضطرابات التي تتخلل مفاصل الدولة، وقال: من المتوقع أن تشهد أسواق العقارات مضاعفة الحركة الخاصة بزيادة العرض في الفترة القادمة.
تلاعب البنوك
المستشار الاقتصادي شاذلي عبدالله، قال في حديثه لـ(اليوم التالي): زيادة العرض في سوق العقارات لأن أسعار العقارات في السودان غير حقيقية وتم التلاعب بها من خلال بنوك بعينها، ويتهم بها أحد البنوك في عهد النظام البائد لكونه يتحكم في أسعار العقارات والدليل على ذلك أن من يملكون العقارات عدد مهول وهم رموز النظام البائد وهذا ظهر من خلال نتائج لجنة التمكين، وأشار إلى أن أسعار العقارات خارج البلاد أقل بكثير خاصة تركيا ومصر وعدد كبير من الدول ودبي ولندن وبأسعار أقل من الخرطوم، وقال: لذلك أصبح الشعب على درجة عالية من الوعي نظراً للخيارات المتاحة بالنسبة له وبمزايا أفضل منها الإقامة الدائمة وتوفر الخدمات والأمن والصحة والتعليم، وتابع قائلاً: إن زيادة العرض والعزوف عن الطلب في شراء عقارات بالسودان يرجع إلى تعدد الخيارات الخارجية المتاحة.
الضائقة المالية
المحلل الاقتصادي الحسين أبو جنة، قال إن مناخ الاستقرار في السودان أصبح طارداً بسبب الانهيارات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي أعطت الانطباع بضياع الدولة وتلاشي مقومات بقائها، وأوضح بسبب تلك الحقائق ضاقت حلقات الأزمة الطاحنة لدرجة إرغام السودانيين على البحث الإجباري عن البدائل من أجل العيش الكريم خارج الحدود، خاصة وأن الواقع المرير المتصاعد ٲحال حياة الناس إلى جحيم، مبيناً: أن ظاهرة زيادة عرض العقارات من ٲجل البيع في إطار البحث عن مصادر لتمويل متطلبات الهجرة هرباً من جحيم الواقع السوداني المأزوم بخلافات مستمرة بين مكونات المشهد السياسي، فكان الانهيار المتسارع في كل الاتجاهات، ويتوقع أبو جنة عبر إفادته لـ(اليوم التالي) أن تتراجع أسعار العقارات في ظل انكماش الطلب عليها بسبب الضائقة المالية الاقتصادية وهروب جماعي للسكان من الريف إلى المدن الرئيسة ومن ثم ستنتظم قوافل الهجرة المغادرة من السودان الذي قال أصبح مرشحاً للذوبان والتشظي إلى عدة دويلات متناحرة وغير مستقرة.
زمام الهجرة
المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان أكد بعد تطبيق حكومة د. عبدالله حمدوك المستقيل للإصلاحات الاقتصادية التي تم التفاوض بشأنها بين وزير المالية السابق د. البدوي وصندوق النقد الدولي وسداد قيمة التسوية مع أهالي ضحايا السفارتين والبارجة كول ارتفع التضخم لأرقام غير مسبوقة إذ بلغ التضخم 429%، وتابع: هذا ما دفع الحكومة لاحقاً لتبني سياسات نقدية انكماشية قاسية ترافقت مع الإصلاحات الاقتصادية فكانت النتيجة ركود اقتصادي كبير أدى لاضطرار عدد كبير من رجال الأعمال السودانيين للتخلي عن العقارات والأراضي التي كانوا يحتفظون بها كمخزن قيمة لحفظ أموالهم بعيداً عن تدهور قيمة العملة السودانية المستمر لسداد ديونهم وخسائرهم التي تسبب فيها الركود الاقتصادي، وأضاف: مع ظهور مصر وتركيا وماليزيا باعتبارها وجهات أفضل لحفظ القيمة الحقيقية لأموالهم ومكان أفضل للمعيشة بعد تدهور مستوى المعيشة في السودان وتردي الخدمات وارتفاع تكلفة المعيشة في السودان مقارنة بمصر، ولذلك فضل مئات الآلاف من السودانيين التخلي عن عقاراتهم وأراضيهم وشراء شقق في مصر أو تركيا وماليزيا، ليعتبر د. الفاتح أن هذا ما أدى لانهيار متواصل في أسعار العقارات والأراضي في السودان عامة والخرطوم خاصة، ويعتقد أن العاصمة تشهد تدهوراً في مستوى المعيشة وتردي الخدمات في السودان خاصة الأمن والتعليم والصحة، وارتفعت فيها تكلفة المعيشة بشكل بات خارج متناول الطبقة الوسطى وهي التي تقود الآن زمام الهجرة إلى مصر.
مخزن قيمة
وبحسب توقعاته فإن ظاهرة هبوط أسعار العقارات ستستمر نسبة لأن أسعارها في الأصل غير حقيقية وارتفعت بسبب استخدامها كمخزن قيمة، وقال: الآن باتت مصر وتركيا وماليزيا مخزن قيمة أفضل وأجود سواء من حيث السعر أو من حيث المردود الاقتصادي، وقال: لن يتوقف انهيار أسعار العقارات إلى أن يصبح قريباً من أسعار العقارات في مصر وإلى أن يتحسن الوضع الاقتصادي ويبدأ ازدهار الاقتصاد وعندها قد تتحسن الأسعار، لكنها لن تعود لذات الأسعار السابقة من حيث القيمة الحقيقية لأن وضعها كمخزن للقيمة بات مهدداً من مصر وتركيا وماليزيا وسيتهدد أيضاً من الاقتصاد المزدهر لأن الاستثمار في الصناعة والزراعة سيكون أجدى بكثير من حفظ الأموال في عقارات ضعيفة المردود المالي.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب