(شهود الزور)…. سقوط في مستنقع الأخلاق!!

أستاذ جامعي: إعطاء إجازة مرضية لمن ليس مريضاً شهادة زور
خبير تربوي: هناك أماكن معروفة لشهود الزور تجمعهم للشهادة أمام كافة المحاكم
داعية إسلامي: الغلاء والتدهور الاقتصاد سبب انتشار شهود الزور
الخرطوم: فايزة اباهولو
ظهرت في الآونة الأخيرة في أوساط المحاكم (شهود زور) يتقدمون للمحكمة كشهود لوقائع، لكنهم يقدمون بينات باطلة بالرغم من علمهم بأنها من أهم مقاصد الشَّريعة الإسلاميَّة ومبادئها تحقيقُ العدالة، ومنع الظلم بين الناس، ورغم أن شهادة الزور تؤثر في الدعوى وتؤدي الى ذهاب الحق لغير مستحقيه ويقع أثم كبير على مؤدي اليمين، كما أن الشرع نهى المسلم عن الكذب، ورغم ذلك أصبحت مهنة عند بعض الناس لجني المال حيث لها تأثير بالغ على الأطراف ويمتد أثرها على المجتمع الذي قد يفقد الثقة في الجهات العدلية، ويترتب عليه ضياع حقوق ناس، وأرجع البعض أسبابها للظروف الاقتصادية القاسية على المجتمع السوداني، ورجح آخرون السبب لضعف إيمان الشخص وغياب الوازع الديني.. (اليوم التالي) طرحت الظاهرة على عدد من المهتمين وخرجت بالحصيلة التالية:
توقيف شبكة زور
لم تخلُ أقسام الشرطة من بلاغات الزور، وإن قلت شبكات الزور يتردد أفرادها على المحاكم ويشهدون في أي قضية ولأي طرف سواء كان اتهاماً أو دفاعاً مقابل مبلغ مالي، ورصدت الشرطة تحركاتهم وألقت القبض على العديد منهم الذي اعترف بأنهم شهدوا في عدة قضايا مقابل مبلغ مالي ومن خلاله تم القبض على البقية، وتمت محاكمتهم أمام محاكم بحري، وغيرها.

خبر ذو صلة
نستشهد بهذه الحادثة في ظاهرة شهادة الزور، فقد مثل أمام محكمة الإرهاب بالخرطوم شمال في سبتمبر الماضي شاهد دفاع طالب في إحدى الجامعات في قضية محاكمة صديق له متهم بضبط حبوب مخدرة بمطار الخرطوم الدولي، وأفاد في شهادته بأن المتهم يدرس معه في جامعة بدولة الهند قبل عودتهم الى السودان وذهبا الى مكان عطور لشراء عطر لوالد المتهم، وأفاد بأن المتهم اتصل عليه زميل آخر أخبره بأنه وضع له حبوب داخل حقيبته ونفى علمه بهذه الحبوب، وأكد الشاهد بأنه استمع الى المكالمة ما بين المتهم والشخص الذي وضع له الحبوب.
وقال قاضي المحكمة محمد سر الختم للشاهد: أنت كاذب حيث تلا للشاهد ما قاله المتهم في أقواله بيومية التحري والتي لاعلاقة لها بأقوال الشاهد حيث ذكر المتهم “بأنه يدرس بإحدى الجامعات بالخارج وزميله حضر اليه وقال لي أنا وضعت لك حبوب في الشنطة وطلب منه إيصالها الى شخص بالخرطوم”.

أكل الأموال بالباطل
يقول المحامي إسماعيل رحمة حامد، إنهنسبة لخطورة الجريمة وتأثيرها على الحقوق والأنفس شدد المشرع في عقوبتها، وجعل عقوبة شهادة الزور السجن والغرامة أو العقوبتين معاً، وهذا الردع للمصلحة العامة، لافتاً الى أن خطورتها تؤدي إلى فساد وأكل أموال الناس أو الأنفس بالباطل وعلاجها هو الردع في الأحكام متى ما تم اكتشافها، مشيراً الى أن الكثير من الشهود الذين صادفهم خلال عمله في المحاكم ويتضح من خلال مناقشته سواء كان الشاهد اتهاماً أو دفاعاً، فيتبين من خلال إفاداته بأنه لم يشاهد وقائع، وإنما شخص يلقن بمعلومات معينة للإدلاء بها وفي بعض الأحيان قد يأخذ الطرف المتضرر الإذن من المحكمة لفتح بلاغ في مواجهة الشاهد إن ثبت بأن لا علاقة له بالقضية، وشهادته كانت بمقابل مادي أو خلافه كمصلحة أو خوف.

تعدد أشكالها
وقال الأستاذ الجامعي ياسر أحمد لـ(اليوم التالي) إن شهادة الزور ليس بالضرورة أن تكون داخل المحاكم أو ما يتعلَّق بالمعاملات المالية فحسب، وقال: في زماننا هذا تعددت أشكال وصور شهادات الزور، مشيراً إلى أن إعطاء إجازة مرضية لمن ليس مريضاً تعتبر شهادة زور، ومنح مُتعلم درجة علمية لا يستحقها ونالها بغش وتدليس شهادة زور، ورفع تقرير كفاءة عالٍ عن موظف مهمل مقصر كسول شهادة زور، ويضيف: ربما يتبادر للذهن أن مثل هذه الصور لا تشكل ضرراً لأحد حتى مع كونها تحديثاً للكذب، ولكن بنظرة فاحصة يتبين أنَّ فيها غش للأمة، وتضييع للأمانة، وتقصير في واجبات العمل، وظلم للموظفين المخلصين، وإجحاف في حقوقهم وغير ذلك من الآثار الوخيمة.

حادث حركة
وأضاف ياسر: من صور شهادات الزور التي انتشرت في أوساط المُجتمع عند وقوع بعض حوادث السير، ويكون المتسبب فيها لا يملك رخصة قيادة، فيقوم شخص آخر يملك رخصة فيجعل نفسه المتسبب في الحادث، بالتالي فلت المذنب من العقاب.

تدني الأخلاق
فيما ترى الباحثة الاجتماعية والنفسية “ابتسام محمود” أن أي شخص يشهد مع شخص آخر ضد آخر بالكذب يؤدي هذا السلوك إلى معانٍ كثيرة جداً، معللة أنه مرتبط مع الأمانة والصدق وقد يكون سببه دافع مالي، وذلك بسبب حاجة الشخص للمال وبالمقابل يقدم شهادة زور، مضيفة: وقد يكون الشاهد تحت تأثير التهديد أو ربما حب لآخر، مؤكدة أن الدوافع هي التي تجعل الإنسان يشهد زوراً، وأشارت ابتسام إلى أن هذا السلوك أدى إلى تدني الجوانب الأخلاقية .

ظاهرة تحتاج لوقفة
ولفتت الباحثة النفسية الى أن ظاهرة شهود الزور كثرت بين السودانيين، مشيرة الى أن هناك من يشتري شهوداً كي يشهدوا له زوراً، وهي الآن أصبحت سهلة جداً، ويرتبط ذلك بالفقر والضغوط الاقتصادية وترتبط أيضاً بالجوانب التربوية بالمناهج وكيفية تدريب الشخص بالقيم ومدى خطورة شهادة الزور وربطها بالقيم الروحية والأخلاقية من أجل مكافحتها، وقالت: هي ظاهرة فعلاً تحتاج إلى وقفة وبالأخص الإعلام، ولا بد من وضع قوانين صارمة .

فساد المجتمع
شهادة الزور تُعدُّ من أكبر الكبائر التي حذر منها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام تحذيراً شديداً، هذا ما ابتدر به حديثه الشيخ “الهادي حسن” لصحيفة (اليوم التالي)، وتساءل: كيف لا تكون شهادة الزور أكبر الكبائر وفيها تحديث للكذب، وتضييع لحقوق، وطمس لحقائق، وضياع لواجبات، واتهام لأبرياء، وهدر لدماء، وإباحة لما حرم الله، وإشاعة للفوضى، ونشر للأحقاد والكراهية والبغضاء، وعون للظلمة والمجرمين، وتعاون على الإثم والعدوان، وغيرها من الويلات التي تجرها هذه الكبيرة، منوهاً: ولأجل ذلك حرم الله – تعالى – شهادة الزور، واعتبرها من أكبر الكبائر، لذلك نرى أن كل الأفعال التي حرمها الشرع وعاقب عليها هي أعمال تفسد أمنَ المجتمع، والعلاج هو التوبة وعدم الانزلاق إلى المحرمات.

خطر كبير
وقال الخبير التربوي صابر أحمد لـ(اليوم التالي): انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الاستهانة بالقسم، وكثر شهداء الزور حتى إن بعض أهل القانون يعرفون أماكن تجمعهم وجاهزيتهم للشهادة زوراً أمام كافة المؤسسات العدلية أو سواها مقابل المال .
وقال صابر: هذه الظاهرة تشكل خطراً كبيراً على أداء القضاة لواجبهم في الحق والعدل ورد المظالم لأهلها وتسببت في تفشي الظلم.
وأضاف أن هؤلاء لا يقفون عند تحذير النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان متكئاً فجلس وردد: ألا وقول الزور.. كررها حتى تمنى الصحابة أن يسكت ويهون على نفسه.
غياب الأخلاق
وأكد صابر أن من أسباب ظاهرة شهود الزور هو ضعف التعليم والأمية وغياب الأخلاق والمبادئ القيمة التي يتمسك بها الشرفاء في كل المجتمعات وقد كان عرب الجاهلية رغم شركهم بالله لا يكذبون ولا يخونون العهود ولا يتعدون على الضعفاء والنساء والمعوقين والضيوف ولا من ألقى بسلاحه مستسلماً.

ضغوطات اقتصادية
وأضاف صابر أن من أسباب شهود الزور الضغوط الاقتصادية التي تمثل العديد من إفساد الأخلاق وإشاعة الجريمة وهي سبب في كثير من الظواهر السالبة التي تسللت الى ساحتنا السودانية.
وقال صابر إن المسؤول عن كثرة شهود الزور عدم التربية لدى الأسرة والأقارب والمدارس وأئمة المساجد ورجال الدين.. الكل مسؤول عن تردي أخلاق الشباب وعدم تقديمهم للقدوة الحسنة والحض على الأخلاق الرفيعة وترك الدناءة والتردي.
معالجات
وأكد أنها تحتاج إلى معالجة تبدأ من الصغر لهذه الانحرافات قاطبة بتغذية النشء.. (وعلموا النشء علماً يستبين به سبل الحياة وقبل العلم أخلاقاً) وللأمهات دور مؤثر وفاعل في البناء الأخلاقي للصغار ومنع كافة الصفات السيئة التي يمكن أن تظهر لدى أبنائهن وخاصة الكذب والتعدي والتعالي والنفاق والأنانية وتجاوز القوانين المتفق على تنفيذها بين البشر بالحزم والصرامة الكافية.
وقال الداعية الإسلامي السني مصطفى أحمد لـ(اليوم التالي) إن شهادة الزور هي من كبائر الذنوب، وكل ما تفشت الكبائر في المجتمع كل ما كانت العقوبة جماعية والابتلاءات تكثر ويعم الضنك وشظف العيش .
وأضاف السني: شهادة الزور من أعظم الكبائر، وهي من أعظم المنكرات، وفيها ظلم للمشهود عليه بالزور، فالواجب على كل مسلم أن يحذرها، وأن يبتعد عنها لقول الله سبحانه: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30] ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح المتفق عليه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).

ضعاف نفوس
وقال السني: ما نحن فيه الآن من غلاء فاحش وتدهور في الاقتصاد وشبه توقف دولاب العمل والعائد المادي الضعيف الذي لا يكاد يغطي عُشْر الشهر، كل هذه الأسباب تدفع ضعاف الإيمان والنفوس الى فعل هذه المخالفات والأفعال التي قد يأتي من ورائها عائد مادي.
-=-=-
مصحح

 

 


لمتابعة أخبارنا انضم إلى مجموعتنا في الواتساب
انضم الينا في الواتساب