الحرية والتغيير: البنك الدولي رفض التعاطي مع السلطة الانقلابية: مشاركة السودان في اجتماعات نيويورك.. مكاسب ملموسة أم فوائد مجمدة..؟

 

د. الفاتح: السودان ظل على مدار أربعين عاماً يحضر المؤتمرات من دون فائدة

د. الناير: السودان يأمل أن يستأنف إعفاء الديون وقضية القروض والمنح

الخرطوم: علي وقيع الله

ظل السودان على الدوام مشاركاً في اجتماعات البنك الدولي بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية سنوياً، ومنفذاً بارعاً في تطبيق روشتة أكبر مؤسسات “المال والاقتصاد” البنك وصندوق النقد الدوليين، هذا بواسطة حكومة الفترة الانتقالية، لكن على مدار السنوات لم يحظَ السودان بأن ينال المساعدات والقروض والمنح حتى يتقدم إيجابياً في ما يتعلق بالعلاقات مع المجتمع الدولي، ربما تغير الشؤون الداخلية في البلاد بعد 19 أبريل من العام 2019 جعلت السودان في واجهة أنظار العالم، وما هو أرجح أن التأثيرات الاقتصادية التي خلفتها عقوبات أمريكا الاقتصادية على السودان حتى بعد زوال سلطة نظام الإسلاميين، ومع كل هذا وانتظام مشاركة السودان السنوية في تلك الاجتماعات والمؤتمرات ما تزال الفائدة مجمدة على اعتبار أن بناء الثقة بينه والمجتمع الدولي لم تكن بالصورة الواضحة والشفافة، هذا في ظل عدم التواقف السياسي بين الفرقاء السودانيين إلى تاريخه، ووفقاً لآراء مراقبين ومحللين اقتصاديين حول أبعاد زيارة وزير المالية جبريل إبراهيم بأنها كانت في الاتجاه الإيجابي بالنسبة للسودان من زاوية الاهتمامات الدولية والاهتمامات الثنائية حيث نجح الوفد في فك جمود علاقة التفاهمات الاعتيادية بنسبة كبيرة جداً، ويرى آخرون أن تلك الدول الكبرى لديها بعض التحفظات في سياق ما جرى في الساحة السودانية بعد أحداث 25 أكتوبر 2021 وما لم تتغير ويتم تشكيل حكومة مدنية والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر لن يكون هناك أي تقدم بين السودان ومؤسستي البنك وصندوق النقد الدوليين.

الأزمة الاقتصادية

يقول عضو التحالف الاقتصادي بالحرية والتغيير حسام الدين حسن إن الزيارة أتت في إطار انتظار السلطة الانقلابية للدعم الخارجي بعد نضوب موارد العملة الصعبة من تحويلات المغتربين، مُعزياً ذلك لتراجع الصادرات بسبب الركود التضخمي للأعمال المتوسطة والصغيرة، وتوقف الدعم الخارجي على قلته، وازدياد عجز الموازنة بسبب شح إيرادات الدولة من الضرائب، وتابع: حدا ذلك بالسلطة الانقلابية لفرض جبايات فاقمت من الأزمة الاقتصادية، ويرى في حديث لـ(اليوم التالي) لم يكن هناك مخرج سوى المنح الدولية، وذكر أن البنك الدولي رفض التعاطي مع السلطة الانقلابية إلا بعد تسليم السلطة لحكومة مدنية.

حكومة مدنية

فيما يعتقد المحلل السياسي والخبير الأمني وعضو وحدة ثورة ديسمبر، مالك عابدين أن الزيارة عبارة عن استمرار لزيادة المعاناة على الوطن المغلوب على أمره، واصفاً بأنها إهدار للمال العام مما ينعكس على الأوضاع بزيادة الفقر، وعلى حد قوله أن هناك عدد من الجيوش التي صاحبت وزير المالية هذا بالإضافة إلى المخصصات والحوافز والنثريات، متعجباً أليس هذا هو الفساد! وقال: من الأرجح إنه كان قبل الزيارة من الأفضل مراجعة المواقف الدولية في مثل قضايا السودان، متسائلاً: هل المجتمع الدولي سيوافق أم سيرفض أم ماذا؟، ورهن في تصريح لـ(اليوم التالي) استئناف مساعدة المجتمع الدولي بوجود حكومة مدنية خالصة واستقرار الدولة تحت مظلة حكومة مدنية خالية من أي مظاهر عسكرية، ويشير إلى أن هذا الفشل المتكرر دائماً هو نتاج لعدم اكتمال نواجز الدولة المدنية التي تستمد مشروعيتها من خلال مجلسها التشريعي ومجلس وزراء لمراجعة سير عمل كل الوزارات الأخرى وإخضاعها للمحاسبة.

الاتجاه الإيجابي

بينما يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، إن من أهداف زيارة وزير المالية والوفد المرافق له هو حضور الاجتماعات السنوية لمؤسسات بريتون وفق الدعوة المقدمة منها والاستفادة في مناقشة تكملة إجراءات إعفاءات الديون الخارجية مع المؤسسات الاقتصادية، وكذلك الدول خارج نادي باريس، والتعريف بأوضاع السودان التي نتجت عن سياسات مؤسسات بريتون وودز، مؤكداً نجاح مشاركة السودان في هذا والتي تجاوزت إلى حدٍ ما يشبه التطبيع هذا دون البعد المالي، وذلك إلى حين تكوين حكومة مدنية ديمقراطية، ذات مصداقية، وقال د. وائل لـ(اليوم التالي) إن الفوائد التي جناها السودان عديدة لا يمكن تلخيصها في عنواين عريضة، معدداً أهمها على الإطلاق إبطاء التوقف من التعامل مع السودان حتى إلى تفاهمات وصلت عودة البعثات الخارجية بجانب إتاحة فرص واسعة للتدريب وتفعيل عضوية السودان بهذه المؤسسات بالإضافة إلى الاهتمام بكلمة السودان والاستماع بأُذن صاغية له، متمنياً ألا تتلاشى هذه العلاقات مع كل دول ومؤسسات العالم حتى لو كانت استراتيجية السودان هي الاعتماد على الذات وعلى حشد الموارد الذاتية كاولوية أولى، وحول أبعاد زيارة وزير المالية قطع بأنها كانت في الاتجاه الإيجابي بالنسبة للسودان من زاوية الاهتمامات الدولية ومن زاوية الاهتمامات الثنائية حيث نجح الوفد في فك جمود علاقة التفاهمات الاعتيادية التي نتجت عن انقلاب 25 أكتوبر 2021 وذلك بنسبة كبيرة جداً.

مجمد الفائدة

ووفق رؤى المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب أن زيارة وزير المالية والوفد المرافق له إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي زيارة ضرورية جداً، ويعتبر أنها فرصة لعرض قضايا السودان الاقتصادية، وكذلك للقاء قادة المؤسسات المالية الدولية ووزراء المالية في الدول ذات العلاقة مع السودان، وقال: قد درج كل من وزير المالية ومدير بنك السودان المركزي على حضور هذا المحفل المالي الدولي الذي وصفه بالمهم جداً، ونوه د. الفاتح في حديثه لـ(اليوم التالي) إلى أن السودان ظل على مدار قرابة أربعين عاماً يحضر تلك المؤتمرات من دون فائدة تذكر، ويلفت إلى أن السودان منذ عام 1981 قد توقف عن سداد الديون الخارجية، ويعتقد أن هذا ما جعله غير قادر على الاستفادة من مؤتمرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية، ويشير إلى أنه مؤخراً حدث استثناء إبان عهد د. البدوي وزير المالية الأسبق، الذي بالتنسيق مع د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء، تمكنا من إنهاء عقبة اعتراض أمريكا على إعفاء الديون الخارجية بعد دفع التسوية لضحايا السفارتين والبارجة كول وسحب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأوضح أن انقلاب البرهان أدى إلى تعليق عملية إعفاء الديون الخارجية وبالتالي بات حضور السودان لاجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مجمد الفائدة منه في انتظار تكوين حكومة توافق سياسي سوداني بقيادة مدنية من أجل تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية من جديد.

 

بعض التحفظات

وقال الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي إن المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تراعى بواسطة دول كبرى ويتحكم فيها البنك وصندوق النقد الدوليين، ويرى أن تلك الدول الكبرى لديها بعض التحفظات على سياق ما جرى في الساحة السودانية بعد أحداث 25 أكتوبر 2021 وهذه الأحداث ما لم تتغير ويتم تشكيل حكومة مدنية والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر لن يكون هناك أي تقدم بين السودان ومؤسستي البنك وصندوق النقد الدوليين، وقال: في تقديري إذا تم التغيير نحو الاتفاق السياسي أو عودة الحياة السياسية السودانية إلى طبيعتها فإنه من المتوقع أن يكون هناك تقدم ملحوظ في كل الوعود، التي قال: لم يتم إنجاز سوى جزء يسير منها، منوهاً إلى أن الحكومة السودانية بدأت خطوات مهمة في تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي ألا وهي الإصلاحات الاقتصادية، ورفع الدعم عن الكثير من السلع الاستراتيجية (كالوقود، الدقيق، الكهرباء، المياه، الضرائب) وتوقع د. هيثم في إفادة لـ(اليوم التالي) إنه في حال تم الاتفاق بين الفرقاء السياسيين والمجلس العسكري وعادت الحياة إلى ما قبل 25 أكتوبر ستستأنف تلك المؤسسات الدولية علاقتها مع السودان نظرا إلى أن الاقتصاد السوداني يعيش أسوأ حالاته، الذي وصفه بشبه المنهار، مشيراً إلى أن العملة شبه منهارة، ارتفاع كبير في أرقام التضخم، لافتاً إلى أن الاقتصاد السوداني وصل إلى مرحلة لم يكن يعيشها منذ سنوات طويلة.

إزالة العثرات

وعزا د. هيثم سوء الاقتصاد إلى الضغوطات الدولية في الآونة الأخيرة التي قال إنها لم تكن بسبب ممارسة المؤسستين البنك والصندوق الدوليين، بل هناك بعض الممارسات من بعض الدول التي حجبت وعودها بتقديم الدعم، ونبه إلى أن هناك دول شقيقة وصديقة وعدت السودان، بل بدأت في تنفيذ دعم السودان، لكن بعد التغيير الذي حدث في 19 أبريل من العام 2019 وهي الآن امتنعت تماماً نتيجة لعدم الاتفاق السياسي في السودان، وتابع قائلاً: العالم الآن تغير والاقتصاد العالمي تغير لجهة أن هناك ارتفاع كبير في أسعار الطاقة والبترول على مستوى العالم، مشيراً إلى أزمة كبيرة خلفتها الحرب الروسية – الأوكرانية، وحدد هذه الأزمة تجسدت في ندرة الغذاء وارتفاع أسعار الغذاء، وأشار كذلك إلى أن المعسكرات السياسية العالمية تغيرت وهناك معسكران إن لم يكونا ثلاثة ما بين محايد وبين ومؤيد للإجراءات الروسية ومعسكر مضاد للإجراءات الروسية، ولذلك السودان حقيقة في حاجة ماسة إلى وصول لاتفاق، داعياً إلى خلق بيئة اقتصادية تساعد على الإنتاج والتصدير والاستيراد والاستقرار للمواطنين وتقديم الخدمات الأساسية وعودة الحياة الطبيعية للسودان بعودة المدارس والجامعات والبيئة الصالحة للاستقرار المجتمعي والاقتصادي، حتى يساهم في جذب الاستثمارات إلى السودان أو خلق مناخ يساعد على الاستثمار الوطني قبل جذب أي استثمار جديد، منوهاً إلى أن هناك مستثمرين أجانب منهم من غادر ومنهم من يفكر أن يغادر، مضيفاً أن هناك بيئة غير صالحة للإنتاج والاستثمار للمستثمر الوطني قبل الأجنبي، ويعتقد أن حديث وزير المالية فيه نوع من العقلانية لأنه لم يقل هناك وعود ما لم يتم تنفيذ الشرط، وهذا الشرط بحسب د. هيثم يمكن أن يحقق كثيراً من الحلول للخروج من عنق الزجاجة للاقتصاد الوطني، وأعرب عن أمله في أن يعود الاستقرار السياسي والأمني، ومن ثم من المتوقع أن تعود مؤسسات المجتمع الدولي إلى دعم الاقتصاد السوداني والعمل على إعفاء ديون السودان والعمل على عودة السودان إلى المجتمع الدولي والعمل على إزالة كافة العثرات التي تعترض تقدم الاقتصاد الوطني.

 

خطوة مهمة

أما المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير، فيؤكد أن مشاركة السودان في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أمر طبيعي ومعتاد عليه بالصورة الدورية والسودان مشارك في هذه الاجتماعات منذ زمن بعيد، وأضاف أن السودان في هذا العام يأمل أن يكون هناك استئناف في مسألة إعفاء الديون وقضية القروض والمنح بالنسبة للسودان، وذكر بحسب وزير المالية أنه أكد أن العقوبات لا تقع على الحكومات، بل تقع تأثيراتها على الفقراء والشرائح الضعيفة في المجتمعات السودانية، ويرى د. الناير أن حديث وزير المالية صحيح في هذا الشأن خاصة أن الحصار الأمريكي على السودان الذي دام لأكثر من عقدين من الزمان ووجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ويعتبر أن كل هذا أثر بصورة سالبة على المواطن السوداني قبل أن يؤثر على الحكومات بصورة أساسية، وأكد د. الناير لـ(اليوم التالي) حضور السودان من خلال هذه الزيارة خطوة مهمة وطرح القضايا المتعلقة بالسودان لدى صندوق النقد والبنك الدوليين قضية مهمة وهناك اجتماعات على المستوى الإقليمي تمت وطرحت هذه القضايا بصورة واضحة وشفافة، وتوقع عودة علاقات المجتمع الدولي عاجلاً أم آجلاً خاصة أن ما يجري في الساحة الداخلية تحركات ربما لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وبالتالي لم يكن للمجتمع الدولي حجة بعد تشكيل الكفاءات المستقلة بأن لا يقف بجانب السودان إلا إذا لديه أجندة أخرى خاصة نسبة لأهمية السودان وموقعه الاستراتيجي باعتباره منطقة رابطة بين الدول العربية والأفريقية وكساحل بطول 750 كيلو متر على أهم ممر ملاحي دولي بالبحر الأحمر.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب