البحر الأحمر… الموقع الجاذب ومنجم الثروات

د. ثامر محمود العاني
يشكل البحر الأحمر أهمية اقتصادية حيوية من خلال الموقع الجاذب وإسهامه بشكل كبير في دعم اقتصاديات الدول المتشاطئة عليه، كما يلعب دوراً مهماً في حركة التجارة العالمية خصوصاً النفط والغاز، وتزداد هذه الأهمية مع ظهور مفهوم الاقتصاد الأزرق الذي يمكن تعريفه على أنه الاستخدام المستدام للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات والنمو الاقتصادي وتحسين سبل المعيشة والوظائف وصحة النظام البيئي، إذ يعد البحر الأحمر من الناحية الاستراتيجية ممراً مهماً لأي نشاطات قادمة من أوروبا وأميركا في اتجاه منطقة الخليج العربي.
يحتل البحر الأحمر موقعاً جغرافياً مميزاً يربط قارات العالم آسيا وأفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي، وبالتالي يشكل أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حيث تمر به المواد الخام لأوروبا والولايات المتحدة والغرب والصين واليابان وغيرها من دول العالم، ويتم عبره تصدير المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا، لذلك أصبح البحر الأحمر الممر الذي تتلاقى فيه مصالح وأهداف مجموعة كبيرة من الدول المحلية والإقليمية والعالمية ذات القدرات الاقتصادية العسكرية والسياسية المتنوعة.
تتألف مجموعة دول منطقة البحر الأحمر من دول تحيط بأحد أكثر الطرق التجارية أهمية على مستوى العالم، وتتمتع بإمكانات اقتصادية هائلة قادرة على جلب الرخاء لشعوبها وجعل المنطقة مركزاً للسياحة والتجارة العالمية، حيث تواجه دول منطقة البحر الأحمر أيضاً تحديات قد تهدد أهميتها للأسواق، وتضر بنظامها البيئي الفريد من نوعه، وتعمق من تفاوت الدخل في المنطقة.
وأصبحت المنطقة تتأثر بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية نسبةً لترابطها واتصالها ولأهميتها الاستراتيجية والجيو – سياسية، وتدل الأحداث على أن ما يحدث في الشرق الأوسط ينعكس على البحر الأحمر، لذلك تزداد الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، إذ ستنعكس على زيادة المصالح، وهــذا يترتـب عليه التنافس بأشكاله المختلفة بين القوى الإقليمية والدولية.
وإلى جانب أهميتها الاستراتيجية، تتميز دول منطقة البحر الأحمر ببيئة فريدة أيضاً، ويُعرف البحر الأحمر بشكل متزايد على أنه ملاذ مناخي للشعاب المرجانية نظراً لزيادة سرعة تكيّف المرجان فيه مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم، إذ يدعم النظام البيئي للبحر الأحمر وخليج عدن التنوع البيولوجي مع نسبة عالية من الأنواع المستوطنة هناك، ويوفر الصيد مصدراً رئيسياً للغذاء والدخل للكثير من المجتمعات الساحلية في المنطقة، غير أن تدهور المَواطن الطبيعية الساحلية والصيد الجائر قد أديا إلى انخفاض جميع النشاطات الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، يمثل البحر الأحمر منجم الثروات، فبينما تعاني الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم من أضرار بالغة بسبب الاحترار العالمي وزيادة حموضة مياه المحيطات، إلا أنها في البحر الأحمر لا تزال تعيش، بل تزدهر وتتميز بخصائص فريدة أثبتها الكثير من الدراسات التي تمّت في الدول المطلة على البحر، مثل مصر والسعودية، فهي تستطيع تحمُّل ارتفاع درجات حرارة المياه وزيادة نسبة ملوحتها إلى مستويات تفوق بها مثيلاتها في المحيطات والبحار الأخرى، كما أن تلك الشعاب لا تتحمل الظروف القاسية فحسب، بل إنها تستطيع التكاثر بشكل طبيعي، تحت وطأة تلك الظروف، لتنتج جيلاً جديداً له الخصائص نفسها والقدرة على التحمل.
وقد وفّر الموقع بما فيه من نقاط العبور التجارية الرئيسية، مثل باب المندب وقناة السويس، اهتماماً عالمياً متزايداً حيث تسعى كل من أميركا والصين وروسيا إلى توسيع أو تعديل آفاقها الاقتصادية والأمنية والسياسية، وتشكل منطقة جنوب أفريقيا عنصراً أساسياً في طريق الحرير البحري إلى الصين، والذي يقع ضمن مبادرة الحزام والطريق التي قامت بها، وبذلت جهوداً من أجل وضع قدم لها في تنمية اقتصادات دول منطقة جنوب أفريقياً واقتصاداتها، بما فيها السعودية ومصر والسودان وجيبوتي وإثيوبيا، من خلال توفير القروض للبنية الأساسية الحيوية في قطاعات التصنيع والنقل والبناء والطاقة وغيرها من القطاعات.
وجاء الاهتمام الاستثنائي بالبحر الأحمر نتيجة التجاهل غير المقصود من الدول المتشاطئة سابقاً، والتركيز على البحر المتوسط، إذ أدركت الدول المتشاطئة، أهمية البحر الأحمر الذي يشكل مصدراً مهماً اقتصادياً وسياسياً وتجارياً لها، وبالأخص السعودية ومصر، مما دفعها لكي تهتم بشكل استثنائي بهذا المورد المهم لمستقبل الدول المتشاطئة في البحر الأحمر.
وفي الختام يشكل مشروع «نيوم» أكبر مشروع للتقدم والتكامل في المنطقة والعالم لتحقيق الرؤية المستقبلية للسعودية في مجالات العلم والتكنولوجيا والابتكار، لتتخطى حدود الابتكار إلى أعلى مستويات الحضارة الإنسانية، إذ تم تصميم هذه المنطقة الخاصة لتتفوق على المدن العالمية الكبرى من حيث القدرة التنافسية ونمط المعيشة وتستفيد من الموقع المميز للبحر الأحمر والثروات التي يتمتع بها.


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب